«جدة التاريخية» تحيي ذاكرة مرتاديها بالملبوسات التراثية والأكلات الشعبية

تتميز المنطقة التاريخية بانفتاح حواريها وشوارعها على بعضها... وهذا ما يسهل المرور بخاناتها القديمة

تتميز بيوت جدة التاريخية بالبيوت المصنوعة من الحجر المنقبي (تصوير: عبد الله الفالح)
تتميز بيوت جدة التاريخية بالبيوت المصنوعة من الحجر المنقبي (تصوير: عبد الله الفالح)
TT

«جدة التاريخية» تحيي ذاكرة مرتاديها بالملبوسات التراثية والأكلات الشعبية

تتميز بيوت جدة التاريخية بالبيوت المصنوعة من الحجر المنقبي (تصوير: عبد الله الفالح)
تتميز بيوت جدة التاريخية بالبيوت المصنوعة من الحجر المنقبي (تصوير: عبد الله الفالح)

في كل حالاتها تبدو المنطقة التاريخية في جدة (غرب السعودية)، بهية، إلا أن جمالها يزداد حُسناً، وحواريها تزداد شغفاً بزوارها، وسماؤها تتزين بمصابيح الدنيا المعتقة في رمضان، وفي رمضان تسمع حكايات البيوت القديمة، وصوت المسحراتي يجوب أزقة المدينة التي فاق عمرها 3 آلاف عام، وفي كل عام تحكي لمرتاديها قصة.
وأنت في المنطقة التاريخية (المدرجة في «قائمة التراث العالمي») لزاماً عليك أن تبطئ في خطواتك ولا تستعجلك الحياة؛ ففي كل زاوية حكاية وفي كل خطوة مشهد، وما بينهما باعة يقدمون الفاخر من أجود الأكلات في التاريخ الشعبي للمدينة، التي تُعرف بـ«الأكلات الحجازية»، كونها أطعمة اشتهرت بالمنطقة في حقب مختلفة، ومنها «الكبدة، البليلة، وحلاوة اللدو»، فيما يترقب سكان المدينة والزائرون لها العديد من البرامج التي تنفذها الجهات المعنية لإحياء الموروث الشعبي من ملبوسات حجازية، وأهازيج تجسد الفنون المتوارثة، مع إحياء الذاكرة بالمسحراتي الذي كان يجوب الشوارع لإيقاظ العامة على قرع الطبول: «اصحى يا نايم... وحِّد الدايم»، وهي من الطقوس الرمضانية التراثية في جدة القديمة.

... وتشتهر بمطاعم السمك (تصوير: عبد الله الفالح)

وأثناء جولتك بين حواري المنطقة، بدءاً من حارة الشام واليمن وحارة المظلوم التي لا يُعرف سبب تسميتها بهذا الاسم حتى الآن، وتكون حينها قادماً من شارع «قابل»، بداية انطلاق جولتك، لزم عليك تحويل مسارك للمرور على سوق الندى، وحينها تكون قد وصلت على أطراف منتصف الليل، ويفضل مرورك من طرف السوق المتقاطع مع شارع «قابل» لتشاهد محتويات تلك المنافذ من الأقمشة الرجالية (أقمشة، أشمغة) وغيرها من المنتجات، لتصل مع الرصد لمكونات الشارع إلى جزئه الأخير، حينها ستجذبك انبعاثات الروائح الصادرة من العديد من المطاعم الموجودة في هذا الشق.

منطقة جدة التاريخية مدرجة في قائمة التراث العالمي (تصوير: عبد الله الفالح)

