تصريحات ملتبسة عن إفلاس الدولة و«المركزي» ترفع المخاوف اللبنانية

ميقاتي في منزل جنبلاط أمس (الوكالة الوطنية)
ميقاتي في منزل جنبلاط أمس (الوكالة الوطنية)
TT

تصريحات ملتبسة عن إفلاس الدولة و«المركزي» ترفع المخاوف اللبنانية

ميقاتي في منزل جنبلاط أمس (الوكالة الوطنية)
ميقاتي في منزل جنبلاط أمس (الوكالة الوطنية)

أثارت تصريحات لنائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي عن «إفلاس الدولة والبنك المركزي» عاصفة في الأوساط الاقتصادية انعكست تخوفاً من تكريس التوجه الرسمي نحو تحميل المصارف ومودعيها الجزء الأعظم من تغطية الفجوة المالية التي تعانيها البلاد، والمقدرة مبدئياً بنحو 73 مليار دولار، مع ترجيح وصولها إلى 75 مليار دولار قبيل توقيع الاتفاق الأولي مع بعثة صندوق النقد الدولي منتصف الشهر الحالي.
ولاحظ مسؤول مصرفي كبير، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن الفريق اللبناني المفاوض مع الصندوق برئاسة الشامي يتجنّب حتى الساعة، الإفصاح عن مقترحاته النهائية بشأن توزيع الخسائر المحققة على رباعي الدولة والبنك المركزي والمصارف والمودعين. لكن الإشهار الرسمي لإفلاس طرفين أساسيين في المعادلة، يشي باعتماد خيارات مؤلمة بحق المودعين، بعد تسريبات مسبقة عن تذويب رساميل البنوك البالغة نحو 18 مليار دولار.
وأكد المسؤول أن تنصل الدولة من موجبات ديونها والبالغة نحو 104 مليارات دولار، ومن تحمل المسؤولية الأولى والأساسية حيال الانهيارات النقدية والمالية المتوالية على مدار سنتين ونصف السنة من دون استراحة، ينذر بإطاحة مسبقة لأي خطة إنقاذ تعكف الحكومة على إنجازها حالياً وتسليمها إلى بعثة الصندوق الموجودة في بيروت، مستهدفة تسريع عقد اتفاقية برنامج تمويل. علماً بأن الحكومة السابقة تسببت بخروج غير منظم للقطاع المالي من أسواق التمويل الدولية عقب قرارها بتعليق دفع مستحقات سندات دين دولية بقيمة 1.2 مليار دولار، لتستحق تلقائيا محفظة «اليوربوندز» بكامل سنداتها البالغة نحو 35 مليار دولار، التي كانت موزعة سنوياً حتى عام 2037.
وفيما تردد، بحسب المسؤول، أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طلب إصدار توضيحات لمقصد تصريح الشامي بأن «الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان وللأسف الخسارة وقعت»، من خلال تبيان الحرص على التوزيع العادل للخسائر وفق معادلة توزيع المسؤوليات، قال ميقاتي في رد على سؤال حول البلبلة التي أحدثها تصريح الشامي، اثر لقائه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط: «كما فهمت من نائب رئيس الحكومة ان ما أخذ من حديثه كان مجتزأ وهو قصد بما قاله السيولة وليس الملاءة».
من جهته، أوضح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في بيان، أن «ما يتم تداوله حول إفلاس المصرف المركزي غير صحيح. فبالرغم من الخسائر التي أصابت القطاع المالي في لبنان، والتي هي قيد المعالجة في خطة التعافي التي يتم اعدادها حاليا من قبل الحكومة اللبنانية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ما زال مصرف لبنان يمارس دوره الموكل اليه بموجب المادة 70 من قانون النقد والتسليف وسوف يستمر بذلك».
وبحسب المعلومات، أبلغ أركان الهيئات الاقتصادية بعثة الصندوق برئاسة ارنستو ريغو راميريز، خلال اجتماع أمس في مقر غرفة بيروت، «الاعتراض الشديد على ما يطرح في الخطة المعروضة لجهة قلب هذه التراتبية رأساً على عقب، لجهة إبراء ذمة الدولة، وتكبيد المودعين والمصارف فاتورة ردم الفجوة المالية بأكملها، محولة بذلك، دين الدولة إلى خسائر فادحة يتكبّدها المجتمع والاقتصاد اللبنانيين».وشددت الهيئات الاقتصادية على «ضرورة الانطلاق في خطة التعافي من اعتماد معطيات واقعية وعلمية ورؤية اقتصادية شاملة وعادلة ومستدامة»، وتقوم على أن «مسؤولية الانهيار المالي، وباعتراف الجميع، تقع على عاتق الدولة، والمصرف المركزي، والمصارف على التوالي. وبذلك فإن «المقاربة التي يجري العمل عليها، هي مقاربة ظالمة وغير عادلة على الإطلاق، لأن المبالغ بُدّدت ولا تزال حتى اليوم، على تثبيت سعر الصرف، وفرق الفوائد، ومشتريات الدولة ونفقاتها الجارية، ودعم السلع الاستهلاكية».
وكررت المطالبة، وبإلحاح، بضرورة أن تعترف الدولة، كشخصية معنوية، بمسؤوليتها الأساسية والأكيدة في تكوين الفجوة المالية الكبيرة، وإعادة تأكيد التزامها بتقديم المساهمة المالية الأكبر في ردمها، وذلك من خلال إنشاء صندوق سيادي يستثمر لهذه الغاية، باعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد لاستعادة الثقة بلبنان، ولتفادي توجيه ضربة قاضية إلى المودعين والنظام المصرفي والاقتصاد الوطني على حد سواء.
وفي سياق متصل، أبلغ ميقاتي الاجتماع الرابع للهيئة المشتركة ضمن «إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار» (3RF)، التي تضم مكاتب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، أن «الحكومة تعمل عبر الجهات المعنية في القطاع العام لتوحيد الرؤية الواحدة والشاملة للإنماء والتعافي والإصلاح بين المعنيين، وقد شارفنا على الانتهاء من توحيد هذه الرؤية لتطبيق الإصلاحات الواجبة».
بدوره، لفت الشامي، في مداخلته، إلى «أن المفاوضات مستمرة بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، وأهم ما تحدثنا عنه اليوم إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإنجاز خطة التعافي الاقتصادي وإقرار الموازنة في مجلس النواب وإقرار مشروع الكابيتال كونترول، على أمل أن نوقع قريباً الاتفاق الأولي، على أن يلي ذلك تنفيذ الإجراءات المسبقة قبل التوقيع النهائي».
وبينما أعلنت الممثلة المقيمة للأمم المتحدة، نجاة رشدي، أن «هذه المناقشات ستساعد في كيفية استخدام سبل تعاون أفضل، والأولوية هي لتحقيق التعافي في لبنان، ووضع احتياجات اللبنانيين في سلم الأولويات وإنجاز الإصلاحات القطاعية»، أشار مدير دائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي ساروج كومار إلى أنه «متفائل بالبرنامج الحكومي للإصلاحات الوطنية، ولكن إذا لم يصل هذا البرنامج بشكل جيد، فسيشكل ذلك انكماشاً أكبر للاقتصاد، وسيؤدي إلى تأزم أكبر في الظروف الاقتصادية والاجتماعية». وأكد «ضرورة تحقيق الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي»، مبيناً أن لبنان شهد العديد من الأزمات ولكن هذه الأزمة هي الأسوأ، حيث بلغ حجم الانكماش الاقتصادي نحو 60 في المائة حتى نهاية العام الماضي.



سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
TT

سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)

مع دخول الحرب التي أشعلها الحوثيون عامها العاشر، لا يزال ملايين من النازحين يعانون جراء غياب الخدمات ويعيشون في تجمعات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، حيث تشكل أزمة المياه النظيفة في مناطق الساحل الغربي لليمن واحدة من صور المعاناة التي يعيشها النازحون بسبب الحرب.

يقول حسن، وهو أب لأربعة أطفال وصل إلى منطقة «يختل» قبل خمس سنوات، إنهم يسيرون لساعات من أجل جلب بضعة صفائح من الماء، وفي بعض الأيام، يعود وأطفاله خالي الوفاض، حيث يبدو أن المياه تفرّ بعيداً عن متناول اليد.

الصراع من أجل المياه في اليمن تفاقم بسبب سنوات الحرب (الأمم المتحدة)

ولأن الحرب أجبرت أكثر من 4.5 مليون يمني على ترك منازلهم، فقد لجأ الكثير منهم إلى قرى ريفية مثل «يختل» القريبة من ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر، ومع وصول المزيد من الأسر النازحة، وغالباً لا يحملون سوى الملابس على ظهورهم، زاد الضغط على الموارد الشحيحة بالفعل.

وفي ظل هذه الظروف، يتنافس السكان المتزايدون على الوصول إلى المياه والمأوى والخدمات الأساسية؛ مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي يواجهها كل من النازحين والسكان المحليين. كما أدى انخفاض خصوبة التربة وزيادة ملوحة مصادر المياه وارتفاع مستويات سطح البحر إلى تهديد الزراعة على طول الساحل الغربي، خصوصاً في هذه المنطقة.

