بازوليني وماريا كالاس... علاقة الحب المستحيلة

رواية إيطالية تستلهم علاقتهما بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد السينمائي والشاعر

ماريا كلاس وبازوليني
ماريا كلاس وبازوليني
TT

بازوليني وماريا كالاس... علاقة الحب المستحيلة

ماريا كلاس وبازوليني
ماريا كلاس وبازوليني

ربما من أشهر علاقات الحب في القرن العشرين، علاقة الحب بين الشاعر والسينمائي والرسام والروائي بيير باولو بازوليني (1922 - 1975) الذي تحتفل إيطاليا هذا العام بالذكرى المئوية لميلاده، وأيقونة فن الأوبرا ماريا كالاس (1923 - 7719)، التي عاشت حياة صاخبة على المستويين الفني والشخصي، متنقلة بين اليونان وإيطاليا وفرنسا، وعشت حياة عاطفية صاخبة، خصوصاً علاقتها بالملياردير اليوناني أرسطو أوناسيس، التي دامت عشر سنوات.
هذه العلاقة الغامضة والمعقدة بين الاثنين هي موضوع رواية «الملهم وأيقونة الغناء» للروائي الإيطالي جوزيبي مانفريدي، التي صدرت هذه الأيام بمناسبة الذكرى المئوية لبازوليني. ويرى مؤلف الرواية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «موهبة الشاعر بازوليني المتوقدة ومعرفته العميقة بمفاتيح معاناة ماريا كالاس وأسرار حياتها المعقدة، هي من أبرز العوامل التي أعطت لماريا الانجذاب لشخصية بازوليني التي تتسم بصفاء السليقة وجاهزيتها الدائمة لالتقاط كل ما يحرك القلب من مشاعر عاطفية بالغة الاحتدام. بازوليني كأي شاعر آخر، اتسمت شخصيته، بكثافة الأفكار والتطلعات المدهشة، وغوصه الرؤيوي ونصوصه الشعرية المفعمة بالحماسة».

غلاف الرواية

ومن هذا المنطلق، اشتغل الروائي على الذاكرة كعملية استرجاعية يحاكم بها الحاضر، باستعادة تلك اللحظات التاريخية للمكان كنتيجة حتمية، مروراً بالكثير من المنعطفات والأحداث والشواهد الحيوية التي عاشها كل من بازوليني وماريا كالاس.
واشتهر الروائي مانفريدي أساساً بكتابة قصص الأفلام والمسرحيات، وصدرت له عدة روايات ناجحة حازت جوائز إيطالية وأوروبية مرموقة. وهو في روايته الجديدة، يخوض مجازفة جمالية في تناول واحدة من أجمل السير وأكثرها تشويقاً، لما تتمتع به من صدق واحتفاء عارم بالحياة.
ورداً على سؤالنا عن ظاهرة كثافة إصدارات الكتب والدراسات هذا العام حول حياة بازوليني، والتي أثار بعضها، وما زال، جدلاً، يقول مانفريدي: «إن هذا التداول المستمر يغذي نوعاً من الشعور بالحاجة لمعرفة عبقرية بازوليني، من خلال مساهماته وسيرته الذاتية وتأثيره في السياق الثقافي لإيطاليا، التي لا تزال غير واضحة المعالم. هناك فجوات كثيرة في هذه السيرة، تحتاج قراءة لفكر هذا المثقف الموسوعي، واستكشاف واستنطاق الكثير من كتاباته ومواقفة التي لا تزال مخفية، عبر تحليل معمق لدوره الرائد في النصف الثاني من القرن الماضي. إن استعادة بازوليني بمناسبة مئويته، تكاد تكون اليوم ملحة، وذات صلة أكثر من أي وقت مضى في أعقاب التحولات التي تعيشها إيطاليا اليوم، وتقدم نموذجاً ملهماً للمثقف للتعاطي مع العديد من الأسئلة المصيرية التي ما زالت مطروحة».
ويضيف مانفريدي حول وثائقية السرد في روايته: «إنه ليس كتاباً عن بازوليني، الذي يظهر في الواقع باسم عائلته فقط في البداية، ثم يتحول ببساطة إلى (بيير باولو)، ولكنه كتاب لبازوليني، في عام الذكرى المئوية له، ولمن يحبون قصص الحب العميقة والمستحيلة... في هذه الرواية كل شيء صحيح وكل شيء متغير. من الصحيح قبل كل شيء أنه، في المجموعة، ولد حب قوي بقدر ما كان من المستحيل العيش بين ماريا وبيير باولو، نظراً لأن رغبتها في الحياة الطبيعية لا يمكن أبداً التوفيق بينها وبين حياته العاطفية».
وكان اللقاء الأول بين الاثنين قد حصل في بلدة جوريم التركية بعد يوم حافل من التصوير المخصص لإنتاج فيلم «ميديا». وفي هذا الفيلم المقتبس من عمل مسرحي يوناني كلاسيكي، ينقل بازوليني إلى الشاشة قصة «ميديا» التي قتلت أطفالها بعدما أعلن والدهم «جايسون» فك ارتباطه بها والزواج من أميرة أصغر منها سناً. وتتوالى أحداث الأسطورة لتنتهي بالمأساة المفجعة التي وصلت إليها «ميديا» في النهاية.
كان بازوليني بعيداً عن عالم الأوبرا الذي كان يرى فيه فناً منحازاً للذوق البرجوازي المترف، إلا أنه كان مشدوداً إلى فتنة صوت كالاس التي قال عنها في أحد مقالاته «على الأقل في بُعد واحد، أحمل لها عاطفة تفوق أي حب». من بعيد، كان الاثنان يكرهان بعضهما البعض. هي متطرفة في تقلبها المزاجي، وهو معتد بنفسه ومكابر. إنها بدت في نظره تجسيداً ملموساً لانطلاقة الشباب وجرأته. بعد هذا اللقاء، اختار بازوليني، ماريا كالاس، لتجسد شخصية «ميديا» في الفيلم، في دورها السينمائي الوحيد. ومع أنه كره تفاخرها البرجوازي، إلا أنه عدَّ شخصية كالاس مطابقة لدور الأم القاتلة، فهي «امرأة طفلة، غير آمنة ومندفعة، ساحرة وريفية حالمة، ضحية عاطفة رجل المال والبترول»، كما سبق لها وأن قامت بدور ميديا بشكل رائع في أوبرا للموسيقار لويجي تشيروبيني. لقد صور بازوليني الفيلم في عدة أماكن بعدة مدن إيطالية، وتركيا، وأيضاً في قلعة حلب الشهيرة. ولأول مرة في هذا الفيلم لم يستدع بازوليني ممثلين من الشارع، ولكن شخصيات حقيقية ومشهورة. فقد اختار الرياضي الشهير جوزيبي جنتيلي، بطل الوثب الثلاثي الذي كان عائداً برقمين قياسيين عالميين في الأولمبياد المكسيكية العام السابق، ليقوم بدور «جايسون». من جانبها، وجدت ماريا كالاس فرصة للقاء بازوليني. وفي العقد الموقع بين الطرفين، تم إدخال بند يحظر التصوير العاري. تم تصوير الفيلم في كابادوكيا وحلب وبيزا وبحيرة جرادو.
لقد أثقلت ماريا كالاس بالأزياء الثقيلة جداً التي سجنت فيها، وهي تتحرك كأنها نصب تذكاري حي يبدو قادراً على أخذ كل شيء، الشمس والأرض وعناصر الكون. لكن تحت هذا الدرع من الثياب، رأى بازوليني أنها شخصية مبهجة وجذابة وحساسة إزاء الجمال، ومندفعة عاطفياً، ضحية عاطفة أوناسيس الوحشية، بالمقارنة مع وداعته. وهكذا انطلقت شرارة الإعجاب المتبادل والانجذاب الشخصي. ولعل من باب المفارقة البحتة أن تكون الحياة البوهيمية الصاخبة التي عاشتها. لقد كان حضورها، قد جسد بالنسبة له «منجم الوجود الروحي».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
TT

وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)

حث الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة الأدب والنشر والترجمة، السبت، الطلاب المبتعثين في برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» في اليابان، على أهمية التأهيل العلمي والأكاديمي في التخصصات الثقافية للإسهام بعد تخرجهم في رحلة تطوير المنظومة الثقافية في بلادهم.

وأكد الأمير بدر بن عبد الله، خلال لقائه عدداً من الطلاب المبتعثين في مقر إقامته في طوكيو، دعم القيادة السعودية لكل ما من شأنه تنمية القدرات البشرية في المجالات كافة.

ويُقام البرنامج التدريبي بالتعاون بين هيئة الأدب والنشر والترجمة، وشركة «مانجا للإنتاج»، التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، الذي يستهدف موهوبي فن المانجا ضمن برنامج تدريبي احترافي باستخدام التقنيات اليابانية؛ منبع هذا الفن.

حضر اللقاء الدكتور محمد علوان الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة، والدكتور عصام بخاري الرئيس التنفيذي لشركة «مانجا للإنتاج»، وعددٌ من الطلاب والطالبات المبتعثين لدراسة فن المانجا في أكاديمية كادوكاوا، إحدى أكبر الأكاديميات في اليابان، التي تهتم بتدريب واستقطاب الخبرات والمهتمين بصناعة القصص المصورة.

يشار إلى أن البرنامج التدريبي يتضمن 3 مراحل رئيسية، بدءاً من ورش العمل الافتراضية التي تقدم نظرةً عامة حول مراحل صناعة القصص المصورة، تليها مرحلة البرنامج التدريبي المكثّف، ومن ثم ابتعاث المتدربين إلى اليابان للالتحاق بأكاديمية كادوكاوا الرائدة في مجال صناعة المانجا عالمياً.

كما تم ضمن البرنامج إطلاق عدد من المسابقات المتعلقة بفن المانجا، وهي مسابقة «منجنها» لتحويل الأمثلة العربية إلى مانجا، ومسابقة «مانجا القصيد» لتحويل القصائد العربية إلى مانجا، ومؤخراً بالتزامن مع عام الإبل 2024 أُطلقت مسابقة «مانجا الإبل» للتعبير عن أصالة ورمزية الإبل في الثقافة السعودية بفن المانجا.

وتجاوز عدد المستفيدين من البرنامج 1850 متدرباً ومتدربة في الورش الافتراضية، وتأهل منهم 115 للبرنامج التدريبي المكثّف، أنتجوا 115 قصة مصورة، وابتُعث 21 متدرباً ومتدربة إلى اليابان؛ لصقل مواهبهم على أيدي خُبراء في هذا الفن، إضافة إلى استقبال 133 مشاركة في مسابقة «منجنها»، وما يزيد على 70 مشاركة في مسابقة «مانجا القصيد»، وأكثر من 50 مشاركة في «مانجا الإبل».

يذكر أن هيئة الأدب والنشر والترجمة تقدم برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» بالتعاون مع شركة «مانجا للإنتاج»، بهدف تأسيس جيل مهتم بمجال صناعة المانجا، وصقل مهارات الموهوبين، ودعم بيئة المحتوى الإبداعي في المملكة.