«النظام العالمي الجديد» بانتظار معركة كييف

«النظام العالمي الجديد» بانتظار معركة كييف
TT

«النظام العالمي الجديد» بانتظار معركة كييف

«النظام العالمي الجديد» بانتظار معركة كييف

نظرة الولايات المتحدة الأميركية لأوكرانيا تختلف عن نظرة روسيا لها. فكما يجمع التاريخ والجغرافيا الولايات المتحدة بالمكسيك، يجمع التاريخ والجغرافيا روسيا بأوكرانيا، مع اختلاف أساسي وكبير: في روسيا لا وجود لأوكرانيا كدولة مستقلة، حتى ولو بدأت الإمبراطورية الروسية من أرضها؛ بينما تعد الذاكرة الجماعية المكسيكية أن الولايات المتحدة استولت بالقوة على قسم كبير من الأرض المكسيكية، وما هجرة المكسيكيين إليها سوى العودة إلى الأرض المسلوبة.
عندما ضم الرئيس فلاديمير بوتين، القرم، إلى روسيا، سأل الرئيس باراك أوباما، نفسه السؤال الواقعي: «كيف يُؤثر الضم على الأمن القومي الأميركي؟». اكتفى وقتها بفرض العقوبات على روسيا.
بعد أوباما، انتخب الرئيس دونالد ترمب، الذي سأل نفسه: «كيف أستفيد أنا شخصياً من ضم القرم؟». والهدف كان آنذاك فضح ابن الرئيس جو بايدن وتسهيل عملية إعادة انتخابه لفترة ثانية.
اختلف الوضع بالكامل مع الرئيس بايدن، الذي وصف الرئيس بوتين بـ«القاتل». كما شكلت الحرب الروسية على أوكرانيا نقطة تحول جذرية وفرصة ذهبية لعهده للاستغلال الجيوسياسي. وهو نجح حتى الآن بالأمور التالية:
* أعاد إحياء «الناتو» وجدد شبابه، كما وحد تقريباً الكلمة الأوروبية. العلامة الفارقة كانت في تغيير سلوك ألمانيا جذرياً ونظرتها للمخاطر الأمنية.
* ظهر محوران، ديمقراطي وأوتوقراطي، فأضاف إلى عالم اليوم البُعد الآيديولوجي.
* أعاد تموضع أميركا قوة مُديرة في العالم بعدما بدأ الحديث عن أفول الـ«Pax Americana».
* حشر الصين بسبب تموضعها إلى جانب روسيا، الأمر الذي سيُحتم عليها إعادة رسم استراتيجياتها الكبرى، خصوصاً مشروع «الطريق والحزام». كما جعلها تستخلص العبر والدروس من موقف الغرب تجاه روسيا، الأمر الذي سينعكس على مقاربتها في استرداد جزيرة تايوان. من هنا كان الحذر الصيني، خصوصاً في الخطاب وانتقاء الكلمات بحذر لعدم مقارنة أوكرانيا بتايوان. فتايوان هي، وبرضا غربي وخصوصاً أميركا، تندرج ضمن المفهوم المُتفق عليه: «دولة واحدة مع نظامين».
* بعد الحديث عن تراجع أهمية كل من أوروبا، ومنطقة الشرق الأوسط، وبدء الانسحاب الأميركي منهما، ها هو العم سام يعود قسراً إلى المنطقتين. أوروبا بسبب «الناتو»، ومنطقة الشرق الأوسط بسبب ثرواتها.
* وأخيراً وليس آخراً، تطابُق الوضع القائم اليوم مع كل كلمة وردت في دليل الأمن القومي الذي أصدره الرئيس بايدن منذ أشهر.
أين الوضع الحالي من الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأميركية؟
ترتكز الاستراتيجية الأميركية الكبرى على 3 أسس مهمة لا يمكن التخلي عنها، هذا إذا أرادت واشنطن أن تبقى في الطليعة، هي:
أولاً، عدم السماح لقوة واحدة بالهيمنة على القارة العجوز. وهي مستعدة للتدخل العسكري إذا لزم الأمر. تدخلت في الحربين الأولى والثانية.
ثانياً، عدم السماح لقوة واحدة بالهيمنة على شرق آسيا. وهي مستعدة للتدخل عسكرياً إذا لزم الأمر. حصل هذا الأمر في الحرب الثانية وصولاً إلى استعمال السلاح النووي ضد اليابان.
تعود أسباب اعتماد هذه الاستراتيجية إلى الوضع الجغرافي للولايات المتحدة. فهي دولة تطل على محيطين، الهادئ والأطلسي. من هنا تملكها لعشر حاملات طائرات.
ثالثاً، بين الشرق والغرب تأتي المنطقة الوسطية، أو ما يُسمى بالتعريف الجيوسياسي منطقة العصر والطحن (Shatter belt). والمقصود بهذه المنطقة هو أهليلج النفط والطاقة الذي يحوي أكثر من 60 في المائة من احتياطي العالم المؤكد. وفي ظل أزمة الطاقة الحالية ستعود الأهمية للمنطقة، خصوصاً دول الخليج.
لكن الجديد على هذه الأسس الثلاثة هو تظهر منطقة الأندو - باسفيك، المنطقة التي تربط الشرق بالغرب، وتمر عبر أهليلج النفط. وبانتظار نتيجة الحرب الأوكرانية، هناك نظام عالم جديد يتشكل. وتكمن المشكلة دائماً في أوضاع كهذه، أن المرحلة الانتقالية بين القديم والجديد هي مرحلة دموية، فيها تسقط تحالفات وتتشكل أخرى، فيها تُرسم حدود وتُمحى أخرى.
لكن الفريد في الأمر أن المستوى التكتيكي اليوم في أوكرانيا، هو الذي سيُحدد صورة المستوى الاستراتيجي، وحتى صورة المستوى الجيوسياسي، وبالتالي صورة النظام العالمي المُتخيل. وعليه، يجب أن ننتظر نتيجة معركة كييف، اللهم إلا إذا حصلت مفاجآت تقلب كل المقاييس، أخطرها استعمال السلاح النووي، حتى ولو كان على المستوى التكتيكي والعملاني.


