عفراء سلطان «مع الفارس» تخطّط وتحسب خطواتها

«محبوبة العراق» عفراء سلطان
«محبوبة العراق» عفراء سلطان
TT

عفراء سلطان «مع الفارس» تخطّط وتحسب خطواتها

«محبوبة العراق» عفراء سلطان
«محبوبة العراق» عفراء سلطان

تتخلص «محبوبة العراق» عفراء سلطان من خجلها وبعض الارتباك الظاهر. يساعدها مُحاورها نزار الفارس على التصرّف كأنها في منزلها، ويطرح أسئلة تبدو مستعدة للإجابة عنها. إطلالتها عبر «قناة الرشيد» تقول الكثير عنها. فالشابة العراقية المتزينة بملامح خجولة، هي نفسها الطموحة والممتلئة بالحلم. تصف فوزها بالموسم الثاني من «عراق أيدول» بالصدمة، لكنّ التجربة الصعبة ومحطات التعب، سهّلت طريقها واختصرت أمامها السنوات.
يفرح نزار الفارس بوصول صوت نسائي إلى لقب «محبوبة العراق»، «فالفنانات في بلدنا لا يتجاوز عددهن الأصابع». يعود إلى بداياتها، يوم شاهدت إعلان الموسم الثاني من البرنامج على هاتفها، ويسأل عن تفتح حلم المشاركة وتوقعات الفوز. خطر على بال عفراء سلطان التقدم إلى الموسم الأول، فحل التردد. لم ترد اتخاذ قرار قبل الاستعداد الكامل للعواقب، «فحين أخطط، أحسب خطواتي». حضورها في برنامج «مع الفارس» يبين نضجاً يصالحها مع الحياة، وهي تدرك تماماً صعوبتها وتلذذها بإزهاق الفرص والبشر.
رفعت رجاءها إلى السماء: «يا رب، مدّني بالقوة للبقاء إلى النهائيات أو الفوز في اللقب»، ومع الصلاة، مخاوف، فالمصير معلّق بأمزجة الناس وتصويتهم لمشتركهم المفضل. صريح هذا السؤال، يوجّهه مُحاورها إليها، هو المتمكن من إعداد أسئلته: «هل تستحقين ما وصلتِ إليه؟ هل أنتِ فعلاً الأفضل؟». ثقتها بالنفس تجعلها تجيب «بالطبع»، والتواضع يجعلها تعترف: «الجميع كان منافساً قوياً، فجمعتنا منافسة شريفة».
يفتح نقاشاً لا مهرب منه حين يكون الضيف نجم برنامج هواة. يسألها عن اختفاء النجوم، منهم حاملو الألقاب، وانطفاء أصناف من المواهب بعد وقت قليل عن سكوت الكاميرا. يريد معرفة الضيفة من الداخل، بأفكارها وخططها وحدائق الأحلام المعرّضة أيضاً لليباس والذبول. «ماذا بعد (عراق أيدول) وكيف تخمد الشهرة؟». التعاقد مع «بلاتينيوم ريكورد» لإنتاج أغنيتين، لا يجعلها تكتفي بفرصة ذهبية أخرى بعد فرصة العمر بالفوز باللقب. المرء في رأيها عزيمة وإصرار، ولا بدّ من مضاعفة الجهود لضمان الوصول، وإن عانده الظرف وسُدّت في وجهه المنافذ. كيف؟ «باختياراتي الصحيحة، بأغنيات يحبها الناس، بالمحافظة على حضوري». والحظ؟ «الحمد لله. محظوظة بعائلتي وأصدقائي. أمنيتي ألا يطول غيابي عنهم بداعي العمل».
تمر الحلقة سريعاً، فلا يقلب نزار الفارس صفحاتها الشخصية، كالطفولة والصراع الاجتماعي وما يترسب في الأعماق إلى الأبد. كان اللقاء للفن وللفنانة المقبلة على ساحة مكتظة، تعشش في زواياها الوحول والأشواك. والضيفة حاضرة بصوتها ورصانة حديثها، تتكلم وتضحك وتحمل الناس إلى الغيمات مع رقة الدندنات.
التعب والتوفيق من الله، هما اليوم خلاصة ما تصل إليه فنانة من العراق تُدعى عفراء سلطان. منحها «عراق أيدول» جماهيرية وقرّبها من الناس. تعتذر إليهم حين تأخذها الأشغال بعيداً، فلا تتواصل مباشرةً مع المشجّعين والمعجبين. لكنها حين تملك بعض الوقت، تسارع إلى ردّ الحب بالحب.

                                                       عفراء سلطان في لقاء مع نزار الفارس
يحاول مُحاورها نصب فخاخ، قد تُعد لعبة الصحافي المفضلة. يسألها عن «ديكتاتورية» يوصف بها الملحن علي بدر، وهي سمة الجديين في العمل: «هل فرض عليكم الأغنيات؟». تجيب بدبلوماسية اللسان ومشاعر الامتنان، بأنه اسم كبير بالخبرة، يدرك الأنسب بين المناسب. قبل المشاركة في البرنامج، لفحها خوف منه. والخوف هنا رهبة: «آخذ كلامه بجدية، فهو يعرف ما لا نعرفه».
تصف أعضاء لجنة التحكيم بأوصاف لطيفة: سيف نبيل «طموح»، وحاتم العراقي «مدرسة»، ورحمة رياض ساندتها كأخت وآمنت بموهبتها. وُلدت بينهما صداقة، وتشاء لو تلتقيها في حفل أو ديو. تغني لها «وعد مني»، وتتمنى لو أن أغنياتها كانت لها: «أريد الله يسامحني، لأن أذيت نفسي هواي... طيبة قلبي آذتني، تعبتك يا روحي وياي».
عذبٌ الغناء، في شجن العراق. «عاش الصوت الجميل»، يُحيّي نزار الفارس حنجرة ضيفته. تختار لمحمد عبد الجبار رائعته «شمسين»، ويحلو الإبحار في الجمال. الأغنية العراقية مثل وجه بحيرة باكٍ أمام القمر. ولا مجال لتجنّب الدمعات. «بسرعة الوقت صاير يخلص معناه وياك... الهوا انت وإذا رحت أختنق».
يتصل نزار الفارس بكبير الغناء العراقي محمد عبد الجبار، بعدما غنت له ضيفته. وربما لم ينتظر الرجل اتصالاً عفوياً يقاطع به المُحاور انشغالات يومه، ومع ذلك، أحبّ المصادفة. وصف صوت عفراء سلطان بالجميل، وقال إنها فنانة. يحل خجل يُحلّي ملامحها، تحاول لجمه بضحكة الوجه. الابتسامة دلع الأرواح.
نجمة العراق صبورة، تؤمن بأن ما لن يتحقق اليوم سيتحقق غداً. وقد تبالغ في فضاءات الحلم وهي تأمل بالوصول إلى العالمية، كهدف أخير، لكنّ الأحلام بجميع مقاساتها مبرَّرة. يحدث أن تتغير حياة المرء من خارج توقعاته. شابة من العراق حاول المجتمع قصّ جناحيها، فردّت عليه بالطيران. لذلك تتمسك بالاستمرار. فالمرء ينطفئ حين يتوقف عن الأمل. كما رحّب بها بمحبة، تختم عفراء سلطان الحلقة بمحبة. تختار شيرين من بين الفنانات العربيات المتأثرة بهن، وتستفز المواجع بواحدة من أجمل أغنياتها: «كده يا قلبي يا حتّة مني يا كل حاجة فيي». أغنية تنزف عذوبة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».