اضطرابات سريلانكا تغيّر قواعد اللعبة وتعيد تسليط الضوء على استراتيجية الصين

قد تكون بداية لمسار اضطراب إقليمي كبير في جنوب آسيا

الاضطرابات الاحتجاجية تجتاح الشوارع في سريلانكا (رويترز)
الاضطرابات الاحتجاجية تجتاح الشوارع في سريلانكا (رويترز)
TT

اضطرابات سريلانكا تغيّر قواعد اللعبة وتعيد تسليط الضوء على استراتيجية الصين

الاضطرابات الاحتجاجية تجتاح الشوارع في سريلانكا (رويترز)
الاضطرابات الاحتجاجية تجتاح الشوارع في سريلانكا (رويترز)

من مواجهة النقص الحاد في الطعام والوقود، والاحتياطات الأجنبية المستنفدة، إلى الاضطرابات السياسية الخطيرة، تتصاعد الحالة الاقتصادية في سريلانكا، الدولة - الجزيرة، الواقعة إلى الجنوب من الهند في المحيط الهندي، إلى مستويات غير مسبوقة. وكانت سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية، والاقتراض المستمر للقروض غير المستدامة، وفشل السياسات العامة، قد أسهمت في اندلاع أزمة سياسية واقتصادية شاملة. وتحت ضغط الاضطرابات استقال رئيس الحكومة ماهيندا راجاباكسا (76 سنة) «عميد» أسرة راجاباكسا الحاكمة، خلال الأسبوعين الأخيرين، ما مهّد الطريق أمام تعيين زعيم المعارضة المحافظة ورئيس الوزراء السابق رانيل ويكريمسنغي في المنصب. وراهناً، يطالب المحتجون في العاصمة كولومبو باستقالة رئيس الجمهورية غوتابايا راجاباكسا (72 سنة) - شقيق رئيس الوزراء المستقبل - ومن غير المحتمل أن تتوقف احتجاجاتهم إلى الآن. ومن جانبهم، يواصل أفراد العائلة المباشرون والمموّلون التابعون لنظام راجاباكسا الفرار من البلاد حيث تقدم الحشود الغاضبة على إحراق ممتلكاتهم.
أدت المشكلات الاقتصادية في سريلانكا أخيراً إلى اندلاع اضطرابات مدنية، سرعان ما أشعلت شرارة أزمة سياسية للإطاحة بالحكم الاستبدادي لأسرة راجاباكسا، على خلفية الاتهامات المتفشية بالفساد والمحسوبية. وفي الوقت عينه، أغلقت سلطات كولومبو المدارس، وطلبت من المسؤولين الحكوميين، باستثناء أولئك الذين يحتاجون لخدمات الطوارئ، ألا يحضروا إلى مقرات أعمالهم، في خطوة يائسة تأهباً لمواجهة النقص حاد في الوقود المتوقع أن يستمر لعدة أشهر وسط أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد. وكان رئيس الوزراء المعين حديثاً رانيل ويكريمسنغي قد قال إن سريلانكا واحدة من الدول القليلة التي من المرجح أن تبقى بلا غذاء بسبب النقص العالمي في الغذاء المتوقع هذا العام. ويُذكر هنا أن نحو 70 في المائة من سكان البلاد، البالغ عددهم 22 مليون نسمة، من البوذيين، ومعظمهم من العرق السنهالي. وفي المقابل، يشكل الهندوس، وجلّهم من التاميل، نحو 12.6 في المائة من سكان البلاد، وبينما يمثل المسلمون نسبة 9.7 في المائة، يمثل المسيحيون 7.6 في المائة.

