هل اقتنعت واشنطن بأخذ مخاوف جيران اليمن في الاعتبار؟

مشاورات الرياض تفتح صفحة جديدة

المبعوث الأميركي لليمن متحدثاً مع «الشرق الأوسط» خلال المشاورات اليمنية - اليمنية في الرياض مطلع أبريل الحالي
المبعوث الأميركي لليمن متحدثاً مع «الشرق الأوسط» خلال المشاورات اليمنية - اليمنية في الرياض مطلع أبريل الحالي
TT

هل اقتنعت واشنطن بأخذ مخاوف جيران اليمن في الاعتبار؟

المبعوث الأميركي لليمن متحدثاً مع «الشرق الأوسط» خلال المشاورات اليمنية - اليمنية في الرياض مطلع أبريل الحالي
المبعوث الأميركي لليمن متحدثاً مع «الشرق الأوسط» خلال المشاورات اليمنية - اليمنية في الرياض مطلع أبريل الحالي

(تحليل إخباري)
عندما عيّن الرئيس الأميركي جو بايدن في 4 فبراير (شباط) عام 2021 الدبلوماسي المخضرم تيم ليندركينغ، مبعوثاً خاصاً لليمن، اتخذ أيضاً قرارات عدّها مراقبون تشير إلى نية إدارته إعطاء الأولوية لحل النزاع دبلوماسياً.
لكن تعيينه أُرفق أيضاً بقرار رئاسي يزيل الحوثيين من قائمة الإرهاب، في عودة عن قرار سلفه دونالد ترمب، الذي رأت إدارته في أيامها الأخيرة، أن هذا التصنيف هو جزء من حملة الضغوط القصوى التي كانت تفرضها على إيران، الراعي الأكبر لهذه الجماعة. وأيضاً محاولة لقطع الطريق على الميول القديمة- الجديدة، للإدارة الديمقراطية المقبلة، لتجديد الاتفاق النووي معها، عبر الإشارة إلى أن أي اتفاق لا يعالج أدوار إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار، لا يمكنه أن يقدم حلاً للمشكلات التي تعانيها المنطقة.
- ردود ملتبسة
بعيداً عن الجدال السياسي، الذي لا يزال، وسيبقى دائراً، بين الديمقراطيين والجمهوريين، حول المقاربة الأنجح لمعالجة ملف الحرب في اليمن. فالسؤال الذي لا يزال مطروحاً اليوم، هو عمّا إذا كانت تلك القرارات تشكل قطيعة مع سياسة كل من الإدارتين السابقتين لإدارة بايدن؟ لكن في حقيقة الأمر، البعض يرى أنها لا تزال استمراراً لعملية تغيّر بطيئة بدأت في الأشهر الأخيرة من عمر إدارة أوباما، وتابعت نموها خلال عهد ترمب، لتصل إلى حالتها الراهنة مع قرارات بايدن.
ويبدو أن واشنطن قد تكون اقتنعت بضرورة اعتماد مقاربة سياسية تأخذ في الاعتبار مخاوف جيران اليمن. تجوّل المبعوث الأميركي في المنطقة 3 أسابيع وشملت جولته دولاً عدة. الخارجية الأميركية وصفت الجولة بالناجحة، نظراً لتزامنها مع الإعلان عن تشكيل مجلس رئاسي يمني.
وتدعم واشنطن المبادرات السلمية التي ما انفكت تطرحها تلك الدول، خصوصاً السعودية، لإظهار الطرف المسؤول عن عرقلة التوصل إلى حل سلمي للأزمة.
وتعتقد الخارجية الأميركية أن جولة ليندركينغ أسفرت عن نتائج ملموسة لتحسين حياة اليمنيين، وتعزيز السلام، إذ دعمت الولايات المتحدة جهود الأمم المتحدة لتأمين هدنة لمدة شهرين بدأت في الثاني من أبريل (نيسان) المنصرم، لتوفير إغاثة فورية لليمنيين من خلال تسهيل حركة الأشخاص والبضائع، بما في ذلك الوقود. وحث المبعوث الخاص ليندركينغ في لقاءاته اللاحقة الأطراف على الالتزام بشروط الهدنة التي حددتها الأمم المتحدة لتمهيد الطريق لحل دائم للصراع يكون قابلاً للاستمرار.
