تتخلص «محبوبة العراق» عفراء سلطان من خجلها وبعض الارتباك الظاهر. يساعدها مُحاورها نزار الفارس على التصرّف كأنها في منزلها، ويطرح أسئلة تبدو مستعدة للإجابة عنها. إطلالتها عبر «قناة الرشيد» تقول الكثير عنها. فالشابة العراقية المتزينة بملامح خجولة، هي نفسها الطموحة والممتلئة بالحلم. تصف فوزها بالموسم الثاني من «عراق أيدول» بالصدمة، لكنّ التجربة الصعبة ومحطات التعب، سهّلت طريقها واختصرت أمامها السنوات.
يفرح نزار الفارس بوصول صوت نسائي إلى لقب «محبوبة العراق»، «فالفنانات في بلدنا لا يتجاوز عددهن الأصابع». يعود إلى بداياتها، يوم شاهدت إعلان الموسم الثاني من البرنامج على هاتفها، ويسأل عن تفتح حلم المشاركة وتوقعات الفوز. خطر على بال عفراء سلطان التقدم إلى الموسم الأول، فحل التردد. لم ترد اتخاذ قرار قبل الاستعداد الكامل للعواقب، «فحين أخطط، أحسب خطواتي». حضورها في برنامج «مع الفارس» يبين نضجاً يصالحها مع الحياة، وهي تدرك تماماً صعوبتها وتلذذها بإزهاق الفرص والبشر.
رفعت رجاءها إلى السماء: «يا رب، مدّني بالقوة للبقاء إلى النهائيات أو الفوز في اللقب»، ومع الصلاة، مخاوف، فالمصير معلّق بأمزجة الناس وتصويتهم لمشتركهم المفضل. صريح هذا السؤال، يوجّهه مُحاورها إليها، هو المتمكن من إعداد أسئلته: «هل تستحقين ما وصلتِ إليه؟ هل أنتِ فعلاً الأفضل؟». ثقتها بالنفس تجعلها تجيب «بالطبع»، والتواضع يجعلها تعترف: «الجميع كان منافساً قوياً، فجمعتنا منافسة شريفة».
يفتح نقاشاً لا مهرب منه حين يكون الضيف نجم برنامج هواة. يسألها عن اختفاء النجوم، منهم حاملو الألقاب، وانطفاء أصناف من المواهب بعد وقت قليل عن سكوت الكاميرا. يريد معرفة الضيفة من الداخل، بأفكارها وخططها وحدائق الأحلام المعرّضة أيضاً لليباس والذبول. «ماذا بعد (عراق أيدول) وكيف تخمد الشهرة؟». التعاقد مع «بلاتينيوم ريكورد» لإنتاج أغنيتين، لا يجعلها تكتفي بفرصة ذهبية أخرى بعد فرصة العمر بالفوز باللقب. المرء في رأيها عزيمة وإصرار، ولا بدّ من مضاعفة الجهود لضمان الوصول، وإن عانده الظرف وسُدّت في وجهه المنافذ. كيف؟ «باختياراتي الصحيحة، بأغنيات يحبها الناس، بالمحافظة على حضوري». والحظ؟ «الحمد لله. محظوظة بعائلتي وأصدقائي. أمنيتي ألا يطول غيابي عنهم بداعي العمل».
تمر الحلقة سريعاً، فلا يقلب نزار الفارس صفحاتها الشخصية، كالطفولة والصراع الاجتماعي وما يترسب في الأعماق إلى الأبد. كان اللقاء للفن وللفنانة المقبلة على ساحة مكتظة، تعشش في زواياها الوحول والأشواك. والضيفة حاضرة بصوتها ورصانة حديثها، تتكلم وتضحك وتحمل الناس إلى الغيمات مع رقة الدندنات.
التعب والتوفيق من الله، هما اليوم خلاصة ما تصل إليه فنانة من العراق تُدعى عفراء سلطان. منحها «عراق أيدول» جماهيرية وقرّبها من الناس. تعتذر إليهم حين تأخذها الأشغال بعيداً، فلا تتواصل مباشرةً مع المشجّعين والمعجبين. لكنها حين تملك بعض الوقت، تسارع إلى ردّ الحب بالحب.
عفراء سلطان في لقاء مع نزار الفارس
يحاول مُحاورها نصب فخاخ، قد تُعد لعبة الصحافي المفضلة. يسألها عن «ديكتاتورية» يوصف بها الملحن علي بدر، وهي سمة الجديين في العمل: «هل فرض عليكم الأغنيات؟». تجيب بدبلوماسية اللسان ومشاعر الامتنان، بأنه اسم كبير بالخبرة، يدرك الأنسب بين المناسب. قبل المشاركة في البرنامج، لفحها خوف منه. والخوف هنا رهبة: «آخذ كلامه بجدية، فهو يعرف ما لا نعرفه».
تصف أعضاء لجنة التحكيم بأوصاف لطيفة: سيف نبيل «طموح»، وحاتم العراقي «مدرسة»، ورحمة رياض ساندتها كأخت وآمنت بموهبتها. وُلدت بينهما صداقة، وتشاء لو تلتقيها في حفل أو ديو. تغني لها «وعد مني»، وتتمنى لو أن أغنياتها كانت لها: «أريد الله يسامحني، لأن أذيت نفسي هواي... طيبة قلبي آذتني، تعبتك يا روحي وياي».
عذبٌ الغناء، في شجن العراق. «عاش الصوت الجميل»، يُحيّي نزار الفارس حنجرة ضيفته. تختار لمحمد عبد الجبار رائعته «شمسين»، ويحلو الإبحار في الجمال. الأغنية العراقية مثل وجه بحيرة باكٍ أمام القمر. ولا مجال لتجنّب الدمعات. «بسرعة الوقت صاير يخلص معناه وياك... الهوا انت وإذا رحت أختنق».
يتصل نزار الفارس بكبير الغناء العراقي محمد عبد الجبار، بعدما غنت له ضيفته. وربما لم ينتظر الرجل اتصالاً عفوياً يقاطع به المُحاور انشغالات يومه، ومع ذلك، أحبّ المصادفة. وصف صوت عفراء سلطان بالجميل، وقال إنها فنانة. يحل خجل يُحلّي ملامحها، تحاول لجمه بضحكة الوجه. الابتسامة دلع الأرواح.
نجمة العراق صبورة، تؤمن بأن ما لن يتحقق اليوم سيتحقق غداً. وقد تبالغ في فضاءات الحلم وهي تأمل بالوصول إلى العالمية، كهدف أخير، لكنّ الأحلام بجميع مقاساتها مبرَّرة. يحدث أن تتغير حياة المرء من خارج توقعاته. شابة من العراق حاول المجتمع قصّ جناحيها، فردّت عليه بالطيران. لذلك تتمسك بالاستمرار. فالمرء ينطفئ حين يتوقف عن الأمل. كما رحّب بها بمحبة، تختم عفراء سلطان الحلقة بمحبة. تختار شيرين من بين الفنانات العربيات المتأثرة بهن، وتستفز المواجع بواحدة من أجمل أغنياتها: «كده يا قلبي يا حتّة مني يا كل حاجة فيي». أغنية تنزف عذوبة.
عفراء سلطان «مع الفارس» تخطّط وتحسب خطواتها
عفراء سلطان «مع الفارس» تخطّط وتحسب خطواتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة