يعتقد مسؤولو المخابرات الغربيون أن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين عالق في عالم مغلق من صنعه. وهذا الأمر يقلقهم كثيراً.
ووفقاً لشبكة «بي بي سي» البريطانية، فقد سعت المخابرات الغربية لسنوات لفهم ما يدور في عقل بوتين والتعرف على نياته. ومع تعثر القوات الروسية على ما يبدو في أوكرانيا، أصبحت الحاجة إلى القيام بذلك ضرورية للغاية لمعرفة ما يمكن أن يكون عليه رد فعل الرئيس الروسي عندما يزداد الضغط النفسي عليه.
وزعمت بعض المصادر الاستخباراتية أن بوتين يعاني من اضطراب دماغي ناجم، إما عن إصابته بالخرف أو مرض باركنسون، أو عن تلقيه عقارات الستيرويد المستخدمة لعلاج السرطان، لكن العديد من المحللين يعتقدون أنه أصبح في الواقع معزولاً ومنغلقاً وغير متقبل لأي وجهات نظر بديلة.
ووفقاً لأولئك المحللين، فقد تجلت عزلة بوتين في صور لقاءاته مع زوار الكرملين، حيث يحرص الرئيس الروسي على أن يجلس الزوار على مسافة كبيرة جداً منه عند اجتماعه بهم.
صانع القرار الوحيد
يقول مسؤولو المخابرات إن بوتين منعزل في فقاعة من صنعه، التي لا تتغلغل إليها سوى معلومات خارجية قليلة للغاية.
ويقول جون سيفر، الذي كان يدير سابقاً عمليات وكالة المخابرات المركزية الأميركية في روسيا، «التحدي المتمثل في التنبؤ بتحركات الكرملين المستقبلية هو أن بوتين هو صانع القرار الوحيد في موسكو. ورغم أن وجهات نظره غالباً ما يتم توضيحها من خلال تصريحاته العامة، فإن معرفة كيف سيتصرف وفقاً لها يمثل تحدياً استخباراتياً صعباً».
ومن جهته، قال السير جون سويرز، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني، «من الصعب للغاية في نظام محمي مثل النظام الروسي، أن يكون لديك معلومات استخباراتية جيدة حول ما يحدث داخل رأس القائد».
ويقول أدريان فورنهام، أستاذ علم النفس ومؤلف كتاب «علم نفس الجواسيس والتجسس»، «بوتين ضحية دعاية خاصة به، بمعنى أنه يستمع فقط إلى عدد معين من الناس المؤيدين له، ويسد آذانه عن أي آراء معارضة. وهذا يعطيه نظرة غريبة للعالم».
ولسنوات، كان يعرف عن بوتين أنه لا يتحدث عن قراراته إلا مع دائرة صغيرة من الأشخاص المقربين منه، وقد قل عدد أولئك الأشخاص الموجودين بالدائرة بعد غزو أوكرانيا، وفقاً لمسؤولي المخابرات الغربية، الذين أشاروا إلى أن جميع هؤلاء الأشخاص هم «مؤمنون حقيقيون» بآراء بوتين وهواجسه.
وتم التأكيد على الشعور بمدى ضآلة دائرة بوتين المقربة عندما وبخ الرئيس الروسي رئيس الاستخبارات سيرغي ناريشكين، خلال اجتماع أجراه بوتين مع أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي، قبل الغزو مباشرة، بعد أن أشار ناريشكين خطأ إلى أنه «يؤيد دمج جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في الأراضي الروسية»، وذلك بعد سؤاله عما إذا كان يؤيد قرار الاعتراف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين الموجودتين في شرق أوكرانيا، وهي خطوة بدا أنها تهين المسؤول.
https://twitter.com/Kira_Yarmysh/status/1495787829196206080?s=20&t=sS4tHLofWR2RaJZWzP7btQ
كما كشف خطاب بوتين بعد ساعات من الغزو عن «رجل غاضب ومهوس بأوكرانيا والغرب»، وفقاً للمسؤولين.
ويزعم البعض أن قرارات الزعيم الروسي مدفوعة بقناعته بأن الغرب مصمم على إبقاء روسيا في حالة من السقوط وإبعاده عن السلطة.
وذكر مصدر مسؤول أن بوتين كان لديه هوس بمشاهدة مقاطع فيديو تظهر مقتل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بعد طرده من السلطة في عام 2011.
وعندما طُلب من مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، تقييم الحالة العقلية لبوتين، قال إنه كان «يتأرجح في مزيج قابل للاشتعال من المظالم والطموح لسنوات عديدة»، ووصف وجهات نظره بأنها «صلبة»، وأنه «معزول عن وجهات النظر الأخرى».
بوتين يعيش في عالم آخر
أشار مسؤولو المخابرات إلى أن المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، أبلغت الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في عام 2014، أن بوتين يعيش «في عالم آخر».
في غضون ذلك، ورد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما جلس مع بوتين مؤخراً، وجد أن الزعيم الروسي أصبح «أكثر عزلة وصلابة» مما كان عليه سابقاً.
تكهنات باعتلال صحته
زعمت مصادر استخباراتية أن بوتين إما يعاني من حالة دماغية، مثل الخرف أو مرض باركنسون، أو أنه مصاب بالسرطان، وأن العلاج الطبي الذي يتلقاه، والذي غالباً ما يشمل عقارات الستيرويد، قد غير توازن عقله.
ودعمت المصادر هذه المزاعم بـ«سلوكيات بوتين الأخيرة التي أصبحت غريبة على نحو متزايد»، جنباً إلى جنب مع انتفاخ وجهه ورقبته إلى حد كبير مؤخراً، وإصراره على إبقاء زواره على مسافة كبيرة منه.
وأشارت بعض المصادر إلى أن مرض بوتين قد يكون هو دافعه لغزو أوكرانيا سريعاً، زاعمين أن الرئيس الروسي «لديه إحساس بأن وقته ينفد لتحقيق ما يتمناه بخصوص استعادة عظمة روسيا».
نظرية المجنون
روى الرئيس الروسي عدة مرات قصة قيامه بمطاردة جرذ عندما كان صبياً، حيث دفعه إلى الزاوية لمحاصرته، إلا أن الفأر رد بمهاجمته، مما أجبر بوتين على الهرب.
والسؤال الذي يطرحه صناع السياسة الغربيون الآن هو ماذا لو شعر بوتين بأنه محاصر؟ كيف سيتصرف وقتها؟
قال مسؤول غربي: «السؤال حقاً هو ما إذا كان سيتصرف بوحشية أكبر أم لا. فهناك مخاوف من أنه قد يستخدم أسلحة كيميائية أو أسلحة نووية تكتيكية».
ويقول أدريان فورنهام، «القلق هو أنه قد يفعل شيئاً متسرعاً بشكل لا يصدق بمجرد ضغطه على الزر».
وأضاف: «قد يلعب بوتين نفسه دور الشخص غير العقلاني - وهذا تكتيك معروف (يُطلق عليه غالباً نظرية «الرجل المجنون»)، حيث يحاول شخص لديه إمكانية الوصول إلى أسلحة نووية إقناع خصمه بالتراجع عن موقفه، زاعماً أنه مجنون بدرجة كافية لاستخدامها رغم احتمال هلاك الجميع».