مخيم في مأرب يحكي قصة تهجير آلاف اليمنيين

آمال النازحين في «جو النسيم»: وقف الحرب والعودة إلى المنازل

يمني مع أطفاله في مخيم جو النسيم بمأرب (الشرق الأوسط)
يمني مع أطفاله في مخيم جو النسيم بمأرب (الشرق الأوسط)
TT

مخيم في مأرب يحكي قصة تهجير آلاف اليمنيين

يمني مع أطفاله في مخيم جو النسيم بمأرب (الشرق الأوسط)
يمني مع أطفاله في مخيم جو النسيم بمأرب (الشرق الأوسط)

عندما غادر يحيى الضالعي قريته بمحافظة ذمار باتجاه محافظة مأرب، مع بدء الاجتياح الحوثي والبطش بكل مَن لا ينضم لمشروعه الطائفي، لم يدُر بذهنه أن رحلة المعاناة سوف تستمر لأكثر من سبع سنوات.
يعيش يحيى اليوم مع آلاف اليمنيين في مخميات للنازحين منتشرة داخل وعلى حدود محافظة مأرب التي احتضنتهم من مختلف المناطق اليمنية، هاربين من بطش وجبروت ميليشيا الحوثي التي صُنفت من مجلس الأمن أخيراً جماعة «إرهابية».
يقول الضالعي: «بعد دخول الحوثي فقدنا وظائفنا وكل ما نملك، وتعرضنا للمضايقات والابتزاز بشكل يومي، لذلك قررنا الهروب إلى مأرب».
وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من خيمته المتواضعة بمخيم جو النسيم (وسط مأرب)، بقوله: «تعرضنا للتهديد والسجن والملاحقات، الميليشيا تضع أي شخص خلف القضبان طمعاً في الحصول على الأموال لإطلاق سراحه».
ووفقاً لإحصائية رسمية هناك أكثر من مليونين و300 ألف نازح في مأرب، وازدادت هذه الأعداد مع النزوح الداخلي من مديريات المحافظة بعد الهجمات الحوثية الأخيرة.
ويصف يحيى الضالعي الوضع في قريته بذمار بأنه «كارثي» مع وجود الحوثيين، وتابع بينما ابنته (سبأ 3 سنوات) تجلس على حجره، قائلاً: «هناك تجنيد كبير للأطفال الآن أكثر من السنوات السابقة، للأسف الأهالي لا تعود سوى صور أبنائهم، وبعضهم اكتشف أن أولاده في مراكز إعادة التأهيل السعودية، بعد أن أسروا في المعارك، وسمح لهم بالاتصال لتطمين عائلاتهم».
استطاع يحيى تهريب عائلته المكونة من 8 أفراد إلى مأرب، في رحلة استغرقت يومين، قبل أن يستقر به الحال في مخيم جو النسيم الذي كان من أوائل مؤسسيه، حسب تعبيره.
ويرى الضالعي أن التعليم هو أقوى سلاح في وجه الميليشيات الحوثية، لأنهم لا يستطيعون التغرير سوى بالأميين، ويضيف: «المتعلمون لا يمكنهم أخذهم للجبهات. المستقبل في التعليم».
من جانبه، يقول آنس الفاضلي القادم من مديرية المنار بمحافظة ذمار: «وصلت إلى مأرب في 2016. نزحت بعد مضايقات الحوثيين وأتباعهم، حيث لم نتمكن من العيش باستقرار (...). كل من يخالفهم يعدونه مع الدواعش وعميل للعدوان».
وأشار الفاضلي إلى أن معظم الناس لا يؤيدون الحوثي، لكن الخوف يسيطر عليهم، وتابع: «إن تحدث الناس قالوا: مع العدوان، وسكتوا... أخذوهم للجبهات، غيروا المناهج واستبدلوا بالمعلمين الأساسيين طلاب ثانوية لقنوهم دورات فكرية، ثم جعلوهم يدرسون أبناءنا». رغم المعاناة يصف آنس مأرب بمدينة الأمن والأمان، وقال: «لا شك نتمنى إيقاف الحرب والعودة إلى منازلنا وقرانا، كل اليمنيين يتمنون ذلك، منذ سبع سنوات لم نرَ أقاربنا وأهلنا».
إلا أن الفاضلي ينتقد أداء المنظمات الدولية التي تدعي مساعدة النازحين في اليمن بقوله: «نراهم لساعات لالتقاط الصور ثم يغادرون، لم نر أي مساعدات منذ سبع سنوات، كل ما تراه في المخيم بناه النازحون أنفسهم».
يذكر أن المخيم سمي بـ«جو النسيم»، نسبةً إلى المنطقة التي يقع فيها بمدينة مأرب حي المطار تحديداً، وهي عبارة عن عدة مزارع متقاربة.
ويتفق عبد الله الجرادي، وهو مصور صحافي وناشط في العمل الإنساني، على أن هنالك تقصيراً من المنظمات الدولية الإنسانية العاملة في مأرب، مبيناً أن هذه المنظمات تتجنب تنفيذ مشاريع حقيقية على الأرض خوفاً من توقف أعمالها وبالتالي ميزانياتها.
وأضاف: «معظم الذين تراهم في المخيمات لديهم مهن؛ هناك مهندسون ونجارون وحدادون وغيرهم، نتمنى أن تكون هناك مشاريع لتشغيل الأيادي العاملة، وتأهيلهم وتدريبهم. المنظمات نادراً ما تقوم بهذا الشيء، لأنها تعرف أنها ستفقد فئة كاملة تساعدها شهرياً».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».