خطة أوروبية لمعالجة «ثغرات» في القدرات الدفاعية لدول الاتحاد

تشمل نقصاً في الأسلحة الثقيلة وعوائق لوجيستية وتحديات في الأمن السيبراني

جنود ألمان يشاركون في تدريبات عسكرية أوروبية ببومورسكي البولندية 6 مايو (إ.ب.أ)
جنود ألمان يشاركون في تدريبات عسكرية أوروبية ببومورسكي البولندية 6 مايو (إ.ب.أ)
TT

خطة أوروبية لمعالجة «ثغرات» في القدرات الدفاعية لدول الاتحاد

جنود ألمان يشاركون في تدريبات عسكرية أوروبية ببومورسكي البولندية 6 مايو (إ.ب.أ)
جنود ألمان يشاركون في تدريبات عسكرية أوروبية ببومورسكي البولندية 6 مايو (إ.ب.أ)

فيما يتجّه الحلفاء الغربيون نحو المزيد من التصعيد في المواجهة مع موسكو عبر العقوبات الاقتصادية والدعم العسكري لأوكرانيا وفتح أبواب الحلف الأطلسي أمام أعضاء جدد، نبّهت المفوضية الأوروبية إلى ما سمّتها «أوجه قصور فاضحة» في القدرات الدفاعية لبلدان الاتحاد، خصوصاً في مثل الظروف الراهنة التي نشأت عن الحرب المفتوحة التي شنّتها روسيا أواخر فبراير (شباط) الماضي.
ويشير تقرير وضعه خبراء المفوضية، واطّلعت عليه «الشرق الأوسط»، إلى أن العدوان الروسي تسبب في تدهور المشهد الأمني الأوروبي بشكل خطير، وكشف مكامن ضعف كثيرة في القدرات العسكرية لدى معظم الدول الأعضاء. ودعا التقرير إلى «الإسراع في تعزيز هذه القدرات» لكن بشكل منسّق تحت إشراف المفوضية، من أجل التحفيز على إعادة التسلّح وتنظيمه بما يضمن تغطية جوانب العجز الرئيسية لدى الجيوش الأوروبية.
ويفيد التقرير الذي أعدته المفوضية، بطلب من المجلس الأوروبي، بأن أوجه القصور في القدرات الدفاعية الأوروبية تشمل مجالات كثيرة، مثل أنظمة الدفاع الجوي لحماية المدن والبنى التحتية الحساسة من الهجمات الصاروخية، والطائرات المسيّرة للمراقبة، والطائرات المقاتلة، والدبابات الحديثة، والقوات البحرية. ويضاف إلى هذا النقص في الأسلحة الثقيلة، عوائق لوجيستية أمام التنقّل، وعدم وجود شبكة أوروبية للتواصل المشفّر عبر الأقمار الصناعية، وثغرات كبيرة في الأمن السيبراني، ونقص في الذخائر بعد المساعدات التي أرسلتها دول الاتحاد إلى أوكرانيا.
ويشدّد تقرير المفوضية في أكثر من موضع على أن «هذا الوضع لم يعد مقبولاً مع ارتفاع منسوب التهديدات ضد الأمن الأوروبي»، وأن الحرب الروسية ضد أوكرانيا كشفت التداعيات السلبية لعقود متواصلة من الإنفاق العسكري المتدنّي في زمن السلم.
ويقدّر خبراء المفوضية أن الإنفاق العسكري الأوروبي العام الذي كان في حدود 200 مليار يورو سنوياً قبل الحرب في أوكرانيا، سيزداد بمعدّل 60 مليار سنوياً إذا تمكّنت دول الاتحاد الأعضاء في الحلف الأطلسي، وعددها 21، من تخصيص 2% من إجمالي الناتج المحلي للموازنات الدفاعية، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي «أمام أكبر زيادة في الإنفاق العسكري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».
لكن تخشى المفوضية الأوروبية من أن هذا الجهد الضخم قد لا يحقق الفاعلية المنشودة إذا اقتصر على الحيّز الوطني، وتشدّد على إعطاء الأولوية للمشاريع الأوروبية كي لا تكون المستفيدة الرئيسية منه هي الصناعات الحربية من خارج الاتحاد الأوروبي. ويشير التقرير: «نعرف أن زيادات سابقة في الإنفاق العسكري أدّت إلى نتائج أدنى من نتائج حلفائنا، والأسوأ من ذلك بكثير أن نتائج خصومنا كانت أفضل». ويذكر أن العام 2020 الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في الإنفاق العسكري الأوروبي، لم يصل الإنفاق المشترك فيه إلى أكثر من 11%، بينما النسبة التي وضعها الاتحاد كانت 35%».
