إطلالة على بعض حواضر أوكرانيا

منظر لمدينة كياف (شتر ستوك)
منظر لمدينة كياف (شتر ستوك)
TT

إطلالة على بعض حواضر أوكرانيا

منظر لمدينة كياف (شتر ستوك)
منظر لمدينة كياف (شتر ستوك)

تضم أوكرانيا عدداً من المدن التي ازدهرت كمراكز ثقافة وفن وعلم، بجانب مكانتها التجارية والاقتصادية الكبرى. وفيما يلي إضاءة قصيرة على بعض هذه المدن.
كييف؛ هي عاصمة أوكرانيا وأكبر مدنها؛ تقع في شمال وسط البلاد على نهر الدنيبر (الدنيبرو)، ويبلغ عدد سكانها حوالي 3 ملايين نسمة.
كييف واحدة من أقدم المدن في أوروبا الشرقية، والنصوص الأولى التي ذكرتْها تشير إلى القرن السادس الميلادي، فيما يرجع بعض المؤرخين تأسيسها إلى ما قبل ذلك، وتحديداً عام 482 م. ولقد عُرفت كييف مركزاً تجارياً وسياسياً ودينياً منذ قديم الزمان، وكان فيها في القرن الحادي عشر 8 أسواق، وهي تضم اليوم 4 مطارات، و3 محطات للسكك الحديدية.
تقسم كييف المعاصرة على 10 أحياء، والمواصلات فيها متطورة، ولا سيما الحافلات وخطوط مترو الأنفاق. ومن جامعاتها المهمة تبرز جامعة «تاراس شيفتشينكو» الوطنية، ومعهد العلوم التقنية، وجامعة «أوليكساندر بوهوموليتس» الوطنية للطب. ومن أشهر أنديتها الرياضية دينامو كييف، الذي سيطر لفترة لا بأس بها على كرة القدم في الاتحاد السوفياتي، وخرج من صفوفه عدد من أعظم نجوم اللعبة.
خاركيف: (أو خاركوف، إبان العهد السوفياتي) هي ثاني كبرى مدن أوكرانيا (نحو مليون و430 ألف نسمة)، ومركز للثقافة والعلم والتجارة والصناعة في البلاد. من صناعاتها الثقيلة الأبرز المحركات، والجرارات، والماكينات، والدبابات. وبالنسبة للتجارة، فيها أكثر من 20 سوقاً، من أشهرها سوق «باراباشوفو»، وهذا بجانب كونها عقدة حيوية للنقل والمواصلات، يعززها مطار دولي، وشبكات ضخمة للسكك الحديدية. وتتسم العمارة في المدينة بميزات تجميع بين العراقة والعظمة، وكانت تلقب بمدينة ناطحات السحاب، لظهور المباني العالية فيها قبل غيرها في أوائل القرن العشرين.
أوديسا؛ هي أكبر الموانئ المطلة على البحر الأسود بجنوب أوكرانيا، وتعود بداية تاريخها إلى العام 1415م أيام دوقية ليتوانيا العظمى. ويزيد عدد سكان أوديسا قليلاً عن مليون نسمة، وهي بالتالي ثالث أكبر مدن البلاد. وبفضل موقعها الاستراتيجي، اشتهرت منذ القدم كمركز للصناعة والتجارة والعبور. وتضم المدينة اليوم سوق «السيدموي» (الكيلومتر السابع) الذي يعتبر الأكبر في أوكرانيا، وفيها أيضاً أكبر المتاجر في أوروبا كلها. وبجانب التجارة والمرافق البحرية، يعتمد اقتصاد المدينة على تكرير النفط وصناعة المواد الغذائية. ويخدمها أيضاً مطار دولي، كما تضم عدداً من المتاحف والمسارح، ودار أوبرا تعتبر تحفة معمارية ذات قيمة تاريخية. ومن جامعات أوديسا المعروفة تبرز جامعة العلوم التقنية، ومن أنديتها الرياضية تشيرنوموريتس أوديسا.
دنيبرو، أو دنيبروبتروفسك سابقاً، هي رابع كبرى مدن أوكرانيا (نحو مليون نسمة) متربعة على ضفة النهر الكبير الذي تحمل اسمه. صارت منذ عام 1926 من أهم المراكز الصناعية في الاتحاد السوفياتي، وبالأخص الصناعات الثقيلة والنووية والعسكرية والفضائية، ولذا كانت لفترة طويلة من المدن المقفلة أمنياً. ولكن المدينة رغم أهميتها الاستراتيجية تعد أيضاً مركزاً علمياً وبحثياً وثقافياً مهماً في البلاد.
دونيتسك؛ هي كبرى مدن إقليم الدونباس بأقصى شرق أوكرانيا، وخامس كبرى مدن البلاد (أكثر من 900 ألف نسمة) من حيث عدد السكان وعاصمة أحد إقليميه الانفصاليين، دونيتسك ولوغانسك.
المدينة التي حملت لفترة في العهد السوفياتي اسم «ستالينو»، هي مركز اقتصادي مهم بفضل غناها بالموارد الطبيعية، ومنها الفحم والمعادن المتنوعة الوافرة، كما أنها مركز صناعي وغذائي. واليوم يخدمها مطار دولي يعد ثالث أكبر مطارات أوكرانيا، وشبكة سكك حديدية ضخمة. وهي كذلك مركز كبير للثقافة والتعليم والرياضة، وفيها 19 جامعة، أبرزها الجامعة الوطنية وجامعة الطب وجامعة العلوم التقنية. أما أهم أنديتها الرياضية فنادي «شاختار» (شاختيور) الشهير لكرة القدم.
لفيف؛ أو لفوف في العهد السوفياتي، هي سادس كبرى مدن أوكرانيا (نحو 730 ألف نسمة)، وأكبر حواضر غربها. بل إنها تعد واحدة من الحواضر الثقافية في شرق أوروبا، وجسراً بين الأرثوذكسية الروسية والكاثوليكية البولندية. ولقد أسست المدينة العريقة مطلع عام 1200م، ومنذ ذلك الحين غدت العاصمة الثقافية والفنية والعلمية والمعمارية. ثم إنها مركز تعليمي هام حيث تضم 3 جامعات مهمة، إحداها جامعة إيفان فرانكو الوطنية، التي أسست كمدرسة عام 1608، وأكثر من 40 مركزاً للأبحاث.
لوغانسك؛ أو لوهانسك، هي ثاني أهم مدن حوض الدونباس بشرق أوكرانيا، بعد دونيتسك، وإحدى عاصمتي الإقليمين الانفصاليين التي اعترفت روسيا باستقلالهما، ويبلغ عدد سكانها نحو 470 ألف نسمة، (في المركز الـ11 بين أكبر المدن).
أسست عام 1790، عندما اكتشفت في مكانها احتياطيات كبيرة من الحديد الخام والفحم الحجري. وعام 1795 أنشئ في أراضيها مصنع للحديد، كان أساس بناء المدينة الجديدة. ولاحقاً ازدادت أهمية المدينة الاقتصادية وصارت في أوائل القرن العشرين، ولا تزال، مركزاً صناعياً ضخماً ضمت في حينه نحو 16 مصنعاً ومعملاً مختلفاً، استخدمت منتجاتها على امتداد روسيا القيصرية، وكذلك خلال العهد السوفياتي، الذي حملت خلاله لفترة اسم «فوروشيلوفغراد». واليوم، من أهم جامعاتها جامعة «فولوديمير دال» الوطنية، وأشهر أنديتها الرياضية نادي زوريا (زاريا) لوغانسك.