مقالات ذات صلة

بلينكن يزور بروكسل لبحث الدعم الغربي لأوكرانيا بعد فوز ترمب

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثناء مؤتمر صحافي عقب اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي ببوخارست برومانيا 30 نوفمبر 2022 (رويترز)

بلينكن يزور بروكسل لبحث الدعم الغربي لأوكرانيا بعد فوز ترمب

توجه وزير الخارجية الأميركي إلى بروكسل حيث يجري محادثات طارئة مع الأوروبيين لتسريع المساعدات الموجهة لأوكرانيا وذلك على خلفية انتخاب ترمب رئيساً لأميركا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته يتصافحان في أثناء إلقائهما بياناتهما خلال اجتماعهما في قصر الإليزيه في باريس 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

ماكرون وروته يؤكدان ضرورة بقاء الدعم لأوكرانيا «أولوية مطلقة»

أكد كل من الرئيس الفرنسي والأمين العام لحلف الناتو، اليوم الثلاثاء، أهمية أن يبقى الدعم العسكري لأوكرانيا في مواجهة روسيا «أولوية مطلقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا يفرض القانون على الأفراد الذين يشاركون في الترويج لأسلوب حياة من دون أبناء غرامة قدرها 4250 دولاراً (إ.ب.أ)

النواب الروس أقرّوا قانوناً يحظر الترويج لحياة من دون أبناء

أقرّ النواب الروس اليوم (الثلاثاء) قانوناً يحظر الترويج لأسلوب حياة من دون أبناء، على خلفية الأزمة الديموغرافية في روسيا التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو (رويترز)

شويغو: على موسكو وبكين التصدي «لسياسة الاحتواء» الأميركية

أبلغ الأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، وزير الخارجية الصيني وانغ يي، بأن المهمة الرئيسية لبكين وموسكو هي التصدي «لسياسة الاحتواء» الأميركية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم بوتين وكيم خلال لقائهما في روسيا العام الماضي (أرشيفية - رويترز)

كوريا الشمالية تصادق على معاهدة دفاعية مع روسيا

صادقت كوريا الشمالية على معاهدة دفاع مشترك مع روسيا ما يؤكد عمق التعاون الأمني بين البلدين في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (سيول)

بلينكن يزور بروكسل لبحث الدعم لأوكرانيا بعد فوز ترمب

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مستقبلا بلينكن في كييف مايو الماضي (رويترز)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مستقبلا بلينكن في كييف مايو الماضي (رويترز)
TT

بلينكن يزور بروكسل لبحث الدعم لأوكرانيا بعد فوز ترمب

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مستقبلا بلينكن في كييف مايو الماضي (رويترز)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مستقبلا بلينكن في كييف مايو الماضي (رويترز)

يزور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بروكسل، غدا (الأربعاء)، لإجراء محادثات طارئة مع الأوروبيين لتسريع المساعدات الموجهة لأوكرانيا على خلفية انتخاب دونالد ترمب رئيسا، على ما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية.

وأوضح الناطق باسم الخارجية ماثيو ميلر أن بلينكن سيلتقي الأربعاء مسؤولي حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي «للبحث في دعم أوكرانيا في دفاعها في وجه العدوان الروسي» في زيارة لم تكن معلنة فيما هدد الرئيس الأميركي المنتخب بوقف المساعدات لكييف. وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية قال ترمب إنه سينهي الحرب «في يوم واحد».

وتعاني القوات الأوكرانية من نقص في القوى العاملة وإمدادات الأسلحة.

وتعهدت إدارة بايدن بصرف الأموال المتبقية لأوكرانيا خلال الأسابيع العشرة المقبلة، والتي كان أقرها الكونغرس؛ بما فيها ما يعادل 4.3 مليار دولار من الأسلحة الأميركية المعاد توجيهها، و2.1 مليار دولار عقوداً جديدة من شركات أميركية.