«مستريحو الصعيد» يكشفون خللاً ثقافياً واقتصادياً في مصر

ضعف التوعية والحماية الاجتماعية عزز ظاهرة «الاحتيال المالي»

تجمهر أمام نزل أحد «المستريحين» بإدفو للمطالبة بأموالهم (فيسبوك)
تجمهر أمام نزل أحد «المستريحين» بإدفو للمطالبة بأموالهم (فيسبوك)
TT

«مستريحو الصعيد» يكشفون خللاً ثقافياً واقتصادياً في مصر

تجمهر أمام نزل أحد «المستريحين» بإدفو للمطالبة بأموالهم (فيسبوك)
تجمهر أمام نزل أحد «المستريحين» بإدفو للمطالبة بأموالهم (فيسبوك)

«قادر على الوفاء بتعهداته وإعادة الأموال لأصحابها... إذا تركوه». إلى هذه الدرجة يضع الشاب المصري أشرف عواد (28 عاماً) ثقته في «مصطفى البنك»، أحد أبرز المتهمين بالاحتيال المالي في محافظة أسوان (جنوب الصعيد)، والذين يُطلق عليهم لقب «المستريح» رغم إلقاء الشرطة القبض عليه، واتهامه بالاستيلاء على مبلغ 500 مليون جنيه (أكثر من 27 مليون دولار)، بحجة تشغيلها.
ويُطلق اسم «المستريح» شعبياً في مصر على نوع من المحتالين الذين يجمعون أموالاً من المواطنين، عبر طُعم «الأرباح الشهرية الضخمة» والتي يوفون بها في البداية، قبل أن يهربوا بعد الاستيلاء على أموال أكبر عدد من ضحاياه، وهي ظاهرة منتشرة منذ سنوات، وتلقى رواجاً أكثر في القرى والريف.
وعلى مدار الأيام الماضية ألقت الداخلية المصرية القبض على 3 «مستريحين»، بينما نجح رابع في الفرار. فيما يؤكد عواد وجود أكثر من «11 مستريحاً» تعاملوا خلال الأشهر الماضية، ووصلت معاملاتهم إلى العاصمة القاهرة.
وشغلت قضية «مستريحي الصعيد» الرأي العام المصري، مثيرة تساؤلات حول طريقة جمع تلك الأموال بيسر، وأسباب تكرارها رغم ثبوت عملية الاحتيال في قضايا مشابهة منذ سبعينيات القرن الماضي.
ويرى عواد الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، خلال حضوره لتجمع لأهالي قريته لمناقشة تحركاتهم القانونية المقبلة لاستعادة أموالهم، التي احتجزت الحكومة جزءاً منها، أنه «إذا أطلقت الشرطة سراح (مصطفى البنك)، وتركته يستكمل ما بدأه فإنه قادر على إعادة الأموال لأصحابها وبالأرباح»، مقتنعاً بأنه «كان يعمل لدى جهة كبيرة تمتلك أمولاً طائلة وتستهدف مساعدة الشباب والفقراء وإعانتهم».
واستثمر عواد، أحد أبناء قرية «البصيلة» بمدينة إدفو، مواشي تقدر قيمتها بـ200 ألف جنيه على أمل استعادتها 300 ألف بعد 21 يوماً، بواقع فائدة تبلغ 50 في المائة، وهو رقم لا يمكن الحصول عليه من خلال التجارة أو إيداع الأموال في أي بنك، لكنه لم يهنأ لا بالأرباح ولا بأصل أمواله، بعد أن تم ضبط «المستريح».
ويعتقد عواد أن «المستريح» اعتمد على «السمعة الطيبة» بين أهل بلدته وانتظامه في دفع المستحقات في بداية نشاطه، الذي يرى أنه «عائد إلى امتلاكه أموالاً ضخمة ربما عن طريق تجارته في الآثار»، (وهي تجارة يعتقد الكثير من أهل الصعيد أنها ورغم كونها غير مشروعة قانوناً إلا أنها غير محرمة).
