أعلنت دولة مالي سحب عضويتها من مجموعة دول الساحل الخمس، في خطوة كانت متوقعة منذ أن تعاقدت باماكو مع مجموعة «فاغنر» الروسية، دون التشاور مع بقية أعضاء المجموعة التي تأسست عام 2014، من أجل توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب.
غير أن المجلس العسكري الحاكم في مالي، حين أعلن الانسحاب من المجموعة ومن قوتها العسكرية، برر ذلك بأن المجموعة أصبحت «أداة في يد الخارج»، بعد رفضها تولي مالي الرئاسة الدورية لها، وفق ما تنص عليه الآليات المنظمة للتناوب في المجموعة الإقليمية. واعتبر المجلس العسكري أن منعه من رئاسة المجموعة يأتي ضمن مسعى لإحكام عزلته، مع إشارة ضمنية إلى أن فرنسا تقف خلف ذلك.
وبعد انسحاب مالي، باتت مجموعة دول الساحل تضم 4 دول، وهي موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر؛ لكن غياب مالي يعني تفكك المجموعة، على الأقل من الناحية العملية والميدانية، إذ إن موريتانيا لا ترتبط بأي حدود برية مع بقية الدول، وبخروجها تفقدُ دول المجموعة ميزة الترابط الجغرافي، مع العلم بأن مهام القوة العسكرية المشتركة تتم براً عبر الحدود المشتركة للدول.
ومالي دولة محورية في مجموعة دول الساحل، إذ إنها من الناحية الجغرافية ترتبط بحدود برية مع 3 من دول المجموعة (موريتانيا، والنيجر، وبوركينا فاسو)، ما جعلها محور العمليات العسكرية المشتركة؛ خصوصاً أنها من الناحية الاستراتيجية هي المكان الذي يتمركز فيه تنظيما «القاعدة» و«داعش». لكن مالي بهذا القرار تزيد من عزلتها عن جيرانها، وهي التي تخضع منذ يناير (كانون الثاني) لسلسلة تدابير اقتصادية ودبلوماسية فرضتها دول غرب أفريقيا، رداً على توجّه المجلس العسكري الحاكم للبقاء في السلطة، بعد انقلابين شهدتهما البلاد في أغسطس (آب) 2020، ومايو (أيار) 2021.
كما يأتي الانسحاب ليؤكد وصول العلاقات بين مالي وفرنسا إلى نهاية النفق المسدود؛ إذ أعلنت باماكو مطلع الشهر الجاري إلغاء اتفاقية التعاون الدفاعي المبرمة مع فرنسا في 2014، واتفاقات أخرى مبرمة في 2013 و2020، تحدّد الإطار القانوني لوجود قوتي «برخان» الفرنسية لمكافحة الإرهاب، وقوة «تاكوبا» الخاصة الأوروبية.
ومنذ الإطاحة بالرئيس المالي السابق، إبراهيم بوبكر كيتا، في انقلاب عسكري عارضته باريس، والعلاقات متوترة بين البلدين؛ خصوصاً أن قادة الانقلاب أعربوا منذ البداية عن رغبتهم في عقد تحالفات جديدة لمحاربة الإرهاب، وتوجهوا بالفعل نحو التحالف مع روسيا، وهو ما أسفر في النهاية عن صفقات سلاح ضخمة مع موسكو، ودخول قوات «فاغنر» الخاصة في مالي، تحت ذريعة محاربة «القاعدة» و«داعش».
ورغم أن خطوات الانقلابيين تجاه روسيا، وتعاقدهم مع «فاغنر» أغضب فرنسا والدول الغربية، فإنه أثار مخاوف دول الجوار؛ خصوصاً دول الساحل الأخرى التي عبرت في أكثر من مناسبة عن قلقها من وجود «المرتزقة الروس» على حدودها، وانتقدت قرار باماكو التعاقد مع مرتزقة دون التشاور معها، وهو ما اعتبرته إخلالاً بالمواثيق المنظمة للمجموعة الإقليمية. ومنذ ذلك الوقت غابت مالي عن كثير من نقاشات المجموعة الإقليمية، إلى أن أعلنت أول من أمس (الأحد) في بيان رسمي «الانسحاب من كل أجهزة مجموعة دول الساحل وهيئاتها، بما فيها القوة المشتركة».
وقال المتحدث باسم الحكومة المالية، الكولونيل عبد الله مايغا، في تصريح للتلفزيون الرسمي، مساء الأحد، إن العلاقات الثنائية مع دول مجموعة الساحل «لا تزال قائمة».
وأوضح البيان الصادر عن السلطات الانتقالية، أنه كان من المفترض أن تستضيف باماكو في فبراير (شباط) الماضي، قمة عادية لدول المجموعة، تتسلم خلالها مالي الرئاسة الدورية للمجموعة، وهو الاجتماع الذي لم ينعقد رغم مرور 3 أشهر على موعده. وقالت الحكومة المالية إن هنالك واحدة من دول المجموعة تعترض على رئاسة مالي، بحجة «الوضع السياسي الداخلي»، وهو ما رفضته باماكو بشدة، قائلة إن هذه الدولة التي لم تكشف عنها تخدم «مناورات دولة خارج الإقليم ترمي بشدة إلى عزل مالي» من دون تسميتها، ولكن يرجح أن الإشارة تعني فرنسا.
وقالت باماكو إن مجموعة دول الساحل أصبحت «تفتقد إلى الاستقلالية»، واعتبرت أنها ضحية «تسييس» هيئاتها التي تعاني من «خلل خطير»، وفق تعبير بيان الحكومة الذي قالت فيه إن الرئيس الانتقالي المالي الكولونيل آسيمي غويتا، وجَّه رسالة إلى نظيره التشادي الجنرال محمد إدريس ديبي، وهو الرئيس الدوري لمجموعة دول الساحل، يوم 22 أبريل (نيسان) الماضي، أبلغه فيها أنه إذا لم يحدث أي تطور في موضوع رئاسة مالي للمجموعة قبل تاريخ 15 مايو الجاري فإن مالي «ستكون مجبرة على تجميد عضويتها في هيئات مجموعة دول الساحل الخمس، بما في ذلك القوة العسكرية المشتركة».
لكن باماكو لم تجمد عضويتها في المجموعة فحسب، وإنما انسحبت دون أن تشير في البيان إلى أي إمكانية لمراجعة القرار، مع التأكيد على انخراطها في «التعاون والتكامل الإقليمي» من أجل تحقيق تطلعات الشعوب الأفريقية. في غضون ذلك، لم يصدر أي تعليق من بقية أعضاء مجموعة دول الساحل الخمس.
مالي تنسحب من «دول الساحل الخمس»
في خطوة تزيد من خطورة الوضع وتعقيده
مالي تنسحب من «دول الساحل الخمس»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة