في ظل استمرار «الانسداد السياسي» في العراق، اندلعت الحرب في أوكرانيا. ومع اندلاعها واستعارها بدأت الأسعار ترتفع، لا سيما المواد الأساسية، وفي مقدمتها القمح وزيت الطعام. لكن في مقابل ذلك، بدأت أسعار النفط بالارتفاع. والعراق بلد نفطي، كان برلمانه السابق حدد سعر 45 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد بينما اليوم أسعار النفط تخطت عتبة الـ130 دولاراً، وهي مرشحة إلى زيادات أخرى.
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي تسلم المسؤولية في ظروف صعبة كالعادة، عمل وحيداً في سبيل تأمين ما يمكن تأمينه من مستلزمات من أجل تجنيب بلاده ويلات ما قد تخلفه الحرب الأوكرانية من تداعيات. ثم إن انتقال حكومته إلى «تصريف الأعمال اليومية» حد كثيراً من إمكانية ما تستطيع فعله لتلبية حاجات الناس في بلد يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة يبيع شهريا نفط بأكثر من 4 إلى 5 مليارات دولار.
حقاً، لم تمر الحكومات العراقية التي جاءت طبقاً للوصفة الأميركية للديمقراطية بأزمات متناقضة ما عدا انخفاض نسبي بين فترة وأخرى بأسعار النفط، كان آخرها ما حصل في أواخر عهد حكومة عادل عبد المهدي وأوائل عهد حكومة الكاظمي بعد جائحة «كوفيد - 19» حين هبطت أسعار النفط إلى نحو 7 دولارات للبرميل.
الكاظمي، عندما كان كامل الصلاحيات، اعتمد إجراءات احترازية منها التقدم إلى البرلمان بمشروع قانون الاقتراض الداخلي لتمشية رواتب نحو 6 ملايين موظف يستهلكون شهرياً 5 مليارات دولار أميركي. ونجحت الخطة نسبياً، ثم بدأت أسعار النفط تعاود الارتفاع شيئاً فشيئاً. عندها تقدم الكاظمي ووزير ماليته علي علاوي بما سُمي «الورقة البيضاء» للإصلاح الاقتصادي التي تضمنت رفع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي. ولكن، في مسعى جديد لتوريط الكاظمي أمام الشعب قرر البرلمان أن يلعب لعبته. فما إن تقدمت الحكومة بموازنة 2021 التي تضمنت معالجة لما يمكن أن يترتب على رفع أسعار المواد الغذائية بسبب سعر الصرف الجديد على الطبقات الفقيرة، حتى رفعت الفقرة الخاصة بذلك.
لم يقف الكاظمي مكتوف الأيدي، بل صارح الشعب بأن كل القوى السياسية التي تتباكى الآن على الفقراء وافقت على رفع سعر الصرف الجديد. وبين الشد والجذب، سواء بين القوى السياسية نفسها أو بين بعضها والكاظمي تأخر تشكيل الحكومة وزادت مدة حكومة تصريف الأعمال. ومع أن أسعار المواد الأساسية ارتفعت عالمياً، فإن أنظار المواطن العراقي اتجهت نحو الحكومة التي يتعيّن عليها تعويض ارتفاع الأسعار من خلال فائض أموال النفط.
القوى السياسية الممثلة بالبرلمان، والتي لديها خصومة مع الكاظمي، سرعان ما استثمرت هذا الوضع لكي تبدأ في تصفية خصوماتها معه، مع علمهم أن حكومة تصريف الأعمال ليست مخولة التصرف بدولار واحد عما هو موجود في الموازنة دون تخويل برلماني. مع ذلك، اتخذ الكاظمي إجراءات احترازية بدت مهمة، والأهم أن القوى المناوئة له غير قادرة على رفضها لأنها تمسّ أوسع الشرائح فقراً في العراق.
15:2 دقيقه
أوكرانيا والنفط... والورقة البيضاء
https://aawsat.com/home/article/3526376/%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B6%D8%A7%D8%A1
أوكرانيا والنفط... والورقة البيضاء
أوكرانيا والنفط... والورقة البيضاء
مواضيع
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة