ميلانو.. وحفل الموسم المرصَّع بالنجوم

افتتاح فندق «إكسيلسيور غاليا» أصبح حديث المدينة وعلى كل لسان

مبنى فندق «إكسيلسيور غاليا» العملاق
مبنى فندق «إكسيلسيور غاليا» العملاق
TT

ميلانو.. وحفل الموسم المرصَّع بالنجوم

مبنى فندق «إكسيلسيور غاليا» العملاق
مبنى فندق «إكسيلسيور غاليا» العملاق

شهدت ميلانو، مدينة الموضة والتصميم والذوق الرفيع، يوم الأربعاء الماضي، حفل افتتاح فندق «إكسيلسيور هوتيل غاليا» في أجواء أشبه بقصص وحكايات ألف ليلة وليلة، حيث بدأ الاحتفال منذ يوم الثلاثاء بحضور الصحافة المحلية والعالمية ومشاركة كبيرة من شخصيات رفيعة في الأوساط الإيطالية والعالمية أيضًا. أما الحفل الرسمي لافتتاح أجدد عنوان إقامة في ميلانو، فكان في تمام الساعة الثامنة من مساء الأربعاء وانتهى مع بزوغ شمس اليوم التالي.
أهمية الحفل لم تأتِ من فراغ، لأنها جاءت على مستوى الفندق التاريخي الذي بني عام 1932، في الفترة نفسها التي بنيت فيها محطة القطارات في ميلانو، ويقع الفندق مقابل المحطة مباشرة، وتم إقفاله لفترة من الزمن بعدما انضم إلى لواء «ستاروود» العالمية و«لاكشيري كولكشن هوتيل».
بطاقة الدعوة للحفل كانت واضحة وصريحة، فشددت الإدارة فيها على أن تكون الأزياء أنيقة ولا تخلو من اللمعان، تحت عنوان: «Glittering night» وهكذا حصل، ولبى المدعوون الدعوة بحذافيرها، وكيف لا وهم من ميلانو عاصمة الموضة وهم أفضل من يدرك ترجمة الدعوة الراقية إلى أزياء وإكسسوارات يصعب وصفها بكلمات.
بحضور النجوم والمشاهير والسياسيين وكوكبة من المجتمع المخملي في ميلانو، بدأ الحفل الذي كان أشبه بعرس، احتفل بالفندق الذي تم الاحتفاء به وكأنه العريس، وعلى وقع الزمامير وأنغام الموسيقى ورقص العارضات اللاتي ارتدين أزياء تعود إلى فترة الثلاثينات من القرن الماضي، تأرجح خصر الحسناوات الإيطاليات، وانبعثت من كل زوايا الفندق رائحة المأكولات الإيطالية اللذيذة، وكان الحفل مواكبًا للتكنولوجيا بشكل لافت، حيث كان من الممكن متابعة برنامج الحفل من خلال تطبيق خاص مكّن الحضور من معرفة ما يجري في الطوابق الأخرى لحظة بلحظة، بالإضافة إلى إمكانية تحميل الصور التي كان يلتقطها مصورون محترفون للنجوم وكل الحضور.
توزعت في بهو الفندق أركان صغيرة بديكورات جميلة خاصة بالتصوير دخل فيها عنصر الريش الذي يذكرك بفن حقبة الثلاثينات، وتوزعت الأركان الخاصة بالحفل في كل طابق، تصل إلى كل منها عن طريق الإنترنت أو من خلال الإشارات التي وضعت، لتصل إلى غرفة أو جناح وتتفاجأ بما فيها من زهور وفواكه ومطربين وحتى محترفين في تقديم السيجار، وبما أن فكرة الحفل ارتكزت على اللمعان، فكان لا بد من تخصيص أركان خاصة بتزيين وجوه الحاضرات بأوراق الذهب الخالص، وطال الاحتفال المركز الصحي الذي تديره «شيسيدو» الذي اكتست أرضيته بالأوراق اللامعة، وحتى بركة السباحة في الطابق الأخير من الفندق كان لها نصيبها من الحفل، حيث قام فريق من الراقصين المحترفين بعروض رائعة.
والمكان الذي تجمع فيه غالبية الحضور الذين تعدى عددهم الألف مدعو، كان عند الشرفة المطلة على مدينة ميلانو في الطابق الأخير، وهذه الشرفة من المنتظر بأن تكون محط أنظار محبي تناول الطعام الجيد في أجواء جميلة مع إطلالة عالية على المدينة، وكل الأثاث من تصميم دار «فيندي» الإيطالية.
يشار إلى أن فندق «إكسيلسيور هوتيل غاليا» تملكه شركة «كاتارا هوسبيتاليتي» وهي الشركة التي قامت بترميم الفندق بشكل يليق بتاريخه العريق، واستغرقت عملية التجديد عدة سنوات بتكلفة عالية جدًا تقدر بملايين اليوروهات، وكان الفندق يعرف في الماضي باسم «قصر غاليا» Gallia Palace وينظر إلى موقع الفندق في محيط «بورتا نوفا» إلى أنه من أهم العناوين في المدينة.
ووراء ديكورات الفندق اللافتة المفعمة بالأناقة والعناية بالتفاصيل المهندس الإيطالي ماركو بيفا الذي يملك: Studio Marco Piva للهندسة والديكور، ونجح بيفا بمزج الديكور العصري مع حقبة الزمن الجميل أو La Belle Epoque التي يعود إليها الفندق وتنتشر في الفندق أكثر من 500 قطعة فنية فريدة، وتم تصميم الديكور بشكل يتناغم من مفردات «الآرت ديكو» التي اكتشفت في مبنى الفندق أثناء فترة الترميم.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)