مَن المسؤول عن السقوط؟
أفراد عائلة راجاباكسا شكّلوا واحدة من أقوى الأسر السياسية - التي طالما هيمنت تقليدياً على السلطة - في سريلانكا، إذ شغل كثير من أفرادها مناصب عليا في الدولة لعقود من الزمان. وللعلم، فإن 4 إخوة وأولادهم من عائلة راجاباكسا احتلوا أعلى المناصب في الحكومة الحالية، فكان غوتابايا راجاباكسا رئيساً للجمهورية، وأخوه ماهيندا راجاباكسا رئيساً للوزراء. كذلك، كان أخوهما شامال وزيراً للري، وأخوهما الآخر باسيل وزيراً للمالية. وفي تشكيلة الحكومة، من الجيل الثاني، كان نامال نجل ماهيندا راجاباكسا وزيراً للرياضة، وكان أخوه يوشيثا كبير موظفي رئاسة الوزراء. بينما كان ساشيندرا، ابن عمهما شامال، وزيراً للدولة للزراعة. ومن جهة أخرى، كان نيبون رانافاكا، ابن شقيقة ماهيندا راجاباكسا، وزير دولة. غير أن عائلة راجاباكسا ذهبت أخيراً ضحيةً لانقلاب مذهل في حظوظها السياسية، ودفعت نفوذها ثمن التراجع غير المسبوق في الاقتصاد بسبب سوء الإدارة والفساد والمحسوبية.
الجدير بالذكر أن ماهيندا راجاباكسا – الذي تولى رئاسة الجمهورية بين خريف 2005 ومطلع 2015 – كان قد قاد عملية تغيير دستوري يسمح له بالترشح لفترة رئاسية ثالثة، ودعا إلى إجراء انتخابات في أوائل 2015 للاستفادة مما اعتبره أفضلية له، بيد أنه هُزم في ردة فعل مفاجئة على يد مايثريبالا سيريسينا، الذي حصل على دعم الأقليات عبر برنامجه الإصلاحي والدفع باتجاه المصالحة.
ولكن مع ابتلاء حكومة سيريسينا الائتلافية بالمشكلات الناتجة عن الاقتتال الداخلي والاختلال الوظيفي، استهدف المتطرفون الإسلاميون في عيد الفصح يوم الأحد 2019 الكنائس المسيحية والفنادق الفخمة في هجمات انتحارية منسّقة. وفي خضم موجة من القومية الشعبوية البوذية، حقق غوتابايا راجاباكسا (72 سنة) - شقيق ماهيندا الأصغر - انتصاراً انتخابياً كاسحاً يوم نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وانتخب بالتالي رئيساً جديداً للجمهورية بغالبية ساحقة. ثم عقب ذلك انتصار كاسح آخر لحزب الشعب السريلانكي الذي يترأسه في الانتخابات العامة التي أجريت خلال أغسطس (آب) 2020. وهو ما ضمن له الحصول على غالبية الثلثين في البرلمان، كما ساعدته على إعادة أخيه الأكبر ماهيندا إلى الأضواء وتوليه منصب رئيس الوزراء.
ولكن في شريط الاضطرابات الأخيرة هاجم المحتجون الغاضبون معقل العائلة وحصنها السياسي في منطقة هامبانتوتا، وأجبروا أفرادها على الاحتماء في قاعدة بحرية شديدة التحصين، كما لم يشاهد الرئيس غوتابايا راجاباكسا خارج مجمعه الذي يخضع لحراسة مشددة على الرغم من تشبثه بالسلطة.

كارثة اقتصادية
في رواية للكاتبة الصحافية ناتاشا إيشاك لما حدث، فإنها تقول إن كثيراً من الناس يُعزون الأزمة الاقتصادية في سريلانكا إلى سوء إدارة الحكومات المتعاقبة للأموال، وخاصة من قبل عائلة راجاباكسا، التي هيمنت على البلاد طيلة عقدين من الزمان تقريباً. وهي ترى أنهم بمجرد تمكينهم من قبل القومية البوذية السنهالية المظفرة بعد حرب أهلية وحشية، تبددت حظوظ العائلة إزاء ما يسميه حلفاؤهم العجز الشديد والرفض الشعبي، وحقاً، يصر المحتجون وأحزاب المعارضة الآن على ضرورة استقالة رئيس الجمهورية بعد استقالة رئيس الحكومة السابق، وسط شبه إجماع على أن التدهور الاقتصادي جاء بالدرجة الأولى نتيجة للقرارات السياسية السيئة التي اتخذها.
أيضاً، ثمة من يشير إلى غلبة النفعية السياسية على القرارات الرشيدة بعد فترة قصيرة من انتخاب الرئيس. وفي هذا السياق، أُعلن عن تخفيضات ضريبية سخية، زُعم أنها كانت تهدف إلى تحفيز الاقتصاد، لكنها في الحقيقة كانت تهدف إلى استرضاء الناخبين في الانتخابات العامة التي أجريت بعد بضعة أشهر. وبحلول أبريل (نيسان) 2022، بلغت خسائر الإيرادات الناجمة عن التخفيضات الضريبية 500 مليار روبية (1.3 مليار دولار أميركي). وحول هذه النقطة، قال علي صبري، وزير المالية الجديد، أمام البرلمان، إن التخفيضات الضريبية كانت خطأ تاريخياً.
ومع تفاقم الأزمة وخروجها عن السيطرة، دفع «جبل» الديون الخارجية سريلانكا إلى التخلف عن سداد قروض ديونها الخارجية التي بلغت قيمتها 51 مليار دولار للمرة الأولى منذ استقلالها عام 1948. ولقد أفاد المصرف المركزي للبلاد بأن سداد الديون سيستغرق على الأقل 6 أشهر. وتحت الضغوط المتواصلة، كان لا بد أن تطلب سلطات كولومبو المساعدة من صندوق النقد الدولي. وفعلاً طلبت الحكومة من صندوق النقد الدولي تقديم دعم مالي سريع، ومنحها قرضاً مرحلياً لتحقيق الاستقرار في الأزمة الاقتصادية. غير أن الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي سيستلزم من السلطات السريلانكية تنفيذ خطة لإعادة هيكلة الديون. وكان من المتوقع قريباً اختتام المناقشات الجارية بين صندوق النقد الدولي وكولومبو للمساعدة في تخفيف حدة الأوضاع الاقتصادية المزرية.
كذلك كان من المرجح إلى حد كبير حصول سريلانكا الآن على القرض السابع عشر من صندوق النقد الدولي لتخطي الأزمة الحالية، ما من شأنه أن يفرض شروطاً جديدة. وكان آخر قرض قدمه صندوق النقد الدولي للبلاد عام 2016. وبالفعل، تلقت 1.5 مليار دولار أميركي لـ3 سنوات من 2016 إلى 2019. ويومها كانت الظروف مألوفة، إذ تأزمت صحة الاقتصاد الوطني خلال تلك الفترة. وجاء في ورقة عمل صادرة عن بنك التنمية الآسيوي عام 2019 «أن سريلانكا دولة ذات اقتصاد كلاسيكي يعاني من العجز المزدوج». وبالمناسبة، فإن «العجز المزدوج» يعني أن الإنفاق الوطني لأي دولة يتجاوز دخلها الوطني، كما أن إنتاجها من السلع والخدمات القابلة للتداول غير كافٍ. لكن الأزمة الحالية في سريلانكا تسارعت بسبب التخفيضات الضريبية العميقة التي وعد بها الرئيس راجاباكسا خلال حملته الانتخابية 2019، والتي جرى تفعيلها قبل أشهر من جائحة «كوفيد 19» التي قضت على أجزاء من اقتصاد البلاد.
ومع تراجع قطاع السياحة السريلانكية المربح، وكذلك انخفاض حجم تحويلات العمال الأجانب بسبب الجائحة، تحرّكت وكالات التصنيف الائتماني نحو تخفيض تصنيف سريلانكا، ومنعتها فعلياً من الدخول إلى أسواق رأس المال الدولية. وفي المقابل، انحرف برنامج إدارة الديون في البلاد عن مساره، وهو الذي كان يعتمد على الوصول إلى تلك الأسواق، وانخفض أيضاً احتياطي النقد الأجنبي بنسبة 70 في المائة تقريباً في غضون سنتين. وكان قرار حكومة راجاباكسا بحظر كل الأسمدة الكيماوية عام 2021 – وهي خطوة تراجع عنها لاحقاً - قد أضرّ كثيراً بقطاع الزراعة في البلاد، وأدى إلى انخفاض محصول الأرز الحيوي. وهنا، يلحظ الخبير الاقتصادي الهندي أيوشي تشودري اعتماد كولومبو سياسة مالية انكماشية بعد ذلك، الأمر الذي سيحدّ من احتمالات الانتعاش الاقتصادي، ويزيد من معاناة الشعب السريلانكي. ومع انتظار آلاف المواطنين في طوابير أمام محطات الوقود في مختلف أنحاء البلاد، كانت الحكومة تجد مصاعب في إيجاد المال اللازم لدفع تكاليف استيراد الوقود والغاز وغيرهما من الضروريات.
ومع تراكم الديون الخارجية للبلاد، عانى قطاعها السياحي - الذي كان في السابق صناعة تبلغ قيمتها 4.4 مليار دولار ومصدر دخل رئيساً لها - من ضربات متتالية. وفي عام 2019، عانت السياحة من سلسلة من التفجيرات التي استهدفت الكنائس وأسفرت عن مقتل ما يقرب من 300 شخص، بمن فيهم بعض الرعايا الأجانب.
ثم في العام التالي، شلّت جائحة «كوفيد 19» السياحة وقطاعات رئيسة أخرى تماماً... في خضم انكماش اقتصادي عالمي. ومع أن سريلانكا شهدت بعض الزيادة في عدد زوارها الأجانب خلال العام الماضي، فإن الجائحة المستمرة، والمصحوبة الآن بالغزو الروسي لأوكرانيا - وهما المصدران الرئيسان للسياحة لسريلانكا قبل الصراع - واصلت إبطاء انتعاش صناعة السياحة.

