«جزيرة غمام»... إسقاطات معاصرة مُغلفة بحكايات شعبية خيالية

المسلسل يحمل إسقاطات معاصرة
المسلسل يحمل إسقاطات معاصرة
TT

«جزيرة غمام»... إسقاطات معاصرة مُغلفة بحكايات شعبية خيالية

المسلسل يحمل إسقاطات معاصرة
المسلسل يحمل إسقاطات معاصرة

استطاع المسلسل المصري «جزيرة غمام» الذي يجري عرضه ضمن موسم دراما رمضان، لفت أنظار المشاهدين والنقاد إليه، خلال الأيام الماضية، بفضل حكايته الشعبية والإسقاطات الرمزية التي يقدمها حول الصراع بين رجال السلطة والدين والمال، ورغم أن المسلسل لا يشير صراحة إلى اسم أي مكان، فإن متابعين اعتبروه عملاً ينتمي لدراما الصعيد لتحدث أبطاله باللهجة الصعيدية، ما اعتبره البعض تجربة جديدة ومختلفة عن دراما الصعيد، إذ إنه ينقل الصراع الدرامي من الجبال والوادي الضيق، إلى ساحل البحر.
وتدور أحداث العمل في قرية خلال حقبة العشرينات من القرن الماضي على ساحل البحر الأحمر، ويصبغها مؤلف العمل عبد الرحيم كمال بطابع تراثي في زمن يعود إلى مائة عام مضت.
المسلسل الذي لقي استحسان جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، وإشادات النقاد، يؤكد مؤلفه في اللوحة الأولى من التتر، أنه لا يمت للواقع بصلة، وأن اسم الجزيرة من خياله، وأنه استوحى العنوان من «الغيم» وجمعها «غمام»، لينسج ملحمة تاريخية لا تنتمي إلى بلد محدد.
ويبدو أن أسماء أبطال المسلسل، تم اختيارها بعناية للتأكيد على رسالة العمل، فالشيخ «مدين» الذي توفي تاركاً إرثه لثلاثة من مريديه، (جسده الفنان عبد العزيز مخيون)، يرمز لاسم مدينة كنعانية قديمة كانت تعيش بها قبائل من الغجر، وأفصحت أسماء تلاميذه عن خبايا ما سيتعرض له أهل الجزيرة، الأول «محارب» الذي يجسده فتحي عبد الوهاب، وهو يعبر عن الرؤية الشرعية الجهادية لأي دين، و«يسري» يقدمه محمد جمعة ويصف أن الدين يسر لا عسر، فيما يرمز «عرفات» الذي أداه أحمد أمين إلى كثرة المعرفة وميلها إلى النزعة الصوفية الحقيقية.
وفي سياق المسلسل، تأتي أمواج البحر محملة بالغجر، وبها شخصيتا «العايقة» و«خلدون» ليقوما بتدمير جزيرة غمام والسيطرة عليها باستخدام الألاعيب وأساليب الدهاء، وتدل أسماؤهم عن ذلك، فشخصية «خلدون» التي يجسدها طارق لطفي، تعبر عن الخلود بالدنيا، و«العايقة» تعبير عن الملذات وشهوات الإنسان، وتلعب دورها مي عز الدين.
ووفق نقاد، فإن مخرج المسلسل حسين المنباوي، قد نجح في إدارة ممثليه والتعبير عن طبيعة الشخصيات وملابسهم، وحركتهم داخل ديكورات اعتمدت على زوايا الكاميرا الواسعة لإبراز تفاصيلها، بعضها يعكس الطمع والآخر يعبر عن الأمان، قبل أن تتحول الجزيرة إلى فوضى عارمة، والتقط مدير التصوير إسلام عبد السميع، مجموعة لقطات بدت كأنها لوحات تشكيلية تحمل من الرؤية ما يعبر عن دلالات النص المكتوب، وكانت في بعض المشاهد بمثابة استراحة يلتقط فيها المتفرج الأنفاس، بعد لهاث طويل حتى لا تفوته تفصيلة في العمل.
صنع مسلسل «جزيرة غمام»، حالة من الإعجاب بين المشاهدين بقصته التي تشبه إبداعات الإنجليزي الشهير «وليم شكسبير»، فظهر الصراع بين الخير والشر في شكل رمزي خلال الحقبة الزمنية القديمة، مع عدد من القضايا والموضوعات المجتمعية المهمة، ليفاجئا الخيال بأننا نعيش الواقع بجميع تفاصيل عصرنا الحالي.
ويصف الناقد المصري مجدي الطيب المسلسل، بأنه «ملحمة بصرية تنطوي على قدر كبير من الشاعرية وتحمل قراءات متعددة».
ويضيف لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «لو لم يتمعن الجمهور البسيط ويدقق في أفكار المسلسل قد يتعامل معه على أنه حدوتة بسيطة جداً، لدرجة أن البعض وصفه بأنه من مسلسلات الصعيد، وأنا لا أرى ذلك على الإطلاق، بالعكس فقد اختار المؤلف مدينة (القصير) المطلة على ساحل البحر الأحمر، (جنوب شرقي القاهرة)، لتدور بها الأحداث».
ويرى الطيب أن الإشارة إلى مفهوم الغمام، «يمكن اعتباره (غمام الرؤية) أو (غمام الأفكار) التي تسود القرية، إذ يطرح العمل أفكاراً عديدة، محاولاً إسقاط رمزيتها وأفكارها على أي مكان».
ورغم أن المسلسل يشير إلى أن بعض وقائعه تدور خلال بدايات القرن الماضي، «فإن كل شيء في المسلسل يؤكد أنه يتحدث عن واقع ما زلنا نعيشه»، بحسب الطيب الذي يتوقع حدوث مفاجآت عدة خلال الحلقات المقبلة.
ويؤكد الطيب أن من حق كل مشاهد أن يرى المسلسل بملامح فيلم «شيء من الخوف» أو مسلسل «الخواجة عبد القادر»، ويوضح أنه لا يعتقد أن يكون مسلسل «جزيرة غمام» مجرد استثمار لنجاح «القاهرة - كابل»، وأنه لا توجد صلة بينهما إلا في الهم، «فالعملان مهمومان بقضايانا المعاصرة»، مشيراً إلى أن مؤلفه عبد الرحيم كمال من الكتاب الذين تحمل أعمالهم نزعة صوفية.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.