لبنان: أدوات تقنية تحبط التهرب من التصريح بالإنفاق في الانتخابات

TT

لبنان: أدوات تقنية تحبط التهرب من التصريح بالإنفاق في الانتخابات

قوضت الإجراءات التقنية التي اتخذها موقع «فيسبوك» أخيراً، إلى حد كبير، تواري المرشحين اللبنانيين عن الرقابة القانونية المتصلة بالإنفاق الانتخابي، ووضعت أمام «هيئة الإشراف على الانتخابات» وثيقة تثبت الإنفاق الإعلاني، للمرة الأولى في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية اللبنانية، رغم المطالب بإجراءات أكثر شفافية، حسب ما يقول حقوقيون لبنانيون.
وبدأت الحملات اللبنانية لحث مواقع التواصل الاجتماعي على إضفاء شفافية مرتبطة بإنفاق المرشحين الإعلاني، قبل أشهر من الانتخابات، لتجنب ما حصل في الانتخابات السابقة لجهة الاتهامات الموجهة للمرشحين بالتهرب من التصريح عن الإنفاق، كون التحقق من الإنفاق عبر «فيسبوك» كان يتطلب اتصالاً رسمياً بين هيئة الإشراف والشركة الأميركية.
وقال مدير المحتوى الرقمي في منظمة «سميكس» عبد قطايا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «فيسبوك» وسع في الفترة الأخيرة فريق السياسات في المنطقة، وخصص مسؤولين للسياسات في لبنان والعراق، وبدأ الموقع الأزرق بخطوات طاولت الدعايات والإعلانات السياسية في لبنان في فترة ما قبل الانتخابات. وأوضح قطايا أن هذا التطوير طاول الملف الانتخابي في لبنان، حيث «بدأت المنصة في 22 مارس (آذار) الماضي، تطبيق هذه السياسة، وأضافت أدوات تقنية تمكن من التحري عن الإنفاق المالي في الانتخابات أو بث دعاية سياسية».
وقال قطايا إن هذه الإضافة «جاءت بضغط من جمعيات ومنظمات حقوقية في لبنان، وذلك لإضفاء جانب من الشفافية وإتاحة المجال للمراقبة أسوة بالخصائص التي فرضتها في انتخابات الولايات المتحدة وغيرها».
وبات بإمكان هيئة الإشراف على الانتخابات، استخدام أدوات أضافها «فيسبوك» تظهر من قام من المرشحين باللجوء إلى إعلانات مدفوعة، وكم بلغ حجم الإنفاق، ومن تستهدف من المشاهدين. ويطلب الموقع من أي شخص ينوي بث إعلانات انتخابية، أن يثبت ذلك من خلال مستندات تثبت أنه موجود في لبنان، ويقدمها لـ«فيسبوك»، بينها بطاقة الهوية وبطاقة ائتمان مصرفية لبنانية، ومعلومات أخرى مثل رقم الهاتف الثابت وغيرها.
ويُنظر إلى هذا الإجراء على أنه خطوة متقدمة، رغم المطالب بأن تكون الإجراءات المتعلقة أوسع، حسب ما يقول مدير وحدة الرصد في مؤسسة «مهارات» المحامي طوني مخايل، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الإجراء الأخير «قوّض إلى حد كبير المحاولات للتهرب من التصريح عن الإنفاق الانتخابي، ووضع وثائق بعهدة هيئة الإشراف على الانتخابات لمراقبة هذا الإنفاق».
لكنه في الوقت نفسه، لا يعتبر مخايل هذا الإجراء كافياً، مشيراً إلى أن خاصيات البحث المتقدم عن الحملات للتعرف إلى حجم الإنفاق، لم يضفها بشكل واحد، وهي نقطة «كانت محل مطالبة منا خلال الأيام الماضية لموقع (فيسبوك) لإضافة المزيد من الشفافية». ويشير أيضاً إلى أن واحدة من القضايا، أن بعض الإعلانات لا تتم عبر صفحات خاصة بالمرشحين، بل عبر داعمين لهم أو وسائل إعلام بطريقة غير مباشرة، ولا يستطيع الراصد أن يعرف ذلك من دون مساعدة تقنية من «فيسبوك» تضفي المزيد من الشفافية. وحدد القانون اللبناني سقف المبلغ الأقصى الذي يحق لكل مرشح إنفاقه أثناء فترة الحملة الانتخابية، ويقسم إلى «قسم ثابت مقطوع قدره 750 مليون ليرة (30 ألف دولار)»، ويضاف إليه «قسم متحرك مرتبط بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية التي ينتخب فيها، وقدره خمسون ألف ليرة لبنانية (دولاران فقط) عن كل ناخب مسجل في قوائم الناخبين في هذه الدائرة». أما سقف الإنفاق الانتخابي للائحة فهو مبلغ ثابت مقطوع قدره سبعمائة وخمسون مليون ليرة لبنانية عن كل مرشح (30 ألف دولار). وأثارت خطوة «فيسبوك» ارتياحاً في صفوف اللبنانيين والمنظمات والجمعيات الحقوقية والمعنية بمراقبة الانتخابات وديمقراطيتها، وذلك بالمقارنة مع شركات أخرى لم تخصص للبنان أدوات تقنية لإضفاء المزيد من الشفافية، كما فعلت بمواقع أخرى في العالم. ويقول المحامي مخايل إن «غوغل» يستقبل القسم الأكبر من الإعلانات الانتخابية للمرشحين، وينشرها في «إعلانات غوغل» التي يوزعها على مواقع إلكترونية. ورغم أن تلك الإعلانات توفر المساواة أحياناً على سبيل نشر الإعلان لمرشح ولخصمه مباشرة بعد انتهاء الأول، إلا أن «غوغل» لم يعلن حتى الآن عن أداة تقنية لمراقبة الإنفاق الانتخابي في لبنان، خلافاً لما قام به في مواقع أخرى في العالم مثل الولايات المتحدة وروسيا والهند وغيرها.
وفيما تستحوذ إعلانات «غوغل» على حصة أكبر من «فيسبوك»، تبقى الحصتان أقل بأضعاف مما يُنفق على الشاشات اللبنانية، التي وصل في الشهر الماضي حجم الإنفاق إلى 7.5 مليون دولار، حسب دراسة نشرتها «مهارات».
وقال مخايل إن هناك «مبالغ ضخمة تُدفع للوحات الإعلانية في الشوارع والإعلانات التلفزيونية والإذاعية، لكن تأثير إعلان (فيسبوك) أكبر لأنه يستهدف شريحة محددة يريدها الناخب، وتصل رسالته ومواقفه إلى الفئة المستهدفة مباشرة».
وعن أسباب عدم اعتماد القوى السياسية بشكل كبير على إعلانات «فيسبوك»، في مقابل اعتماد القوى التغييرية عليه، يقول مخايل إن ذلك عائد إلى حاجة المرشح، «فالقوى الناشئة تريد أن تسوق لنفسها أكثر، وبعضها لا يمتلك قدرات كبيرة على الإنفاق، فيذهب إلى الخيارات الأقل تكلفة والأكثر تناسباً».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.