لماذا لوم الصين؟
يعتقد كثيرون أن العلاقات الاقتصادية السريلانكية - الصينية هي المحرك الأساسي للأزمة. ولقد وصفت الولايات المتحدة هذه الظاهرة بأنها «دبلوماسية فخ الديون»؛ حيث تقدم دولة دائنة، أو مؤسسة دائنة، الديون إلى دولة مقترضة بهدف زيادة النفوذ السياسي للجهة المُقرضة. ومن ثم، إذا مدد المقترض فترة التسديد ولم يستطع سداد الديون، فإنه سيجد نفسه تحت رحمة الدائن. ولكن مع استمرار أزمة ديون سريلانكا في تسليط الضوء على ممارسات الإقراض الصينية، دأبت بكين على نفي الاتهامات بشأن ما يسمى «دبلوماسية فخ الديون».
راهناً، تحتل الصين المرتبة الثالثة بين دائني سريلانكا، بعد اليابان وبنك التنمية الآسيوي، وتمثل ديونها 10 في المائة من الدين. ويشمل ذلك 11 مليار دولار أميركي من مشروعات «مبادرة الحزام والطريق» الصينية أنفقتها الجهات المقرضة الصينية على تلك المشروعات، ويضاف إليها تعهد بكين «بلعب دور إيجابي» في المباحثات مع صندوق النقد الدولي حول قرض طارئ محتمل. أيضاً عرضت بكين تقديم مزيد من القروض، لكنها امتنعت عن الانضمام إلى العملية التي قد تخفض ديون سريلانكا، ربما خوفاً من مطالبة بإعفاءات مماثلة من مقترضين آخرين في «مبادرة الحزام والطريق» مدينين بعشرات المليارات من الدولارات. وأخيراً، صرح السفير الصيني في كولومبو للصحافيين بأن التفاوض مع صندوق النقد الدولي سيتعارض مع عرض القرض الذي قدمته بكين. وهنا نشير إلى أن بكين تجنبت الانضمام إلى «نادي لندن للمقرضين الحكوميين»، الذي هو المنتدى المعنيّ بالتفاوض على خفض الديون.
في المقابل، يرى خبراء أنه إذا حاولت بكين تجنب خفض الديون، فإن ذلك قد يعرقل مباحثات صندوق النقد الدولي، أو يدفع دائني القطاع الخاص إلى الصمود للحصول على مزيد من الأموال. و«غياب التعاون من قبل بكين سيُعقد رحلة استرداد الديون في سريلانكا». وهنا يشير غولبين سلطانا، الزميل المشارك في معهد «مانوهار باريكار» للدراسات والتحليلات الدفاعية في نيودلهي، أن «لدى الصين أجندة خفية لرفض إعادة جدولة قروضها لسريلانكا». وأردف أن بكين تريد الاستفادة من عجز سلطات كولومبو عن سداد القروض في موعدها. وتنتظر بكين اليوم الوقت المناسب للدخول في مبادلة للديون بالأسهم والحصول على أراضٍ في سريلانكا. ومن شأن هذه المقايضة تحويل القروض السابقة إلى أسهم. الأمر الذي يمنح الصين ملكية المشروع في البلاد. وهنا يستشهد سلطانا بسابقة مشروع ميناء هامبانتوتا الممول من قبل الصين، الذي وضع من خلال آلية المقايضة عام 2017 بعد عجز سريلانكا عن سداد الديون في الوقت المحدد. وبالفعل، حصلت الصين على 70 في المائة من الملكية بعد تحويل القروض إلى ملكية في الميناء.