ويعمل عواد (الحاصل على تعليم متوسط) كمزارع بجانب امتلاكه لسيارة نقل أجرة، ولم يستطع الزواج حتى الآن بسبب ظروفه المالية الصعبة». ويحمل الحكومة– ومعه غالبية المضارين من مستريحي الصعيد - مسؤولية ما حدث كون تلك الأعمال جرت تحت أعينها عدة أشهر، ولم تتدخل لوقفها، الأمر الذي اطمأن له المواطنون ودفعهم إلى المزيد من الاتجار في ظل الأرباح الكبيرة المحققة، وما يعانيه الكثيرون من صعوبات وضوائق مالية».
حال عواد، الذي تعامل مع «المستريح» بشكل غير مباشر لنحو 3 أشهر، من خلال نقل سيارته للمواشي ومحاصيل المواطنين من معظم مراكز أسوان وغيرها من المحافظات، يشبه الكثيرين ممن استمروا في العملية حتى نهايتها رافضين الاعتراف بالنصب عليهم، وهي ظاهرة فسرها الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، بأنها أقرب إلى المرض النفسي «متلازمة ستوكهولم»، الذي يصيب الفرد عندما يتعاطف مع من يؤذيه، «ربما بداعي عدم إحراجه أو إظهاره في ثوب المغفل المنصوب عليه».
ويؤكد خبير علم الاجتماع، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المستريح ظاهرة قديمة في المجتمع المصري، بدأت بما عرف بعمليات توظيف الأموال في شركات إسلامية نهاية السبعينات، معتمدة على ضعف الثقافة بين المواطنين خصوصاً البسطاء من سكان القرى والريف، والذين يحرمون التعامل مع البنوك بداعي الربا، ويحتفظون بأموالهم في المنزل، ولا يثقون في المعاملات الرسمية».
وحمل صادق الدولة المسؤولية عن انتشار تلك الظاهرة، التي يتوقع تكرارها مراراً، في ظل غياب التوعية الثقافية، وضعف برامج الحماية الاجتماعية، التي تؤمن للعمال البسطاء مستقبلهم ومستقبل أسرهم إذا فقدوا وظيفتهم بسبب المرض أو الموت، مستنكراً ما يردده البعض بأن «القانون لا يحمي المغفلين»، باعتبار أن دور الدولة هو «حفظ النظام والأمن وليس ترك هؤلاء المحتالين طوال هذه الفترة».
وأشار صادق إلى الخلل الاقتصادي الذي أبرزته تلك القضية، كون هؤلاء الأشخاص (المستريحين) يقومون بخلق اقتصاد موازٍ خارج القطاع المصرفي، ليشكل عبئاً إضافياً على ما تعانيه البلاد من أزمات اقتصادية.
تكرار تلك الحوادث وفي عدة أماكن، ينذر بـ«خطر ووجود خلل يتعين سرعة معالجته وتدارك سلبيات تفاقمه»، كما يشير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق محمد مرسي، الذي يعتقد أن «هناك أبرياء من بين هؤلاء أوقعهم حظهم العاثر في مصيدة المناخ غير المواتي للعمل الجاد وللإنتاج الحقيقي».
ورغم الوعود الحكومية بـ«استعادة حقوق» الأهالي عقب التحقيق مع المتهمين، تجمع مواطنون يوم (السبت) الماضي، في أكثر من قرية بأسوان، أمام منازل المتهمين، للمطالبة بأموالهم، و«أشعلوا إطارات السيارات، كما هاجموا مباني حكومية، الأمر الذي دعا الشرطة لتوقيف البعض»، كما تشير ياسمين الفراهي، التي احتجز أحد أقاربها، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «هؤلاء ضحايا تركتهم الحكومة فريسة للنصابين، وعليها مساعدتهم بدلاً من القبض عليهم... حضروا الآن لمحاسبة ناس مظلومة ومقهورة من غير أي ذنب».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».