قلق داخل الكرملين من أثمان حرب بوتين في أوكرانيا

بوتين خلال اجتماعه مع القادة العسكريين في موسكو (أ.ف.ب)
بوتين خلال اجتماعه مع القادة العسكريين في موسكو (أ.ف.ب)
TT

قلق داخل الكرملين من أثمان حرب بوتين في أوكرانيا

بوتين خلال اجتماعه مع القادة العسكريين في موسكو (أ.ف.ب)
بوتين خلال اجتماعه مع القادة العسكريين في موسكو (أ.ف.ب)

بعد ما يقرب من ثمانية أسابيع من إرسال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوات إلى أوكرانيا، ومع تزايد الخسائر العسكرية ومواجهة روسيا عزلة دولية غير مسبوقة، يتشكك عدد صغير، ولكن متزايداً من كبار المطلعين في الكرملين بهدوء في قراره خوض موسكو للحرب.
وحسب تقرير لوكالة «بلومبرغ»، لا يزال النقاد لقرار الرئيس محدودين وينتشرون عبر المناصب الرفيعة المستوى في الحكومة والشركات التي تديرها الدولة. وتحدث عشرة أشخاص على دراية مباشرة بالوضع، بشرط عدم الكشف عن هويتهم؛ خوفاً من الانتقام، للوكالة، معربين عن اعتقادهم أن الغزو كان خطأً كارثياً وسيعيد البلاد سنوات إلى الوراء.
حتى اليوم، لا يرى هؤلاء الأشخاص أي فرصة لأن يغير الرئيس الروسي مساره، ولا يوجد أي احتمال لأي تحدٍ له في الداخل. وقالوا إن بوتين، الذي يعتمد أكثر فأكثر على دائرة ضيقة من المستشارين المتشددين، رفض محاولات المسؤولين الآخرين لتحذيره من التكلفة الاقتصادية والسياسية الباهظة للغزو.
قال البعض، إنهم يشاركون بشكل متزايد الخوف الذي أعربت عنه الولايات المتحدة عندما قال مسؤولو استخباراتها، إن بوتين قد يلجأ إلى استخدام محدود للأسلحة النووية إذا واجه فشلاً في حملة يعتبرها مهمة تاريخية.
من المؤكد أن دعم حرب بوتين لا يزال عميقاً عند الكثير من أفراد النخبة الروسية، حيث يتبنى العديد من المطلعين على بواطن الأمور رواية الكرملين في العلن والخاصة بأن الصراع مع الغرب أمر حتمي، وأن الاقتصاد سوف يتكيف مع العقوبات الشاملة التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها. ولا يزال الدعم الشعبي قوياً، حيث أفسحت الصدمة الأولية والاضطراب الناجم عن العقوبات الطريق لنوع من الاستقرار السريالي في روسيا.
ومع ذلك، أصبح المزيد والمزيد من المطلعين على الأمور في موسكو يعتقدون أن التزام بوتين بمواصلة الغزو سيحكم على روسيا بسنوات من العزلة والتوتر المتصاعد الذي سيترك اقتصادها معطلاً، وأمنها معرّض للخطر ويدمر نفوذها العالمي. أدلى عدد قليل من كبار رجال الأعمال بتصريحات مستترة تشكك في استراتيجية الكرملين، لكن العديد من اللاعبين الأقوياء يخشون بشدة من اتساع نطاق الحملة على المعارضين للتعبير عن مخاوفهم علناً.
فوجئ المتشككون بسرعة استجابة الولايات المتحدة وحلفائها، مع العقوبات التي جمدت نصف احتياطيات البنك المركزي البالغة 640 مليار دولار، وتخلي الشركات الأجنبية عن عقود من الاستثمار لإغلاق العمليات بين عشية وضحاها، فضلاً عن الدعم العسكري المتزايد بشكل مطرد لكييف والذي يساعد قواتها على وقف التقدم الروسي.
حاول كبار المسؤولين أن يشرحوا للرئيس أن التأثير الاقتصادي للعقوبات سيكون مدمراً، ويمحو عقدين من النمو ومستويات المعيشة المرتفعة التي حققها بوتين خلال فترة حكمه، وفقاً لأشخاص مطلعين على الوضع.
تجاهل بوتين التحذيرات، قائلاً، إنه بينما ستدفع روسيا تكلفة ضخمة، لم يترك له الغرب أي بديل سوى شن الحرب، لافتاً إلى أن «الحرب الخاطفة الاقتصادية فشلت وسوف يتكيف الاقتصاد».
وقال الأشخاص المطلعين، إن الرئيس لا يزال واثقاً من أن الجمهور يقف وراءه، والروس مستعدون لتحمل سنوات من التضحية من أجل إعادة العظمة لروسيا. بمساعدة ضوابط صارمة على رأس المال، استعاد الروبل معظم خسائره الأولية، وبينما ارتفع التضخم، لا يزال الاضطراب الاقتصادي محدوداً نسبياً حتى اليوم.
وأضافوا «بوتين مصمم على المضي قدماً في القتال، حتى لو اضطر الكرملين إلى تقليص طموحاته من الاستيلاء السريع والكاسح على جزء كبير من البلاد إلى معركة شاقة على منطقة دونباس في الشرق. الرضا بالقليل من شأنه أن يترك روسيا ضعيفة في مواجهة تهديد الولايات المتحدة».
في الأسابيع التي تلت الغزو، تضاءلت دائرة مستشاري بوتين واتصالاته أكثر من المجموعة المحدودة من المتشددين الذين كان يستشيرهم بانتظام من قبل، وفقاً لما ذكره شخصان. وقال هؤلاء الأشخاص، إن قرار الغزو اتخذه بوتين وعدد قليل من الصقور، بمن فيهم وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس الأركان العامة فاليري جيراسيموف، وسكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف.
ولم يرد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على الفور على طلب للتعليق على هذا المقال. ولم يعطِ وزير الخارجية سيرغي لافروف إجابة مباشرة على الأسئلة المتكررة حول ما إذا كانت روسيا قد تستخدم الأسلحة النووية في أوكرانيا في مقابلة نشرت أمس (الثلاثاء).
لا يرى المنتقدون أي مؤشر على أن بوتين مستعد حتى الآن للنظر في إنهاء الغزو بالنظر إلى الخسائر أو تقديم التنازلات الجادة اللازمة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. بالنظر إلى هيمنته الكاملة على النظام السياسي، فإن الآراء البديلة تتجذر فقط في السر.
ساهمت المعلومات المحدودة في سوء تقدير الكرملين في الأيام الأولى للهجوم، وراهن على دعم أوسع بين القوات والمسؤولين الأوكرانيين، فضلاً عن إحراز تقدم عسكري أسرع، حسبما قال الأشخاص المطلعون على الأمر. كما استهان الزعيم الروسي بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث اعتبره في البداية ضعيفاً.
كان على رومان أبراموفيتش، الملياردير الذي ساعد في التوسط في محادثات السلام الفاشلة حتى الآن، أن يخلص بوتين من قناعته بأن الرئيس زيلينسكي، الممثل الكوميدي السابق، سوف يفر من البلاد بمجرد بدء الغزو، وفقاً لأشخاص مطلعين على المحادثات.
داخل جهاز الأمن الفيدرالي، يتزايد الإحباط من فشل الغزو حتى الآن، وفقاً لأندريه سولداتوف، الخبير في أجهزة الأمن الروسية. وكان آخرون هناك توقعوا أن القتال لن يستمر أكثر من بضعة أسابيع، وفقاً لأشخاص مطلعين على الوضع.
هناك مسؤول كبير واحد فقط انفصل علناً عن الكرملين بشأن الغزو: أناتولي تشوبايس، المهندس الذي أشرف على عمليات الخصخصة في التسعينات ومبعوث الكرملين للمناخ، فقد غادر البلاد وأقاله بوتين من منصبه.
قيل للآخرين الذين سعوا إلى الاستقالة - بما في ذلك رئيسة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا - إنهم مضطرون إلى البقاء للمساعدة في إدارة التداعيات الاقتصادية، كما طالب بعض المسؤولين في مناصب أقل أهمية نقلهم إلى وظائف لا تتعلق بصنع السياسات، وفقاً لأشخاص مطلعين على الوضع. وندد مسؤولون كبار بمن غادروا البلاد ووصفوهم بأنهم «خونة».
رأى العديد من كبار رجال الأعمال اليخوت والممتلكات الأخرى تصادر بموجب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، انتقد قلة منهم الحرب - وإن لم يذكر بوتين.
ووصف قطب المعادن أوليغ ديريباسكا الحرب بأنها «جنون» في أواخر مارس (آذار)، قائلاً إنها كان يمكن أن تنتهي «قبل ثلاثة أسابيع من خلال مفاوضات معقولة». وحذر من أن القتال قد يستمر «لسنوات عدة أخرى».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.