                                                    رئيس الجمهورية غوتابايا راجاباكسا
المعارضة: اللوم على المشاريع غير الواقعية
> يقول زعماء المعارضة إنه في الوقت الذى تحتاج سريلانكا إلى الصين لخفض ديونها، يقع اللوم على القادة الذين بنوا مشاريع غير واقعية لا يمكنهم تسديد تكاليفها بأنفسهم، بينما فشلوا في الاستثمار في التنمية الاقتصادية. وقال كبير هاشم، عضو مجلس النواب «إن القروض الأجنبية شقت طرقا سريعة، وشيدت مطارات، وقاعات اجتماعات في الغابات تلك التي لم تُدر أي عوائد بالعملة الأجنبية. والآن ليس لدينا الدولارات التي تمكننا من إعادة هذه القروض». وفي هذا السياق، شُيد ميناء هامبانتوتا - في مسقط رأس الرئيس ماهيندا راجاباكسا - آنذاك... وسدد له 1.1 مليار دولار أميركي في هيئة قروض صينية. كذلك، أنقذت بكين الميناء عام 2017 من خلال شراء شركة «تشاينا ميرشانتس غروب» المملوكة للدولة، بعقد إيجار مدته 99 سنة تبلغ قيمته 1.1 مليار دولار، ويشمل ذلك أراضي لمنطقة صناعية. وأيضاً، منح الاتفاق سريلانكا سيولة نقدية لتسديد ديون البنوك الصينية. وجرى دفع قروض صينية لمطار دولي بالقرب من هامبانتوتا لا تستخدمه سوى قلة محدودة من شركات الطيران.
هذه الحقائق أدت إلى تجدد الاتهامات بأن بكين استخدمت «فخ الديون» لبسط النفوذ في البلاد. وحسب البرلماني ويجياداسا راجاباكشي «كانوا يعرفون أننا لا نملك القدرة على السداد... ولذا كان لا بد من إقناع الصينيين بالتخلي عن جزء على الأقل من القروض. إن الفقراء العاديين، الذين لا يجدون وجبة واحدة في اليوم، يدفعون هذا الدين الآن».

أزمة سريلانكا... الأبعاد والمصالح الإقليمية
> تقدمت دول كثيرة لمساعدة سريلانكا. وكمثال، كانت الهند تساعدها إلى حد كبير في دعم استقرار الأزمة الاقتصادية، إذ أمّنت سلطات نيودلهي لحكومة كولومبو مؤخرا خطاً ائتمانياً بقيمة 1.5 مليار دولار أميركي لتجاوز أزمة الوقود في البلاد، بالإضافة إلى 2.4 مليار دولار أخرى من خلال مبادلة العملة وتأجيل القروض. ويقترح أخيل بري، الزميل لدى معهد سياسات المجتمع الآسيوي، تقديم مساعدة إنسانية رباعية إلى سريلانكا. ويرى أن هناك فرصة أمام كل من الهند والولايات المتحدة لتقليص تأثير الصين على سريلانكا، وتعزيز «الشراكة مع نيودلهي» من خلال دعم أهداف السياسة الخارجية المركزية المتمثلة في الحفاظ على التفوق الإقليمي، ومواجهة التطويق الصيني، وأن موازنة سياسة الصين الخارجية إزاء سريلانكا تستلزم إعادة تقييم عاجلة. كذلك ثمة فرصة لتوازن السياسة الخارجية السريلانكية بحيث تكون في إطار النظام العالمي القائم على القواعد، وغرس المعايير المالية الأكثر موضوعية وحكمة، والابتعاد عن القروض الصينية غير الشفافة ذات الفائدة العالية، والمشاريع غير المربحة.
وحسب الخبراء، يرجح أن تمكن عملية إعادة التقييم الاقتصادي لسريلانكا من حصول سلطات كولومبو على التمويل من قنوات متعددة، بما في ذلك دول «المجموعة الرباعية» (الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا).
وهنا نشير إلى أن التزام كولومبو بمنطقة المحيطين الهادي والهندي كانت غير واضحة إثر ميلها نحو بكين. واليوم، يحذر عدد من الخبراء من أن باكستان قد تكون الدولة التالية في سلسلة السقوط الاقتصادي، كما أن نيبال وبنغلاديش والمالديف تقع أيضا داخل منطقة الخطر، جنبا إلى جنب مع العديد من الدول الافريقية، التى كانت جزءا من مشاريع «مبادرة الحزام والطريق» الصينية.


