الأم في الدراما الخليجية لا تؤدي دوراً تكميلياً، بل هي المرتكز وعمود الأسرة الصلب في معظم الأحيان، تحرّك شخوص العمل وتدور حولها القصص، بداية من كلاسيكيات المسلسلات الخليجية التي قدمتها النجمتان حياة الفهد، وسعاد عبد الله؛ مثل «خالتي قماشة» و«زوارة الخميس»، وصولاً لمسلسلات الموسم الرمضاني الحالي، الممتلئة بأدوار الأمهات ذوات الشخصية الصلبة.
يأتي على قائمتها الأم «عبلة» التي تقدمها الفنانة هدى حسين في مسلسلها «من شارع الهرم إلى...»، وتبدو فيها أماً قوية ومسيطرة، تتحول في مرات عدة لأن تكون المرأة المنقذة التي تنجو بأبنائها من كل مصيبة تحل بهم. وفي مسلسل «العاصوف»، جسدت الممثلة ليلى السلمان دور الأم «هيلة»، وهي عميدة العائلة التي يرجع لها الأبناء في كل شاردة وواردة. وفي مسلسل «منهو ولدنا» قدمت الممثلة هند محمد دور الأم «أنيسة» التي تغيِّر مصائر أبنائها في لحظة.
وتتصدر هذه الأعمال الثلاثة قائمة الأعلى مشاهدة حالياً في السعودية ودول خليجية عدة، حسب منصة «شاهد» التابعة لقنوات (MBC)، في تكيّف جماهيري واضح مع نمط الأمومة في الدراما الخليجية، الذي تظهر خلاله الأم قوية ومستبدة في رأيها، على خلاف الدراما العربية التي غالباً ما تجسد الأم المغلوبة على أمرها، ومن النادر أن تنال مساحة كبيرة في العمل.
الممثلة السعودية هند محمد بدور الأم «أنيسة» في مسلسل «منهو ولدنا»
الأم المسيطرة
الفنانة السعودية هند محمد، تقدم حالياً شخصية الأم في مسلسل «منهو ولدنا»، وهو يتصدر الترند السعودي يومياً في رمضان، مع إشادة العديد من النقاد بالعمل الذي تأتي نقطته المفصلية بعد أن تقرر الأم بتعديل خطأ قديم لممرضة بدلت طفلين من المواليد، وبعد سنوات طويلة، تحتضن الأم الثرية الشاب الفقير، وتعيد الآخر الغني لأسرته الفقيرة.
تتحدث هند محمد لـ«الشرق الأوسط» عن شخصية الأم قائلاً: «أنيسة هي سيدة أعمال ثرية منظمة وطيبة القلب، تتفاجأ بخبر يقلب موازين حياتها، مما يجعلها في صراع من أجل السيطرة على ما حدث بمسألة ظهور ابنها الحقيقي، وتحاول أن تتعامل مع الأمر بكياسة وحنكة وقراءة عامة لكل ما يحيط بها». وتشير إلى أنها أدت الدور بإضفاء طابع الهدوء الشديد على الأم، بعيداً عن أجواء المشاحنات.
إلا أن الأم الهادئة كانت قاسية في تنكرها لابنها الذي ربته، بنسيانه، والبعض اعتبر ذلك مأخذاً على العمل، ترد بالقول: «إن سياق السيناريو هو من يحدد سريان الأحداث، والقصة مبنية على هذا الأساس، فليس من المعقول أن تكتشف الأم ابنها الحقيقي بعد أن استبدل آخر به، من دون علمها فتُبقي عليه مع علمها بأنه ليس ابنها، فمن الطبيعي أن تتخذ الإجراءات اللازمة بضم ابنها الحقيقي وإخبار الآخر بالحقيقة، أما النكران فهو ليس كذلك، فقد أرادت الأم أن تلقن ابنها (بندر) درساً، كي يتخلى عن الغطرسة التي تلازمه».
أعمار الأمهات
من زاوية أخرى، فنانات كثيرات لا تقبلن لعب دور الأم لشباب يقاربهن في العمر، بسؤال هند محمد إن كان يخيفها ذلك، تجيب: «مطلقاً، كوني ممثلة لا أقبل أي دور دون قناعة، ومسألة العمر لا تعني شيئاً طالما وجدت المقومات، ولو رجعنا إلى نمط الدور وتصنيفه وكشف أوراق الشخصية وسماتها لوجدنا أن الأعمار لم تلق بظلالها على الممثل، وما لا يخيفني أيضاً هو أن الأم قد تكون تزوجت وهي صغيرة، فمن الطبيعي أن تكون الأعمار متقاربة بين الأم والأبناء».
ولأن هند محمد غالباً ما تقدم أدوار السيدة الثرية الراقية، فقد جاءت أمومتها في المسلسل ضمن هذا النسق، بسؤالها إن كان لمظهرها يد بذلك، تجيب محمد: «هذا يعود إلى الدور المسنود لي، خصوصاً أنها سيدة ثرية سيكون لها أثر واضح من ناحية الاهتمام بمظهرها وشكلها ورونقها بشكل عام، وبالنسبة إلى المظهر فهو رسمة بيانية واضحة للمتفرج». وتردف: «بشكل شخصي، وقناعة تامة، للمظهر دور كبير وتناغم مع الشخصية، ولكن لو ترك المظهر جانباً دون المقومات، بمعنى إسناد أدوار مغايرة، مثل إحضار ممثل ذي بنية هزيلة وجسد متعب، ومن ثم إسناده دور (حداد)، فهنا وإن كان للممثل مقومات تخوله للتمثيل فالمظهر يقع حائلاً بينه وبين الدور»، وتضيف: «أرى التعددية في الأدوار، والتنويع من أهم ما يجعل الممثل في أرض خصبة، باستطاعته مهما كان مظهره القيام بأي دور ضارباً النمطية بعرض الحائط».
الأم الشرسة
تستعد هند محمد أيضاً لتجسيد دور الأم الشرسة في مسلسل جديد بعنوان «عيال نوف»، تتحدث عنه بالقول: «يمتاز بالتخطيط والإجرام، ويحكي قصة (أم سايكو)، لديها خمسة أبناء، وهي غريبة الأطوار، متضاربة المشاعر، تتسم بشخصية محيرة وموضع تساؤلات ومثيرة للجدل، بين عاطفتها تارة وقسوتها تارة أخرى، غير أنها انعزالية ومنطوية، وحادة التفكير والطباع ونادراً ما تبتسم، فالابتسامة لا مكان لها خصوصاً حين تنتقم من كل من وقف في طريقها».
وعند الوقوف على تجربة محمد مع أدوار الأمومة، يمكن العودة إلى الوراء حين بدأت مسيرتها الفنية بعد خبرة إعلامية امتدت من عام 2003 إلى 2010، مشيرة إلى أنها حصلت على لقب أول ممثلة سينمائية سعودية، وفي رصيدها الفني اليوم أكثر من 37 مسلسلاً، و3 مسرحيات، و8 أفلام. وعن رأيها في مستقبل الدراما السعودية تقول: «هناك قفزة كبيرة وملحوظة في صناعة الدراما السعودية، فالأبواب لم تعد موصدة في وجه أحد، وسيكون للدراما السعودية نجاح منقطع النظير».