بونيتا سعادة: التقليد لا يدوم من دون تجديد

تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن تنويع الشخصيات لشد الجمهور العربي

النجمة الكوميدية ومقلّدة الشخصيات بونيتا سعادة  -  بونيتا سعادة
النجمة الكوميدية ومقلّدة الشخصيات بونيتا سعادة - بونيتا سعادة
TT

بونيتا سعادة: التقليد لا يدوم من دون تجديد

النجمة الكوميدية ومقلّدة الشخصيات بونيتا سعادة  -  بونيتا سعادة
النجمة الكوميدية ومقلّدة الشخصيات بونيتا سعادة - بونيتا سعادة

تكاد الصور تختفي من ذاكرة مقلدة النجوم والكوميدية اللبنانية بونيتا سعادة، وهي طفلة. تذكر أنها بدأت التقليد منذ أيام المدرسة، أمام جمهور هو أمها وجيرانها. بعد سنوات، أسرها حضور الليدي مادونا على الشاشات، فقلدتها، ومن مصر لفتت فاتن حمامة أنظار تلك المراهقة. لم تكن نية احتراف المهنة واردة. تُخبر الشابة لامعة الموهبة «الشرق الأوسط»، أنها في بداياتها لم تنل حقها بالظهور الإعلامي. لا تعتب، إذ تعترف بأنها لم تكن مؤهلة كفاية لاستحقاق الفرص. اجتهدت لتصل إلى ما هي عليه: النجومية.
لم تترافق بداية إطلالتها مع انخراط المرأة في العمل السياسي اللبناني، فنال مقلدون الشهرة لتأديتهم شخصيات رجال السياسة. وفنياً، لم تكن «السوشيال ميديا» قد اندلعت، والانفتاح على الفنانات في الخارج كان خجولاً. «تطورتُ مع التطور وبدأتُ أُعرف».
يوم استضافها هشام حداد قبل نحو خمس سنوات، أُعجب اللبنانيون بموهبة تقلد حد الظن بأنها الشخصية المُقلدة نفسها! بدأت تُفتح الأبواب، في التمثيل والمسرح والرقص في برنامج «Dancing with the stars». تسمي تلك الفترة «نقلة نوعية في حياتي المهنية»، وبعدها تأكدت أن الحياة تمنح المرء فرصة، وبالاجتهاد يحافظ عليها.
بونيتا سعادة مقلدة ماهرة لنجوم كماجدة الرومي وأليسا وأحلام ولطيفة وغيرهن العشرات... هاجسها التجديد، فلا يُطبع اسمها بشخصية واحدة. تقول: «ينتظر مني الناس كركتيرات أقدمها عادة، وأخرى لم يسبق تقديمها. أصب جهدي على هذا الهدف. أنتقد مقلدين لم يتقدموا خطوة منذ عشرين سنة، وأرفض أن أُصاب بروتين المهنة. التجديد استمرارية الفنان».
ما معيارها في اختيار النجوم، وهل تتدخل العاطفة؟ هل تقلد فقط فناناتها المفضلات، أم تتلبس كركتيرات تعلم أن بينها وبين المودة أشواطاً؟ تجيب بأن المعيار الوحيد هو قرب الشخصية المُقلدة من الناس وحضورها في «السوشيال ميديا»، و«يا للأسف، هذا زمننا وشروطه». تعطي خبيرة الموضة والجمال جويل ماردينيان مثالاً: «هي من أكثر الشخصيات التي تحظى بتفاعل في مواقع التواصل. حين قلدتها، تلقيت إطراء من كل صوب».
حملها تقليد اسم عريق كمنى واصف مسؤولية. لم تكن قد حسمت الأمر بتقليدها، إلا أن نيل الممثلة السورية رنا أبيض أصداء كبيرة حين قلدتها، حفزها على إتقان الكراكتير وتقديمه على طريقتها. يعنيها شد الجمهور العربي، فتقول: «في البداية لم يتقبل سوريون تقليدي لمنى واصف. أردتُ إقناعهم بموهبتي وبأنني أؤدي الدور باحتراف واحترام. أطور نفسي لأثبت للجميع بأنني حين أقلد شخصية أتقنها بتفاصيلها ولا أستخف بها».
تنويع الشخصيات يعني تنويع اللهجات، وبونيتا سعادة تستعين بمن يساعدها على تعلم التعابير والجُمل العربية: «فقرة قصيرة لنجمة عربية قد تتطلب تأجيل التصوير مرات، لأتأكد من أن اللهجة سليمة كلياً. ومع ذلك، قد تقع زلات في اللفظ، أحاول تفاديها. الفقرات بمعظمها مُرتجلة، مما يوسع هامش الخطأ، فأدرس وأتمرن لأصل إلى نتيجة أريدها».
وماذا عن العاطفة حيال الشخصية؟ ردها أن الوقت يعلمها الحياد، فهي تدرك أن البعض لا يُطاق لزيفه وأقنعته وتعدد وجوهه وأكاذيبه الكبرى أمام الكاميرا، وعلى سبيل الدعابة تقول بأنها تتناول حبوباً مهدئة قبل أداء بعض الشخصيات لتتمكن من تقبل صاحبتها: «أعيش الدور وأفكر باللحظة. تعلمتُ الفصل بين المشاعر والعمل».
تتحدث عن «واحد في المائة» ممن تقلدهن، العاجزات عن التحلي بروح رياضية: «هذه النسبة الضئيلة تمتعض من التقليد، أكنتُ أنا المقلدة أم أي فنان آخر. لا أعلق وأركز على الإيجابيات». وإن طُلب منها تقليد نجوم رجال؟ «يمكنني ذلك، بشرط أن أتقن تماماً الشخصية، فالناس قد لا تتقبل. فإن قلدتُ عمرو أديب مثلاً، أحرص على الظهور بإطلالة مشابهة: صلعة وجاكيت وإطاره المعروف فيه، وإلا لا أغامر».
حدودها تقف عندما تصبح الضحكة وليدة الابتذال. بالنسبة إليها، من السهل إضحاك الناس بالبذاءة، وقد درجت فترة في بعض مسارح لبنان. بونيتا سعادة ترفض السطحية. لديها شطحات «مجنونة»، لكنها تراعي المجتمع. لا تبحث عن صورة لا تليق بأصحاب المواهب، بل يُرقع بها مَن لا يملكون موهبة من أجل المال والشهرة.
في داخل الفنانة إصرار على الحياة رغم أقدار لم تكن طوال الوقت منصفة. مات والداها في سنة واحدة، هي شديدة التعلق بهما، فترك رحيلهما في صميمها فجوة أبدية. لم تكن قد مضت أسابيع على وفاة والدتها، حين أطلت بشخصية ميريام كلينك ولباسها الزهري على الناس: «خلعتُ الأسود وأديتُ الدور، ثم بكيتُ مطولاً في السيارة. تفرض الكاميرا علينا الفصل. هذا أحد شروطها. لساعة، أستطيع أن أكون ما يريده الجمهور، وبعدها أعود إلى واقعي ونفسي. الفنان الحقيقي ينتصر على الظروف».
تطل مع جاد بو كرم على منصات «السوشيال ميديا» ضمن برنامج في الإمارات يُحضر لرمضان. وتستعد لإتقان مزيد من الشخصيات لتقديمها في الحفلات. تقارب الحياة من وجهة نظر الاستعداد الدائم للموت، فلا تعود تخشى شيئاً. الأمر يجعل المر لذيذاً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».