مقالات ذات صلة

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

الاقتصاد طابور طويل أمام وزارة الهجرة السريلانكية للحصول على جوازات سفرهم خارج البلاد التي تعاني من إفلاس (إ.ب.أ)

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان الأربعاء إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعياً إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد في ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا أنني لست هنا لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه لدى وصوله لإلقاء كلمة أمام البرلمان في كولومبو (أ.ف.ب)

رئيس سريلانكا يتوقع البقاء في حالة إفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان، اليوم الأربعاء، إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعيًا إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا انني لست هناك لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». وأضاف «إذا واصلنا خطة (الإصلاحات) يمكننا الخروج من الإفلاس بحلول 2026». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
العالم الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينغه خلال العرض العسكري (أ.ب)

الرئيس السريلانكي يدعو إلى التفكير في «الأخطاء» الماضية

بينما تمر البلاد بأزمة كبيرة، دعا الرئيس السريلانكي، رانيل ويكريمسينغه، خلال عرض عسكري بمناسبة مرور 75 عاماً على استقلال البلاد، إلى التفكير في «الأخطاء والإخفاقات» الماضية. ومنذ انتهاء الاستعمار البريطاني في 1948، قضت الدولة الجزيرة جزءاً كبيراً من تاريخها في حرب مع نفسها.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد صورة أرشيفية تظهر مسار قاطرات تنقل مواد تعدينية من مدينة الجبيل السعودية (غيتي)  -   نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي

سريلانكا تتطلع للاستفادة من تجربة التعدين السعودية

شدد المهندس نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي على آفاق التعاون بين كولمبو والرياض بمختلف المجالات، وقطاع التعدين على وجه التحديد، متطلعا إلى تعزيز التعاون مع السعودية بقطاع التعدين، والاستفادة من تجارب المملكة في تطوير الصناعة المعدنية وقوانين وأنظمة المعادن، والمواكبة، والنهوض بإمكانات بلاده المعدنية. ودعا نصير السعوديين للاستثمار بالقطاع في بلاده، وإقامة مشاريعهم الاستكشافية والقيمة المضافة للإنتاج التعديني في البلدين، مشيرا إلى أن بلاده بدأت حقبة جديدة في التنمية الاقتصادية والنمو، وفي طريقها لتجاوز التحديات التي أفرزت انهيارا اقتصاديا وضائقة مالية. وشدد نصير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «على ا

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
العالم عناصر من جيش سريلانكا (أرشيفية - إ.ب.أ)

سريلانكا تخفض جيشها بنحو الثلث لخفض الإنفاق

قال وزير الدفاع السريلانكي، اليوم الجمعة، إن بلاده ستخفض قوام جيشها بما يصل إلى الثلث، إلى 135 ألفاً بحلول العام المقبل، وإلى 100 ألف بحلول عام 2030، فيما تحاول البلاد، التي تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ أكثر من سبعة عقود، خفض الإنفاق. وقال بريميتا باندارا تيناكون في بيان: «الإنفاق العسكري هو في الأساس نفقات تتحملها الدولة، التي تحفز بشكل غير مباشر وتفتح مجالات للنمو الاقتصادي عن طريق ضمان الأمن القومي وأمن السكان».

«الشرق الأوسط» (كولومبو)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.