في الأثناء، يواصل بعض أعضاء الكونغرس الأميركي الإعراب عن اهتمامهم بإنهاء الصراع، رغم الانقسامات الحزبية، حول من يجب تحميله مسؤولية الحرب في اليمن؟ وهو ما أعاق قدرة الكونغرس على فرض قيود إضافية على سياسة الولايات المتحدة، خصوصاً تجاه الموقف من احتمال العودة إلى الاتفاق النووي، الأمر الذي يُلقي مسؤولية حل الصراع اليمني، على عاتق البيت الأبيض أكثر من الكونغرس.
ونشر الكونغرس الكثير من الوثائق لشرح دوره في تشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع في اليمن، وقدم مقترحات تعكس أولوياته، من مراقبة أنشطة القوات المسلحة الأميركية المتعلقة بالنزاع؛ والدعم اللوجيستي والمادي والاستشاري والاستخباري الأميركي للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية؛ والموافقة على مبيعات الأسلحة الأميركية إلى السعودية والإمارات أو رفضها أو اشتراطها؛ وتخصيص الأموال للعمليات الأميركية لدعم تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية؛ إلى جانب المطالبة بزيادة وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن؛ والدعوة إلى إجراء تقييم حكومي أوسع لسياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن ودعم الولايات المتحدة لأطراف النزاع؛ فضلاً عن طبيعة ومدى التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني على الحدود؛ ودور إيران في إمداد جماعة الحوثي بتكنولوجيا الصواريخ والأسلحة الأخرى.
- تغيرات ميدانية وسياسية
التطورات الأخيرة التي نجمت عن دعوة مجلس التعاون الخليجي، الأطراف المتحاربة لإجراء محادثات في الرياض، شكّلت منعطفاً، ينبغي البناء عليه، على الرغم من رفض الحوثيين المشاركة. وبدلاً من ذلك، شنّوا سلسلة ضربات بطائرات مسيّرة وصواريخ على محطات للغاز الطبيعي وتحلية المياه في السعودية، فضلاً عن الهجمات غير المسبوقة التي تعرضت لها دولة الإمارات، بطائرات مسيّرة، كان من الواضح أن الذي يقف وراءها إيران، نظراً لتعقيداتها اللوجيستية، رغم تبني الحوثيين لها. وأحدثت المشاورات اليمنية - اليمنية التي رعاها المجلس، اختراقاً في الجمود السياسي، خصوصاً أنها جاءت في ظروف دولية وإقليمية، وجهود أممية نجحت في ترتيب هدنة عسكرية لمدة شهرين، قابلة للتجديد، رغم الخروقات الحوثية. كما بدا أن واشنطن تأخذ في الاعتبار أن غياب الحوثيين سيكون تفصيلاً، في ظل الدعم الذي تقدمه مع القوى الدولية، للجهود التي يبذلها المبعوث الأممي، لمشروع استعادة الدولة اليمنية.
فالوضع الميداني تغير جذرياً بعد وقف اندفاعات الحوثيين شرقاً وصولاً إلى مأرب وتقدُّم القوى الشرعية على الساحل الغربي وصولاً إلى الحديدة. كما أن انضمام قوى سياسية يمنية عدة إلى عضوية المجلس الرئاسي، على رأسها حزب المؤتمر الشعبي العام، وتجمع الإصلاح، والمجلس الانتقالي الجنوبي، عُدّ تغييراً كبيراً في ميزان القوى الداخلي. وهو ما أنتج في نهاية المطاف ليس فقط تغييراً لدى اليمنيين، بل تغييراً أميركياً في مقاربة الأزمة اليمينة، عبر الإشارة إلى الجهة التي تتحمل المسؤولية عن إطالتها، في ظل براغماتية أميركية، لمعالجة سوء العلاقة التي سببتها سياساتها، مع حلفائها وشركائها في المنطقة. وهو ما عكسته الجهود الأخيرة التي شارك فيها بشكل مباشر المبعوث الأميركي ليندركينغ، إلى توضيح التوازنات اليمنية التي ينبغي أن تُبنى عليها أي تسوية سياسية.
- مشاورات الرياض
