توقع مسؤول في بنك إتش إس بي سي الشرق الأوسط، أن المنطقة ستشهد طفرة غير مسبوقة في عمليات الطرح الأولي للاكتتاب العام، مدفوعة بالحكومات التي تقوم بطرح بعض من أصولها الهامة في أسواق الاكتتاب العام، والتي تركز على زيادة تطوير أسواق رأس المال المحلية وإعادة الاستثمار في قطاعات مختلفة من اقتصاداتها.
وقال سامر الدغيلي رئيس أسواق المال، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا في بنك إتش إس بي سي الشرق الأوسط، إن القطاع الخاص حذا حذو القطاع الحكومي، حيث تم طرح عدد من الإصدارات في نهاية العام الماضي وفي الربع الأول من عام 2022. لا سيما في السعودية، مع توقع المزيد من هذه الإصدارات في النصف الثاني من هذا العام.
أسواق السعودية والإمارات
أوضح الدغيلي أن أسواق البورصة في السعودية وأبوظبي في العام الماضي عملت على تولي زمام القيادة في إعادة فتح أسواق رأس المال الإقليمية بعد تعثر نشاطها في أعقاب تفشي جائحة كورونا، وقال: «أدرجت شركتا (أدنوك) و(مبادلة) العملاقتان المملوكتان لحكومة أبوظبي ثلاث شركات تابعة لها في سوق الأسهم (ياسات، وأدنوك للحفر، وفيرتيغلوب)».
وأكد: «تصدرت قائمة عروض الاكتتاب العام في سوق تداول السعودية، على سبيل المثال وليس الحصر، الشركة العربية لخدمات الإنترنت والاتصالات السعودية (سليويشونز) وأكوا باور) و(مجموعة تداول)، وكذلك قيام صندوق الاستثمارات العامة بطرح جزء من أسهمه في شركة الاتصالات السعودية للبيع.
وتابع: «حذت حكومة دبي حذوها وأعلنت العام الماضي عن خطط لإدراج عشر شركات مدعومة من قبل الحكومة. ولقد نجحت حكومة دبي حتى الآن في إتمام أول عملية طرح أولي للاكتتاب العام من بين عشرة عمليات اكتتابات عامة محتملة - وتمثل ذلك في الطرح الأولي للاكتتاب العام لهيئة كهرباء ومياه دبي الذي وصلت قيمته إلى 6.1 مليار دولار - وهي أكبر عملية طرح أولي للاكتتاب العام على الإطلاق في الإمارات وثاني أكبر عملية اكتتاب في المنطقة بعد (أرامكو) والذي كان لبنك إتش إس بي سي دور في قيادة هذين الطرحين».
وأضاف: «استمر الزخم في أسواق رأس المال خلال عام 2022 في الوقت الذي كانت فيه الأسواق العالمية مغلقة إلى حد كبير، وقد ساعدت عدة عوامل على استمرار زخم وإيجابية أسواق المنطقة من بينها ارتفاع أسعار النفط، وانخفاض مخاطر التضخم وتوقعات مستقبلية أكثر إيجابية وقوة نسبياً للاقتصاد الكلي للمنطقة».
وأكد أن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يبدو أنها نجت بالخروج من أزمة جائحة «كوفيد - 19» بشكل أسرع وأفضل، اجتذبت اهتماماً متزايداً من قبل المستثمرين الدوليين الذين قاموا بتحريك رؤوس أموالهم من الاقتصادات الأوروبية الرئيسية والأسواق الناشئة الأوسع للتركيز على المنطقة، وقال: «أدى ذلك لأن تصبح المنطقة من أكثر أسواق رأس المال نشاطاً في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لعام 2022 منذ بداية العام حتى الآن، حيث تم إتمام 7 عمليات طرح أول للاكتتاب العام في عام 2022 في كل من السعودية والإمارات وبقيمة إجمالية وصلت أكثر من 10 مليارات دولار».
استمرار النشاط
ولفت رئيس أسواق المال، بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا في بنك إتش إس بي سي الشرق الأوسط أن القيمة الإجمالية للاكتتابات العامة التي تم طرحها في السعودية والإمارات وصلت إلى 11 مليار دولار تقريباً في عام 2021. وبالمقارنة مع الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022، فقد وصلت قيمة الاكتتابات العامة في هذين السوقين ما يقرب من 10 مليارات دولار أميركي مما يدل على مدى الإقبال القوي والتوقعات الإيجابية لعمليات الطرح في منطقة الشرق الأوسط لهذا العام، وأضاف: «من المتوقع أن يستمر نشاط أسواق رأس المال في الجزء المتبقي من عام 2022 بشكل قوي عبر كل من القطاعين العام والخاص، حيث من المتوقع أن تبقى السعودية والإمارات الأكثر نشاطاً في هذا المضمار».
