«جوقة عزيزة»... الكلمة الأخيرة للخصوصية

سلوم حداد مع أولاده
سلوم حداد مع أولاده
TT

«جوقة عزيزة»... الكلمة الأخيرة للخصوصية

سلوم حداد مع أولاده
سلوم حداد مع أولاده

يمكن الوثوق في دراما يكتبها خلدون قتلان، صاحب أعمال كـ«زهرة النرجس» و«بواب الريح». فمعروف عنه التعمق في البحث التاريخي لمقاربة واقع دمشق في القرن الماضي. يكتب للموسم الرمضاني مسلسل «جوقة عزيزة»، ويحمله صرخة ضد تحريم الفن. لا يساوم نصه على خطاب يزجه في بازار التزمت ومعايير المتعصبين. يجعل له صوتاً يعلو فوق أصوات يسميها النشاز، مما يرفع من حيث المبدأ قيمته الدرامية والغاية من خروجه إلى الضوء.


                          سلوم حداد ونسرين طافش بطلا «جوقة عزيزة»

تسخى «غولدن لاين» في الإنتاج، فتجعل مما يجري في «شارع المرقص»، حقيقياً بالحارات الشامية، والديكورات، والأزياء، وتصميم «تياترو عزيزة» داخلياً وخارجياً. هذه دمشق في عشرينات القرن العشرين وبداية نشأة الفن في سوريا خلال الانتداب الفرنسي. في الشكل، كل شيء على ما يرام، تُضاف صورة المخرج تامر إسحاق كقيمة على المشهد. السرد الهادئ على حساب الحدث الصادم، يجعله يسير ببطء نحو تطورات يتأخر وقوعها. كما أمها التي وضعتها على المسرح، وظلت ترقص ببطن منتفخ، نشأت «عزيزة خوخة» (نسرين طافش)، بروح فنية عالية لتصبح أول امرأة تؤسس مسرحاً للفن السوري. التوقف ضروري أمام شخصيتها، فهي المحور، يدور حولها المسلسل وشخصياته. إذا كان المطلوب شخصية أنثوية جريئة، تملك قدراً من المكر وشحنة من «الإغراء»، فطافش في الدور. عند هذا الحد، تؤدي بإقناع، تُفلت الشخصية بالانزلاق إلى المبالغة. «الأوفرة» مفردة دقيقة في وصف تعاملها مع حواراتها وانفعالاتها، إلا ما ينجو في مواقف تُعد على الأصابع. المسلسل مشهديات وخلفيات، تشكل نوعاً من الخصوصية الدرامية. في مشهدياته تدور يوميات «الجوقة» وعلاقة أعضائها بعضاً ببعض، ولا تخلو من صراع على النجومية والتعلق بطموحات فنية قد تبتعد أحياناً من المقدور عليه، وتقترب أحياناً أخرى من آفاق الخيال الواسع، وهذا شجاع في المسلسلات الشامية؛ وفي خلفيته النَفَس الوطني و«الشام بدها رجالها»، مع تمدد أجهزة المخابرات وتفشي الضباط الفرنسيين في أروقة المجتمع وأماكن السهر. فتنشأ بين «عزيزة» و«ديمتري» (وسام حنا)، علاقة تشوبها التساؤلات، خصوصاً بعد الاغتيال المزلزل للزعيم الوطني المعارض فوزي الغزي، الملقب بـ«أبو الدستور» بأمر من الانتداب، بعدما جاهر بالعداء له واعتُقل في سجونه. وحنا في مكانه، باللهجة والشكل وإخفاء الرياء للوصول إلى الغاية الخبيثة.
ليس «جوقة عزيزة» المعروض عبر منصة «شاهد»، و«LBC»، و«روتانا دراما» وغيرها، من الأعمال المقصود منها التشابه مع أعمال أخرى من فئتها. خصوصية الفكرة طاغية، وعزيمة صناعه على تقليب الجمر يترك حراراته. يكتب خلدون قتلان سيناريو وحواراً على نار هادئة، ويفرد مساحة للمشهد الاستعراضي واللوحات الفنية على المسرح. يقتصر الحدث المفاجئ على أحداث يُفترض أن تكون مُلحقة بأحداث تفوقها تشويقاً. ونوع المفاجآت هنا خالٍ تقريباً من الصدمة (هذا يعود لخصوصية العمل وغايته خارج ما قد يراه صناعه تشويقاً تجارياً)، كمناكفات «عزيزة» وأعضاء جوقتها، مما يُحدث انشقاقاً ويعيد الحسابات. تشتد «الحماوة» بخلاف «عزيزة» و«حمدي حميها» (سلوم حداد)، ضابط إيقاع فرقتها، وبسيطرة الأنانية والمصالح الفردية على الانسجام الفني.