في هذه اللحظة وأنت تكابد نفسك في أي الاتجاهات تسير، وأي الأطعمة تستهوي «روس المندي»، وهي من الوجبات التقليدية في المدينة، إذ يجري وضع رؤوس الماشية وبعض من قطع اللحم في حفرة موقدة على الحطب (الميفا)، ويُطبخ بهذه الطريقة القديمة، ومن ثم يُقدَّم بعد نضجه واستوائه وقد جرى تفريغ محتوى الرأس من اللحم والمخ واللسان في طبق، ويُرَش عليه ملح وفلفل أسود (الدقة)، وقطع من الخبز الأسمر (الحب)، أم أن خيارك سيذهب لتناول السمك الذي يشتهر في هذا الجانب من السوق؟
وإن كنتَ قد حددت بوصلتك على أكلة سمك وتوابعها، فاعلم أن هذا الشارع هو أشهر ما يقدم وجبة السمك طيلة عقود من الزمن، وكان يحتضن أمهر الطهاة لهذه الوجبة، إضافة إلى قدرة هذه المطاعم على جلب الأنواع الطازجة من الأسماك التي تُقدَّم مقلية مع سلطات متنوعة، فيما تزين سفرتك بأفخر وأهم أنواع أكلات الأرز المعروفة في جدة، التي يُطلَق عليها «صيادية»، والتي تطبخ بطريقة مختلفة مع زيادة في البصل ليخرج بلون يتفرد به (البني).
بعد الانتهاء من وجبة العشاء، تأمل تلك البيوت المصنوعة من الحجر المنقبي، الذي كانوا يستخرجونه من بحيرة الأربعين، ثم يعدلونه بالآلات اليدوية ليوضع فـي مواضع تناسب حجمه، إلى جانب الأخشاب التي كانت ترد إليهم من المناطق المجاورة، كوادي فاطمة، أو ما كانوا يستوردونه من الخارج عن طريق الميناء (خاصة من الهند)، مع استخدامهم الطين الذي يجلب من بحر الطين لتثبيت المنقبة ووضعها؛ بعضها إلى بعض.
وما يميز المنطقة التاريخية انفتاح حواريها وشوارعها على بعضها، وهذا ما يسهِّل مرورك بخانات جدة القديمة (السوق المكونة من مجموعة دكاكين تفتح وتغلق على بعض)، ومن أهمها (خان الهنود، خان القصبة لتجارة الأقمشة، خان الدلالين، خان العطارين)، كما يمكنك زيارة جامع الشافعي الواقع في حارة المظلوم، الذي بُنيت منارته في القرن الثالث عشر الميلادي، والاستمتاع بالسوق المجاورة له، كذلك مسجد عثمان بن عفان، ومسجد الباشا، لتختم زيارتك وأنت في باب مكة، إحدى أقدم الأسواق الشعبية للمنتجات الغذائية بمختلف أشكالها؛ إذ تشتهر السوق ببيع السمن البلدي والعسل وأنواع من الخبز يُطلَق عليه «الصامولي»، و«الشريك البلدي».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

محمد رمضان يُسعد جمهوره... ونهاية حزينة لمسلسلي منى زكي وياسمين عبد العزيز

من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)
من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)
TT

محمد رمضان يُسعد جمهوره... ونهاية حزينة لمسلسلي منى زكي وياسمين عبد العزيز

من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)
من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)

تباينت نهايات الحلقات الأخيرة من مسلسلات شهر رمضان، التي تزامن عرْض بعضها مساء (الجمعة) مع أول أيام عيد الفطر في كثير من دول العالم، بين النهايات السعيدة والصادمة وأخرى دامية.
كما اتّسم أغلبها بالواقعية، والسعي لتحقيق العدالة في النهاية، ولاقى بعضها صدى واسعاً بين الجمهور، لا سيما في مسلسلات «جعفر العمدة»، و«تحت الوصاية»، و«عملة نادرة»، و«ضرب نار»، و«رسالة الإمام»، و«ستهم».
وشهدت الحلقة الأخيرة من مسلسل «جعفر العمدة» نهاية سعيدة، وفق محبّيه، انتهت بمواجهة ثأرية بين المَعلّم جعفر (محمد رمضان) وزوجته دلال (إيمان العاصي)، حيث طلب من نعيم (عصام السقا) إبلاغ الشرطة لإلقاء القبض عليها، بعدما تمكّن الأول من تسجيل فيديو لزوجته وشقيقيها وهي تقتل بلال شامة (مجدي بدر) واعترافاتها بكل ما قامت به.
وبعد ذلك توجّه جعفر مع ابنه سيف (أحمد داش) إلى بيته في السيدة زينب، حيث اقتصَّ من شقيقَي زوجته دلال، ثم أعلن توبته من الربا داخل المسجد ليبدأ صفحة جديدة من حياته، ولم تتبقَّ سوى زوجته ثريا (مي كساب) على ذمته.
وأشاد الجمهور بأداء الفنانة إيمان العاصي وإتقانها دور الشر، وتصدرت ترند «تويتر» عقب انتهاء الحلقة، ووجهت الشكر للمخرج محمد سامي والفنان محمد رمضان، وكتبت عبر «فيسبوك»: «مهما قلتُ وشكرت المخرج الاستثنائي بالنسبة لي، ونجم الشعب العربي الكبير الذي يحب زملاءه ويهمّه أن يكونوا في أحسن حالاتهم لن يكفي بوست واحد لذلك».
مشهد من مسلسل «ضرب نار» (أرشيفية)