القطاعات النشطة
وتطرق الدغيلي إلى وجود عمليات الطرح الأولي للاكتتاب العام في المنطقة ولا تزال تشمل عدداً متنوعاً من القطاعات، وقال: «يركز المستثمرون، بما في ذلك المستثمرون الأجانب، بشكل كبير على الحجم والنوعية والربحية المالية للمصدرين في عمليات الطرح الأولي للاكتتابات العامة القادمة إلى السوق، بالإضافة إلى الآفاق المستقبلية لهذه الشركات في سياق الأداء الاقتصادي الكلي وخطط التحول الاقتصادي لحكومات المنطقة».
وتابع: «في حين أن معظم المستثمرين الدوليين الذين يركزون على المنطقة لديهم توجهات لأسواق أو مناطق معينة وبالتالي فإن نظرتهم تجاه القطاعات غير محددة، فإن معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية تعتبر من المواضيع الرئيسية التي تقود عدداً من المستثمرين الدوليين وتوجهاتهم الاستثمارية».
وزاد: «في حين أن هذا التوجه أدى إلى وجود نوع من الانتقائية للقطاعات والأصول لدى بعض المستثمرين الدوليين، إلا أنه دفع أيضاً بالمصدرين الإقليميين إلى تحسين ممارساتهم والإفصاحات المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية كجزء من عمليات الاكتتاب العام».
تأثير التقييم المرتفع بسبب المنافسة على عمليات الطرح
وأكد أن الأداء المتفوق في أسواق الخليج الرئيسية مقابل الأسواق الناشئة الأخرى لن يثني المستثمرين المحتملين. في حين أنه من العدل القول إن بعض الشركات المدرجة في أسواق البورصة الإقليمية يتم تداولها بشكل أعلى نسبياً من ناحية التقييم، مقارنة مع نظيراتها في الأسواق الناشئة الأخرى، إلا أن التقييمات تستند عادة على مؤشرات مستقبلية من حيث إمكانات النمو وخطط التحول الاقتصادي الطموحة الجارية في المنطقة.
وقال: «كانت السعودية، ومن المتوقع أن تبقى، السوق الأكثر نشاطاً في المنطقة مع وجود رغبة لدى كل من القطاعين الخاص والعام في دعم أسواق رأس المال بشكل أكبر مع إعادة استثمار رأس المال في قطاعات مختلفة من الاقتصاد المحلي».
وأضاف: «استمر برنامج التحول الاقتصادي الطموح للسعودية (رؤية 2030) في تحقيق خطوات كبيرة ويرى مجتمع المستثمرين، على الصعيدين المحلي والدولي، فرصاً كبيرة في هذا الجانب. وشدد على أن بنك (إتش إس بي سي) سيلعب دوراً رئيسياً في تطوير أسواق رأس المال ومسيرة التحول الاقتصادي في السعودية.
أسعار النفط
أكد أن الإجراءات والسياسات التي تنتهجها الحكومات الإقليمية، بما في ذلك أسواق رأس المال، تتجاوز مسألة أسعار النفط الحالية، وقال: «تتطلع السياسات الحكومية اليوم إلى ما بعد الخمسين عاماً القادمة لبناء اقتصادات مستدامة ومتنوعة تعتمد بشكل أقل على العائدات النفطية، وإن تطوير أسواق رأس المال في المنطقة، وتعميق أسواق البورصة المحلية وتعزيزها كوسيلة فعالة لربط مزودي رؤوس الأموال وجهات الإصدار وإعادة الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الناشئة تعتبر ركيزة أساسية، ولهذا السبب فإنها ستستمر بغض النظر عن أسعار النفط السائدة حالياً».
خطط الطرح
وحول التحديات التي يمكن أن تواجه الاكتتابات قال الدغيلي إن الأسواق الحالية تعتبر مواتية لأنشطة الطرح الأولي للاكتتاب العام، إلا أن التباطؤ المحتمل في الانتعاش الاقتصادي العالمي والنمو قد يمتد إلى المنطقة ويؤثر على معنويات المستثمرين.
وأضاف: «من هذا المنطلق، كانت المنطقة حتى الآن مرنة نسبياً من الناحية الاقتصادية ومركزاً جاذباً ومشجعاً للمستثمرين بالنظر إلى الأوضاع الصعبة والمتقلبة للأسواق على المستوى العالمي خلال الربع الأول من عام 2022».
وأكد أن اقتصادات المنطقة تشهد تحولات كبيرة مدعومة بمبادرات حكومية والتي لا نجد ما يماثلها في أسواق أخرى، وبالتالي فهي جاذبة لاهتمام المستثمرين على المستوى العالمي، ولقد خرجت الاقتصادات الإقليمية بشكل أسرع وأقوى من تأثيرات جائحة «كوفيد - 19». مدعومة بارتفاع أسعار النفط، واستقرار البيئة التضخمية وقوة الاقتصاد الكلي.
وأضاف: «دعم ذلك أسواق رأس المال في المنطقة في وقت كانت فيه الأسواق العالمية الأخرى تتمتع بنشاط معتدل نسبياً مع ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ النمو وعدم الاستقرار والوضوح من الناحية الجيوسياسية».