                                               خالد القيش ووسام حنا

إصابة «حمدي» في رأسه، وإفساد الاستعراض الحلم لابنته «منيرة فرفش معنا» (هبة نور)، مع صعود «السلطانة» (نورا رحال) وغنائها على المسرح، تحرك أحداثاً أمكن ألا تنتظر كل هذا الوقت لتتحرك. تكثر من حول «عزيزة» المنافسات، بعدما تفردت في الغناء والرقص، مما يفرض عليها تعديل خططها. وهي مُقنعة بالتخطيط والتنفيذ، تلتقي مع «حمدي» في مشاهد مرحة تُحلي المسلسل، من دون أن تكون فارقة لجهة الحماسة القصوى.
سلوم حداد أستاذ أدوار، ودور «حمدي حميها» تأكيد على أنه لا يتردد في المغامرة. عازف طبلة غريب الأطوار، ضئيل المشاعر اللطيفة حيال أفراد عائلته. «مزاريبه لبرا»، تصح في وصف شخصيته. وهو موجود في كل مكان يستدعي صب الزيت على النار. «يحميها» على المسرح وحين تستدعي مصالحه. جرأته واحترافه يمنحان دوره أبعاداً خارج ما قد يبدو مُبسطاً أو سطحياً.
الخارجة من عباءتها هي إيمان عبد العزيز بشخصية «فريدة الرجفان»، زوجته التي أصبحت بمثابة شقيقته بعدما أنجبت أولاده. وهو دور جديد بين أدوارها في مسلسلات البيئة الشامية، تقدم بإتقان خليطاً من المحاولة المتعثرة لإمساك زمام أولادها وطموحاتهم الفنية، فتكون مصدر التمويل مع حرص على المال المهدور من خيبة النتيجة.
لا تخفق الشخصيات، غريبة الأسماء (نعود إلى خصوصية المسلسل) في الأداء: كرم شعراني بدور «عزمي نسوان»، من المتألقين في رمضان. نعومة ملامحه و«خصلة الشعر» الخارجة من قبعته، يزيدان الشخصية متعة. هو ابن «حمدي»، كـ«عزت الأزيري» (وائل زيدان)، و«مجنون عزيزة» رامي نفسه في البئر كدليل على الحب. وابن آخر هو «عادل المسطول» (يحيي بيازي)، شاعر الجوقة الباحث عبثاً عن فرقة خاصة خارج جناحَي «عزيزة» وأبيه. تركيبة طريفة، مواقفها مسلية.
يزن خليل، من المتألقين أيضاً في رمضان، يؤدي شخصية «شكري الطشت» الطامح لمنصب «العكيد». تركيبة الشخصيات ترفع أسهم المسلسل، وإن كان مرور اسم بحجم خالد القيش بشخصية «الكابتن طارق» لم يأتِ بالوقع المنتظر. هو الحب المستحيل الذي يجمع «ابن العائلة» بـ«راقصة»، فينتهي بزواجه من «بنت عائلة» مضحياً بالقلب وتاركاً الحبيبة للوعتها. يصحو الجرح على شكل رغبة في الانتقام، حين ترقص في زفافه لتفسد بهجة زوجته، وتزرع نفسها على مسافة قريبة من خطواته.
طابع النص السردي، يجعل البعض يتأفف من بطء الإيقاع. ومع ذلك، لا يُفرط صناعه بأهمية إبراز المشهد الاستعراضي، ولو على حساب أحداث تقلب المسار. لو أمكن الجمع بين الاثنين، لتفادي اتساع حجم الشكوى. وهي لا تنفي مسه بإشكالية يمتد جدلها إلى اليوم: «الفن حلال أم حرام؟». يحسمها برقي. الاستعراضات جمالية (إخراج عادل سرحان) وبزات الرقص خارج غايات الابتذال.


مقالات ذات صلة

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يوميات الشرق هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يراهن صناع مسلسل «إقامة جبرية» على جاذبية دراما الجريمة والغموض لتحقيق مشاهدات مرتفعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق خالد النبوي ويسرا اللوزي مع المخرج أحمد خالد خلال التصوير (الشركة المنتجة)

خالد النبوي يعوّل على غموض أحداث «سراب»

يؤدي خالد النبوي في مسلسل «سراب» شخصية «طارق حسيب» الذي يتمتّع بحاسّة تجعله يتوقع الأحداث قبل تحققها.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

تصبح المهمة أسهل حين تكتب شخصية مشهورة مذكراتها قبل وفاتها، وهذا ما حدث في فيلم «أيام السادات» الذي كتب السيناريو له من واقع مذكراته الكاتب الراحل أحمد بهجت.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد مكي يقدم شخصية «شمس الغاوي» في رمضان 2025 (حسابه بموقع فيسبوك)

«الغاوي» رهان أحمد مكي الجديد في الدراما الرمضانية

يراهن الفنان المصري أحمد مكي على خوض ماراثون «الدراما الرمضانية» المقبل بمسلسل «الغاوي» الذي يشهد ظهوره بشخصية مختلفة عما اعتاد تقديمه من قبل.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تخرج أمل بوشوشة من ذلك الصندوق الذي يصوّر الحياة بحجم أصغر (حسابها في «فيسبوك»)

أمل بوشوشة... «شوطٌ كبير» نحو الذات

تعلم أمل بوشوشة أنّ المهنة قد تبدو جاحدة أسوة بمجالات تتعدَّد؛ ولا تنتظر دائماً ما يُشبع الأعماق. أتاح «المهرّج» مساحة لعب أوسع. منحها إحساساً بالخروج من نفسها.

فاطمة عبد الله (بيروت)

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.