ومن المنتظر أن ترفع أورسولا فون دير لاين، التي كانت تتولّى حقيبة الدفاع في الحكومة الألمانية، إلى القمة الأوروبية أواخر الشهر الجاري مجموعة من الاقتراحات لوضع سياسة دفاع أوروبية تضع حداً للتشرذم الراهن وتحفّز على التعاون بين الدول الأعضاء. ويوصي التقرير بأن يكون للمفوضية دور محوري في إدارة السياسة الدفاعية للاتحاد المحظورة حتى الآن على المؤسسات الأوروبية، والمقصورة حصراً على الحكومات الوطنية والوكالة الأوروبية للدفاع.
ومن بين المقترحات التي سترفعها فون دير لاين إلى القمة الأوروبية، وضع مجموعة من الأدوات لتطوير وشراء وصيانة المعدات والأجهزة الدفاعية، وتنسيق توزيعها واستخدامها بين الدول الأعضاء. وبالنسبة لتلبية الاحتياجات الملحّة، مثل ترميم ترسانات الذخائر التي استنفدت قسماً كبيراً منها المساعدات إلى أوكرانيا، تقترح المفوضية تنظيم الشراء المشترك على غرار المشتريات الأوروبية للقاحات «كوفيد - 19»، أو تلك التي يجري التخطيط لها لشراء الغاز بعد القطيعة مع موسكو. وتعد المفوضية أن ذلك يَحول دون احتدام المنافسة بين الدول الأعضاء وارتفاع الأسعار، بحيث يتعذّر على بعض البلدان شراء المعدات التي تحتاج إليها.
وتهدف هذه المقترحات أيضاً إلى إحداث تغيير جذري في سياسات الدفاع الوطنية لتسريع اندماج صناعات الأسلحة الأوروبية، «بحيث يصبح الشراء المشترك هو القاعدة وليس الاستثناء، ويحقق فورات اقتصادية كبيرة للدول الأعضاء». ومن بين هذه التغييرات إلغاء الحظر المفروض على البنك الأوروبي للاستثمار لتمويل قطاع الدفاع، وزيادة حجم صندوق الدفاع الأوروبي من ثمانية مليارات يورو إلى 19 ملياراً من الآن حتى عام 2027، كما تقترح المفوضية أيضاً مراجعة للموازنات الأوروبية التي أقرّتها القمّة في يوليو (تموز) من عام 2020.
في موازاة ذلك قال المسؤول الأوروبي عن السياسة الخارجية جوزيب بورّيل، إن الاتحاد سيوافق على حزمة جديدة من المساعدات العسكرية الإضافية لأوكرانيا بقيمة نصف مليار يورو، تشمل تزويدها بأسلحة ثقيلة. وكان بورّيل قد أدلى بهذه التصريحات أمس (الجمعة)، في فايزنهاوس (ألمانيا) خلال اجتماعات وزراء الاقتصاد والمال لمجموعة الدول الصناعية السبع، التي تناقش خطة لمنح أوكرانيا مساعدات مالية بقيمة 30 مليار يورو.
من جهته، اتّهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، الاتحاد الأوروبي بأنه أصبح «طرفاً عدوانياً يرفع طموحات تذهب أبعد بكثير من حدود القارة الأوروبية، بعد أن كان قد تأسس على فكرة كونه منصّة بنّاءة». ووصف لافروف رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بأنها «ضارّة»، مكرراً تحذيرات موسكو بعدم وجود فوارق بين انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
وفيما أعلنت الحكومة السويدية في تقرير أمس أن انضمامها إلى الحلف الأطلسي من شأنه أن يعزز الأمن في شمال أوروبا، صرّح ناطق بلسان وزارة الخارجية الروسية بأن موسكو ستجد نفسها مضطرة لاتخاذ تدابير استجابة تقنية وعسكرية، وحذر مجدداً من عواقب «التحوّل الجذري» في موقف فنلندا من الانضمام إلى الحلف الأطلسي، وقال: «يجب أن تدرك هلسنكي مسؤولية هذه الخطوة وتداعياتها».


مقالات ذات صلة

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».