وفي مسلسل «ضرب نار» شهدت الحلقة الأخيرة نهاية دامية بمقتل مُهرة (ياسمين عبد العزيز) أثناء احتفالها وجابر (أحمد العوضي) بزواجهما مرة أخرى، حيث أطلق نجل تاجر مخدرات رصاصة لقتل الأخير، لكن زوجته ضحّت بنفسها من أجله، وتلقت الرصاصة بدلاً منه، قبل القبض على جابر لتجارته في السلاح، ومن ثم تحويل أوراقه للمفتي.
من جهته، قال الناقد الفني المصري خالد محمود، إن نهاية «(جعفر العمدة) عملت على إرضاء الأطراف جميعاً، كما استوعب محمد رمضان الدرس من أعماله الماضية، حيث لم يتورط في القصاص بنفسه، بل ترك القانون يأخذ مجراه، وفكّ حصار الزوجات الأربع لتبقى واحدة فقط على ذمته بعد الجدل الذي فجّره في هذا الشأن».
وأضاف محمود في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «نهاية مسلسل (ضرب نار) جاءت بمثابة صدمة للجمهور بمقتل مُهرة، لكن المسلسل حقق العدالة لأبطاله جميعاً؛ مُهرة لكتابة ابنها من جابر باسم زوجها الثاني وتضحيتها بحبها، وجابر لقتله كثيراً من الناس، كما اقتص من زيدان (ماجد المصري)».
بوستردعائي لمسلسل «تحت الوصاية» (أرشيفية)

بينما انحاز صناع مسلسل «تحت الوصاية» لنهاية واقعية، وإن بدت حزينة في الحلقة الأخيرة من المسلسل، حيث قام بحارة بإشعال النار في المركب بإيعاز من صالح (محمد دياب)، وفشلت محاولات حنان (منى زكي) والعاملين معها في إخماد الحريق، ثم تم الحكم عليها بالسجن سنة مع الشغل والنفاذ في قضية المركب.
وشهد مسلسل «عملة نادرة» ذهاب نادرة (نيللي كريم) إلى حماها عبد الجبار (جمال سليمان) في بيته للتوسل إليه أن يرفع الحصار عن أهل النجع فيوافق، وبينما يصطحبها إلى مكان بعيد حيث وعدها بدفنها بجوار شقيقها مصوّباً السلاح نحوها، سبقته بإطلاق النار عليه ليموت في الحال آخذة بثأر أخيها.
وانتقدت الناقدة الفنية المصرية صفاء الليثي نهاية مسلسل «عملة نادرة» بعد قيام البطلة (نادرة) بقتل عبد الجبار، ثم تقوم بزراعة الأرض مع ابنها وكأن شيئاً لم يحدث، وسط غياب تام للسلطة طوال أحداث المسلسل، «وكأن هذا النجع لا يخضع للشرطة، ومن الصعب أن أصدّق أن هذا موجود في مصر في الوقت الحالي».
مشهد من مسلسل «ستهم» (أرشيفية)

بينما حملت نهاية مسلسل «ستهم» من بطولة روجينا عديداً من المفاجآت، حيث قام الرئيس بتكريمها ضمن عدد من السيدات اللاتي تحدَّين الظروف ومارسن أعمالاً شاقة وسط الرجال، حيث أشرق وجهها فرحة بعد سنوات من المعاناة.
واختار المخرج السوري الليث حجو، نهاية ثوثيقية للمسلسل الديني «رسالة الإمام» عبر تتر الحلقة الأخيرة، الذي تتّبع كيف انتهت رحلة شخصيات المسلسل الذي تناول سنوات الإمام الشافعي في مصر، موثقاً هذه الحقبة المهمة في تاريخ مدينة الفسطاط، ومن بينها تنفيذ السيدة نفيسة وصيةَ الشافعي وقيامها بالصلاة عليه بعد وفاته، لتبقى في مصر حتى وفاتها عام 208 هجرية.