لهذا؛ يجد سكان المنطقة، الذين اعتمدوا في السابق على الزراعة على نطاق صغير لإعالة أسرهم، أنه من المستحيل تقريباً زراعة المحاصيل أو إطعام مواشيهم، حيث أصبح المناخ معادياً بشكل متزايد لأساليب الزراعة التقليدية.

كما أن صيد الأسماك على نطاق صغير، الذي كان أيضاً شريان حياة للاقتصاد المحلي، في انحدار. ومع فشل المحاصيل وتناقص مخزون الأسماك، أصبح لدى السكان خيارات أقل.

مهمة صعبة

يقرّ محمد علي، وهو أحد سكان «يختل» بالصعوبة، حيث يستيقظ كل يوم قبل الفجر للبحث عن الماء، وهي مهمة تستهلك صباحاته وتستنزف طاقته، كما أن رحلاته اليومية إلى نقاط المياه المشتركة محفوفة بعدم اليقين، هل سيجد ما يكفي من المياه لأسرته أم لا.

وفق المنظمة الدولية للهجرة، تفاقم الصراع من أجل المياه بسبب سنوات الحرب التي دمَّرت البنية الأساسية التي كانت ذات يوم حيوية للبقاء؛ لأن نظام المياه، الذي تم بناؤه في الأصل لخدمة 200 منزل، أصبح الآن ممتداً إلى ما هو أبعد من حدوده، في محاولة لتلبية احتياجات أكثر من 1500 أسرة، بما في ذلك مئات النازحين الذين هربوا من العنف في مناطق خطوط التماس بين القوات الحكومية والحوثيين.

البحث اليومي عن المياه يستهلك وقت الأسر وطاقتها لفترة طويلة (الأمم المتحدة)

من خلال إعادة تأهيل خطوط الأنابيب وبناء نقاط مياه جديدة، ساعدت تدخلات المنظمة الأممية في تخفيف العبء على الأسر وتخفيف الصراع على الموارد. كما يعالج المشروع المخاطر الصحية من خلال ضمان حصول كل من المجتمعات المضيفة والأسر النازحة على وصول موثوق به إلى المياه النظيفة.

وجزءاً من هذه الجهود في منطقة «يختل»، يتم توسيع شبكة توزيع المياه. ويشمل ذلك تركيب أنابيب أكبر وبناء مرافق تخزين مياه إضافية، وضمان توزيع العرض المحدود بكفاءة عبر المجتمع.

وبحسب المنظمة الأممية، تم إدخال أنظمة ضخ المياه بالطاقة الشمسية؛ مما يوفر مصدر طاقة مستداماً يقلل من الاعتماد على الوقود الباهظ الثمن وغير المتاح في كثير من الأحيان، ومساعدة المجتمعات على تحمل التقلبات الجوية المتطرفة مثل الفيضانات بشكل أفضل.

مساعدة على الصمود

تتضمن جهود منظمة الهجرة الدولية ترقية نظام المياه لتحسين قدرته على الصمود في مواجهة الفيضانات، والتخطيط بعناية لتجنب المناطق المعرضة للفيضانات وإنشاء تدابير وقائية، بالإضافة إلى ذلك، سيتم تركيب أجهزة تعقيم المياه بالكلور الأوتوماتيكية لتطهير المياه.

وبينما يتم إحراز تقدم في منطقة «يختل»، تستمر صراعات مماثلة في أجزاء أخرى من الساحل الغربي اليمني وفقاً للمجتمع الإغاثي، ففي مخيم للنازحين في حيس، يشارك سامي، وهو أب لاثني عشر طفلاً، قصة مألوفة عن المشقة، ويذكر أن معظم الأشخاص الذين يذهبون لجلب المياه هم من الأطفال؛ فهم لا يذهبون إلى المدرسة لأنهم مضطرون إلى المساعدة.

الجفاف يهدد مناطق واسعة باليمن مما يتسبب في شح المياه (إ.ب.أ)

تؤكد المنظمات الإغاثية أن عدم القدرة على الحصول على المياه النظيفة أدى إلى حرمان أطفاله من التعليم؛ مما أجبرهم على القيام بدورة من الأعمال المنزلية اليومية.

وبغرض معالجة النقص الحاد في المياه، تشرف منظمة الهجرة الدولية على بناء بئر جديدة من شأنها أن توفر مياه نظيفة وموثوقة لآلاف الأسر النازحة والمجتمعات المضيفة.

تجزم المنظمات الإغاثية أنه ومن خلال توفير هذا المصدر الثابت للمياه، سيتم تخفيف العبء المادي على الأسر وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالمياه الملوثة، لكن رغم ذلك، تظل التحديات هائلة، حيث يستمر تغير المناخ والأحداث الجوية المتطرفة في جميع أنحاء اليمن في تضخيم أزمة المياه؛ مما يزيد من ضغوط الصراع والنزوح.