تحت شعار «الطرز المغربي وخفاياه»، يُنظم في المتحف الوطني للنسيج والزرابي (دار السي سعيد) بمراكش حالياً، معرض فني، يلقي الضوء على جانب من التراث الثقافي والفني الذي ميز الحضارة المغربية على مدى العصور وارتبط بفن عيش المغاربة.
تشتمل المعروضات على مجموعة من التحف الفنية التي أبدعتها يد المرأة الصانعة المغربية في مجال النسيج التقليدي والطرز، بعدد من المدن والمناطق التي تشتهر بهذه الصناعة، في مقدمتها فاس ومكناس وشفشاون وتطوان والرباط وسلا وأزمور؛ مع استثمار التقنيات الحديثة في العرض، من خلال أشرطة مصورة تبين طرق ومراحل الطرز، فضلاً عن مستلزماته وفنياته. كما تترافق المعروضات مع فقرات تعريفية تقدم للزائر توضيحات حول تلقين الطرز ومراحله ومستلزماته، مع استعراض لخريطة الطرز المغربي حسب المناطق، عبر التركيز على مناطق الشمال والشرق من خلال تطوان، شفشاون ووجدة؛ وطرز وسط المغرب من خلال فاس ومكناس؛ وطرز الساحل الأطلسي من خلال الرباط، وسلا وأزمور، إضافة إلى طرز منطقة تافيلالت، بالجنوب الشرقي للمغرب.
فعلى مستوى طرز الشمال والشرق، يستمد الطرز التطواني، مثلاً، تقنيته من التقاليد الموريسكية، ويتسم باستعمال أشكال مرسومة مسبقاً على القماش؛ فيما يتميز طرز شفشاون بتوظيفه لتقنية الخيوط المعدودة ولأشكال هندسية وزخارف مستوحاة من الأندلس؛ بينما ظهر طرز وجدة في بداية القرن الرابع عشر من خلال رسومات وتصاميم للفساتين، ويتميز بألوانه وأقمشته الطبيعية، كالحرير والصوف وخيوط الذهب، ويستخدم لإنتاج نوع محدد من القفاطين والقطع المكونة لجهاز العروس.
أما على مستوى طرز وسط المغرب، فقد ظهر الطرز بفاس وتطور منذ الفترة المرينية (1244 - 1465)، مستمداً خصوصيته من الأشكال الهندسية والإنجازات المعمارية التي شهدتها تلك الفترة. وتأتي قطع فاس المطرزة على شكل لوازم جهاز العروس أو حقيبة الولادة، وكذا أغطية الموائد والوسائد أو الأوشحة والمناديل. ويصعب التمييز من الوهلة الأولى بين الطرز المكناسي والطرز الفاسي. ورغم تشابه التقنيات، إلا أن مكناس لا تزال تحتفظ بمسحة أمازيغية تتجلى في طرز بوجهين يزين أقمشة من المُوسْلين أو القطن، مختلفة الألوان، مع تصاميم على شكل زخارف نباتية أو هندسية ونجوم تزين أغطية الموائد والمناديل والأوشحة.
من معرض «الطرز المغربي وخفاياه» بالمتحف الوطني
أما فيما يخص طرز الساحل الأطلسي، فيمزج الطرز الرباطي الذي يتميز بغنى ألوانه، بين الحداثة والعراقة المتجلية في طابعه الأندلسي، إذ يعتمد على تقنية الرسم المسبق المستخدمة في أغلب الأحيان على القطن الأبيض ذي الحبيبات اللامعة. بينما يستخدم الطرز السلاوي تقنية الخيوط المحسوبة التي نحصل من خلالها على قطع ذات وجه واحد، من القطن الأبيض المزخرف بألوان أحادية أو متعددة، فيما يستمد زخارفه من أشكال نباتية تزين الستائر وأغطية الأسرة والوسائد. أما طرز أزمور، فيعود إلى إيطاليا خلال القرن الخامس عشر. وقد حافظ يهود المدينة على هذا النمط الخاص الذي يتمثل في قطع ثنائية اللون وذات وجه واحد، ويعتمد تقنية الخيوط المعدودة المستخدمة على قماش قطني. فيما يطغى على هذا الصنف اللون الأحمر المرفوق بخيوط سوداء تشكل زخارف ذات أشكال حيوانية في أغلب الأحيان.
أما بالنسبة لطرز تافيلالت، فقد اعتادت النساء اليهوديات ارتداء سترات حريرية ذات لون أحمر يرمز إلى الوفرة والسعادة، حيث يتدثرن بقطعة قماش تدعى «إزار» بعد أن تكفف أكمام السترة حتى الكتفين وتثبتها على مستوى الظهر بواسطة مشبك. كما تتميز المنطقة بقبعات تدعى «بنيقات» مصنوعة من القطن ذي اللون الأحمر الفاقع المطرز بخيوط حريرية صفراء وخضراء، وتتكون من مستطيل تم تزيين اثنين من حوافه بمعينات صغيرة متداخلة، فيما يتوسطه خط مائل إلى الرمادي.
ويعد الطرز في المغرب فناً عريقاً، أثث على مدار تاريخ البلد، كل بيت عبر مجموعة متنوعة من القطع يدوية الصنع، ومن ذلك قطع الأثاث والألبسة، كالقفطان أو الجلباب. كما يتميز بكونه حرفة تقليدية حضرية بالدرجة الأولى، تختلف خصائصها باختلاف مراكز إنتاجها المنتشرة في العديد من المدن. وهو يعد فناً نسوياً بامتياز، ويتجلى في إضفاء طابع جمالي على لوازم وظيفية، إذ إن الطرازات المغربيات لا تولين لمنتوجاتهن حمولة تجميلية محضة، مما يفسر قلة إنتاج القطع التزيينية واستعمالها المحدود.
