وسط أجواء الحرب في أوكرانيا وما تستدعيه الذاكرة من نزاعات دولية كانت لها نتائج مؤلمة وساهمت في تقسيم مناطق كثيرة من العالم... في هذه الأجواء يعلن مسرح «الجمناز» في باريس عن استضافة مسرحية بعنوان «لورنس العرب». ويبدو أن نجاح عروض سابقة عن لورنس في أحد المسارح الصغيرة في العاصمة وكذلك في مهرجان «أفينيون»، شجع إدارة هذا المسرح الفخم ذي الطوابق الأربعة على تقديم سيرة هذه الشخصية المثيرة، وذلك في سلسلة عروض بدأت أمس وتستمر حتى الثامن من مايو (أيار) المقبل.
لورنس في المسرحية
مخرج المسرحية هو إريك بوفرون عن نص اشترك في كتابته مع بنجامان بيناماريا. ويؤدي دور لورنس الممثل الشاب كيفن غارنيشا، مع مصاحبة بالموسيقى الحية وضعها ثلاثة موسيقيين. هل هناك ما يمكن إضافته، مسرحياً، إلى الفيلم السينمائي الشهير الذي حمل العنوان ذاته للمخرج ديفيد لين، قبل نصف قرن، وفيه انتقل الممثل المصري عمر الشريف إلى العالمية؟
حاول المخرج نقل أجواء الجزيرة العربية من خلال الأزياء والمؤثرات البصرية والموسيقى وسحنات الممثلين. إنها الصحراء التي كانت مسرحاً لجانب من جوانب الحرب العالمية الأولى، بين الإنجليز من جهة وبين العثمانيين وحلفائهم الألمان من جهة ثانية. نزاع سيكون له دوره في مستقبل ما بات يسمى بالشرق الأوسط. وبين كل أولئك الأمراء ورؤساء القبائل يحط توماس إدوارد لورنس كرحالة وعسكري درس في جامعة أكسفورد وتعلق بالتاريخ وعلم الآثار ومنه اكتسب شغفه بالحضارة العربية. تعلم لغتها وأجاد التمييز بين لهجاتها وكسب ثقة مضيفيه وبات واحداً منهم.
لكن الباحث الشاب كان يعمل، أيضاً، جاسوساً مع المخابرات البريطانية خلال القتال ضد الأتراك، وتقول المصادر إنه قام برحلة برية قطع خلالها 1100 ميل في سوريا وفلسطين لرسم لوحات والتقاط صور لثلاثين قلعة. وبعد ذلك بعام انضم إلى الحفريات الأثرية في سوريا، قبل الحرب، حيث تعلم العربية وأظهر تعاطفاً مع العرب. وفي بداية عام 1914 شارك لورنس في بعثة استطلاعية عسكرية سرية في شمال سيناء، تحت غطاء بعثة استكشاف أثرية. ومع قيام الحرب راح يحشد للثورة العربية، 1916، ويغذي آمال الاستقلال والتحرر والوحدة.
كيفن غارنيشا في دور لورنس - ملصق المسرحية
ناقد صحيفة «الفيغارو» أنذر المشاهدين بأن المخرج سيقص عليهم ملحمة كبيرة مختصرة في كشتبان. كما حذرهم من رياح الصحراء التي تهب خلال العرض، وأوصاهم بضرورة أن يرتدوا الكوفيات والثياب الفضفاضة ليدخلوا في صلب الموضوع. إنها مغامرة فريدة يخوضها مخرج فرنسي مسحور بفيلم ديفيد لين، أنشأ ديكوراً لا يزيد على قطع معدنية تمثل الآثار التي سحرت لورنس، وسجادة للجلوس تحت خيمة، وبضع بنادق من خشب. مع هذا، كان بارعاً في التنقل بين الأماكن، من موقع للتنقيبات، وسوق للجمال والنوق، ومقر بريطاني للقيادة، وقصر ملك الحجاز، وخيمة ولده الأمير فيصل.
وفي مزيج من مساجلات تدور بين 8 ممثلين يؤدي كل منهم أكثر من دور، ومقاطع موسيقية يتعاقب عليها 3 عازفين، مع مغنية تؤدي أيضاً وصلة من الرقص الشرقي، نرى لورنس وهو يواجه تلك اللحظة الفاصلة التي غابت عنه، يوم اكتشف أن حكومتي بريطانيا وفرنسا قد وقعتا في السر اتفاقية تقضي، عند الانتصار في الحرب، بتقاسم النفوذ على أراضي المنطقة. إلى أي حد سيمضي المجند البريطاني في ولائه لانتمائه العسكري حين يسقط الستار عن خدعة السياسيين؟
وبمناسبة لورنس، كانت وزارة السياحة في المملكة العربية السعودية قد أعلنت عن ترميم المنزل الذي أقام فيه لورنس العرب عشية حملته الشهيرة ضد الأتراك، وذلك بهدف تحويله إلى معلم سياحي. وأشارت صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية إلى دعوات المؤرخين لحماية البيت المؤلف من طابقين الذي بات خراباً وسط شائعات محلية بأنه مسكون بالأشباح.