رغم أن الجميع يسلّم بأن التحديات لا تزال كبيرة، إلّا أن ما انبثق عن مشاورات الرياض والإجماع الشعبي اليمني، يؤسسان لواقع جديد، يزيل الالتباسات التي لطالما استغلها «صقور كثر» في واشنطن. فاتهام السعوديين بعرقلة الحلول السلمية بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان، على الرغم من التغييرات العميقة التي شهدتها المملكة في السنوات الأخيرة، بات يحتاج إلى الكثير من أدوات الإقناع التي يستخدمها المشككون للنيل من دورها في المنطقة. ولعل المبعوث الأميركي ليندركينغ، مدركٌ لهذه المتغيرات، وقد يكون ساهم في إقناع المتشككين، بأهمية موقع السعودية الحيوي والضخم، في المعادلات الإقليمية والدولية. فالمملكة تدرك من خلال رعايتها الأخيرة للحوار اليمني، أن الحل في اليمن سياسي وليس عسكرياً.
اليوم، ومع تراجع الحرب ضد الإرهاب، بعد تدهور كل من تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية و«داعش» في اليمن، نتيجة الضربات الأميركية، بالتعاون مع دول المنطقة، بات من الطبيعي التساؤل عن طبيعة السياسة الأميركية المجدية، لمعالجة مشكلات اليمن. فالتهديد الأكبر للإرهاب هو ما قد يأتي بعد انتهاء الحرب الأهلية. يقول بعض المحللين إن سنوات من الحرب تركت البلاد من دون أي حكم فعال، وكثير من الذين حاربوا الحوثيين، هم من الشباب مدفوعين جزئياً بمخاوف دينية أو طائفية، وقد ينضمون إلى الجماعات المتطرفة العنيفة بعد انتهاء الحرب الأهلية. وهذا قد يترك اليمن عرضة لعودة ظهور «القاعدة» أو تنظيم «داعش» أو الجماعات المتطرفة الأخرى.
ويوضح بيان الخارجية الأميركية الذي صدر في أعقاب زيارة تيم ليندركينغ الأخيرة التي شملت المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، أن الولايات المتحدة «ترحب بتأسيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، وتحث هذا الأخير على تعزيز الجهود الشفافة والشاملة بقيادة يمنية لإصلاح الحكومة، بغرض ضمان تلبيتها لاحتياجات كل المواطنين وتلبية مطالباتهم بالعدالة والمساءلة والتعويض عن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، بالشراكة مع المجتمع المدني اليمني وأفراد المجتمعات المهمشة». وحث البيان مجلس القيادة على العمل بشكل وثيق مع رئيس الوزراء وحكومته لتعزيز الخدمات الأساسية والاستقرار الاقتصادي في أقرب وقت ممكن، حتى يتمكن اليمنيون من الاستفادة من الفوائد الملموسة للإصلاحات الأخيرة. وأضاف البيان أن الخارجية الأميركية رحبت بتعهد كل من «المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بتقديم مليار دولار كدعم اقتصادي للبنك المركزي اليمني، وتعهد المملكة العربية السعودية بتقديم مليار دولار لمشاريع التنمية ودعم الوقود، بالإضافة إلى 300 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة». وأكدت «الخارجية» أنه يجب الاستفادة من هذا الزخم الإيجابي والفريد من خلال تأمين وقف دائم للقتال وعملية سلام متجددة وشاملة. فاليمنيون يعبّرون للمرة الأولى منذ سنوات، عن تفاؤل حذر نتيجة الخطوات البناءة في الأسابيع الأخيرة. ودعت جميع أطراف النزاع للاستجابة لمطالب اليمنيين بالسلام من خلال اختيار الحوار بدل الدمار والتعاون مع جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.