مقالات ذات صلة

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

أوروبا رجال الإطفاء يظهرون في موقع تعرض لهجوم صاروخي روسي على كييف (أ.ب)

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن هجوماً صاروخياً أسفر عن مقتل أربعة أشخاص في كييف، خلال الليل، جاء رداً على هجوم أوكراني في وقت سابق من الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الاستعدادات جارية لحفل تنصيب ترمب أمام مبنى الكابيتول في 12 يناير 2025 (أ.ف.ب)

ترمب في عهده الثاني: نسخة جديدة أم تكرار لولايته الأولى؟

يأمل كبار السياسيين بواشنطن في أن تكون إدارة دونالد ترمب الثانية مختلفة عن الأولى، وأن يسعى لتحقيق توازن في الحكم ومدّ غصن زيتون للديمقراطيين.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا أفراد من القوات العسكرية البولندية خلال العرض العسكري لإحياء ذكرى انتصار بولندا على الجيش الأحمر السوفياتي عام 1920 في وارسو 15 أغسطس 2023 (رويترز)

كيف تستعد بولندا لإعادة التسلح الأوروبي؟

بوصفها «أفضل طالب» في حلف الناتو، تحاول بولندا إشراك شركائها في مواجهة تحدي زيادة الإنفاق الدفاعي ومواجهة التهديد الروسي، حسب تقرير لصحيفة «لوفيغارو».

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا خلال إطلاق صاروخ «أتاكمز» الأميركي الصنع نحو مياه البحر الشرقي قبالة كوريا الجنوبية في 5 يوليو 2017 (رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا باستخدام صواريخ «أتاكمز» الأميركية مجدداً وتتوعد بالرد

قالت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، إن أوكرانيا شنت هجوماً على منطقة بيلغورود بـ6 صواريخ «أتاكمز» أميركية الصنع، الخميس.

«الشرق الأوسط» (موسكو )
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ماريندرا مودي (رويترز)

تقرير: مقتل هندي في حرب أوكرانيا يجدد التوترات بين نيودلهي وموسكو

سلطت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الضوء على قضية الهنود الذين يقتلون خلال قتالهم مع الجيش الروسي في حربه ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.