على مستوى الحرفة، يمكن للطرازة أن تثبت تميزها شريطة إتقانها للحرفة وأهليتها للثقة، علاوة على صفات أخرى تمكنها من الحصول على التركيب الزخرفي والتناسق اللوني، كالمهارة اليدوية والحس الفني العالي والتأني.
ولتعلم الطرز، تأخذ الأم ابنتها للقاء المعلمة المسؤولة عن الورشة. وتبدأ مراسيم الدخول إلى الورشة بحفل صغير يدعى «الفتوح»، تقدم خلاله الطفلة الشاي والحلويات إلى الحضور.
وتتحدر معلمات الطرز من طبقات اجتماعية مختلفة، غير أن النساء من أبناء العائلات الميسورة، أو القادرات على تفويض الأعمال المنزلية، هن وحدهن من بإمكانهن اتخاذ هذا الفن الأصيل هواية.
وترى النسوة في الصباح الفترة الأنسب للطرز، مع تفضيل العمل يومي الأحد والاثنين. وتلقن المعلمات الفتيات تقنيات الطرز باستعمال خيوط القطن المغزول التي تستبدل بالحرير فور ضبط المتدربات لتقنيات الطرز. وغالباً ما تترك الفتاة الورشة عند بلوغها سن الخامسة عشرة.
وتتحلى الطرازات بالتأني والصبر، والقدرة على التركيز لساعات طويلة، إذ من الممكن أن يستغرق الانتهاء من طرز بعض القطع أياماً عديدة. وعند العمل بتقنية الزخارف المرسـومة مسبقاً، تقوم الطرازة ببسط القماش فوق طاولة أو قطعة من الورق المقوى تضعها على ركبتيها، من ثم تأخذ قلماً وتشرع في خط نماذج ورسوم مركبة بمهارة كبيرة من دون أي خطأ. وهي تعتمد، بالنسبة لتقنية الخطوط المستقيمة، على خطوط معدودة ولا تحتاج إلى رسوم مسبقة، كما تُستخدم لتزيين أقمشة رفيعة كالقطن.
وتتميز أدوات الطرز ببساطتها، وتتمثل في إبرة، وكُشتُبان (قطعة أسطوانية صغيرة مصنوعة من المعدن تضع الطرازة طـرف أصبعها داخلها لحمايته من الوخز)، وإطار للطرز (قطعة خشبية دائرية تقوم بتثبيت وشد القماش، تتكون من قرصين متداخلين)، ووسادة توضع القطعة المراد تطريزها عليها (قطعة محشوة بالصوف ومغلفة بغشاء من القطن الصلب، تصنعها أم الطرازة المتدربة، وتسـتخدم على الخصـوص فـي الطـرز الرباطـي والتطوانـي اللذين يعتمدان على تقنية الزخارف المرسومة مسبقاً).
ويقع المتحف الوطني للنسيج والزرابي، الذي يحتضن هذا المعرض، في قلب المدينة العتيقة لمراكش، ويعد مثالاً حياً للعمارة المغربية الأندلسية، ممثلة «في دار السي سعيد»، التي بنيت من طرف السي سعيد بن موسى، وهو من الشخصيات البارزة خلال فترة حكم السلطان العلوي مولاي عبد العزيز (1894 - 1908)، إذ تقلد منصب وزير الحرب، كما أنه الأخ الشقيق لـ«باحماد»، الصدر الأعظم في ديوان مولاي عبد العزيز.
ويمثل المتحف، الذي تناهز مساحته 2800 متر مربع، رصيداً تراثياً مهماً، خصوصاً بعد أن تحولت البناية، خلال فترة الحماية الفرنسية، إلى متحف للفنون المحلية، ليستقبل، منذ تأسيسه سنة 1930، ورشات لحرفيين يعرضون تقنياتهم التقليدية، كما مكن من جمع تحف مختلفة ومتنوعة تتراوح تاريخياً بين القرنين السادس عشر وبداية القرن العشرين. وبعد استقلال المغرب، وُزعت البناية ما بين مصلحة الصناعة التقليدية والمتحف الذي ضم الرياض الكبير بقاعاته الأربعة والرياض الصغير وطابقين وعدة ملحقات، محتضناً، وقتها، مجموعات متحفية من منطقة مراكش، تشمل الأعمال الخشبية والجواهر والفخار والخزف والأسلحة والزرابي والنسيج، وغيرها.
وغير مشروع ترميم هذه البناية التاريخية، الذي بادرت إليه المؤسسة الوطنية للمتاحف، التي انتقل إليها أمر تدبير شؤونه في إطار استراتيجية تهدف إلى إعادة تأهيل المتاحف الوطنية وجعلها فضاءات جذابة تغني العرض السياحي الوطني، من توجه ومضمون متحف دار السي سعيد، الذي صار يقترح، من خلال تسمية المتحف الوطني للنسيج والزرابي، مساراً سينوغرافياً يلقي الضوء على فن النسيج والزرابي المتوارث، متوخياً إبراز مراكز إنتاج الزرابي، القروية منها والحضرية، مع الحفاظ على الخصائص المعمارية للفضاء التاريخي.