عندما صرّح روبرت باتنسن أنّه لا يشاهد أفلام المخرجين ولا يعرف شيئاً عن تاريخ السينما وممثليها السابقين، كان لا يزال في السابعة عشرة من عمره. في مثل سنّه يغفر البعض جهل البعض الآخر، وتلك النبرة في الاعتداد بالنفس وعدم المبالاة بشيء أكثر من حضوره هو ونجاحه.
كان ذلك في أعقاب نجاح أول فيلم من سلسلة «توإيلايت» سنة 2008، الذي قاد صانعي السلسلة وروبرت باتنسن نفسه إلى أربع حلقات أخرى قبل أن تتوقف سنة 2012 حاصدة النجاح الكبير خصوصاً في الأجزاء الثلاثة الأولى.
كانت السلسلة من تلك التي تستخدم الرعب لطرح موضوع فانتازي. يمكن القول أيضاً إنّها كانت من تلك التي تستخدم الفانتازيا لطرح موضوع مرعب، ذلك أنّ الفانتازيا والرعب اجتمعا في تلك السلسلة منذ البداية كونها دارت حول مصّاصي دماء شبّان وفتيات وكم هم عاديون في حياتهم لولا تلك الأنياب التي اضطروا لحمل أوزارها.
في الواقع اختلفت السلسلة عن أفلام رعب أخرى في أنّها كانت شبيهة بمسلسلات «سوب أوبرا» وهذا لأنّ جزءاً كبيراً منها دار حول مشاعر الحب التي عصفت بين ثلاثة شخصيات أساسية: كريستن ستيوارت وروبرت باتنسن وتايلور لوتنر. كل من ستيوارت وباتنسن خرجا من فخ السلسلة بسلام وأصبحا نجمين. لوتنر هو من لا يزال يراوح مكانه حتى الآن.
لاحقاً تغيّر شأن باتنسن كثيراً. لا بد أنّ هذا الممثل المولود في بريطانية سنة 1986. عليه أن يأخذ مهنة التمثيل جدياً إذا أراد الاستمرار. تلك السلسلة منحته الشهرة السريعة، لكن ما يليها هو ما كان سيحدد ما إذا كان هذا الممثل الشاب سينجح في مسيرته أو سيقفل عائداً إلى غياهب ما.
من بعد تلك السلسلة مباشرة أدرك باتنسن أنّه على مفترق طريقين: واحدة هي مداومة البحث عن مشاريع سريعة ومضمونة النجاح، أو البحث عن ذاته وعما يريده لنفسه. اختار الطريق الثانية ومنها أعاد تكوين نفسه ممثلاً يبحث عن الدور الخاص أساساً. فيلم الكندي ديفيد لين «كوزموبوليتن» (2012)، كان أول فيلم لمخرج معروف يقدّمه ضمن هذا التكوين. ولأنّ هذا الفيلم خرج في السنة ذاتها التي أُطلقت فيها الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة «توإيلايت» (The Twilight Saga: Breaking Dawn - Part 2)، يعني أنّ تفكير باتنسن بدأ حتى من قبل التقاط ثمار نجاح ذلك الفيلم تجارياً.
بعد عامين، كان باتنسن على موعد آخر مع كروننبيرغ في «خريطة للنجوم» الذي توجه به المخرج إلى مهرجان «كان» وبصحبته بطله هذا. لا علم لأحد ما إذا كان الألماني فرنر هرتزوغ استوحى من ثقة كروننبيرغ ببطله الجديد الرغبة في التعامل معه أو أنّه اختاره لدور ثانٍ في «ملكة الصحراء» من تلقاء نفسه.
«ملكة الصحراء» Queen of the Desert (من بطولة نيكول كِدمان) استقبل بأقل ما يستحق من ترحاب في مهرجان برلين، لكنّ هذا لم يكن ليمنع الممثل من انتهاج ذلك الخط الجديد والالتزام به. في سنة 2019. شاهدناه في بطولة «المنارة» The Lighthouse))، لجانب ويلَم دافو وتحت إدارة روبرت إيغرز. كان الدور غريباً عليه أكثر مما كان سيبدو لو أنّ ممثلاً غير معروف هو من أدّاه. لكن الفيلم والدور كانا جيدين أتبعه الممثل بدور صغير في «الملك» لديفيد ميشو، من ثمّ دور أصغر في «بانتظار البرابرة» بسيرو غويرا أمام جوني ديب ومارك رايلانس.
هذه الأفلام الثلاثة ظهرت في سنة واحدة (2019) وقبل أن يعتقد الإعلام بأنّ الممثل لا يجذب اهتمام كبار صانعي الأفلام وقّع على بطولة «مبدأي» (Tenet) في العام التالي وتحت إدارة كريستوفر نولان.
والآن نراه في خلال الأيام التالية في دور الرجل الوطواط في The Batman لمات ريفز كنقلة أخرى صوب فيلم هوليوودي أساسي سيضعه في المستوى ذاته مع نجوم السلسلة أمثال جورج كلوني، ومايكل كيتون، وكريستيان بايل، وبن أفليك. هذا الأخير كان من المفترض به تمثيل الدور مجدداً (بعد «باتمان ضد سوبرمان) وإخراج الفيلم، لكنه قرر التنحي وهو الذي لم يكن واثقاً في الأساس من رغبته في تمثيل الشخصية.
يتحدث باتنسن هنا عن مراحل مهنته ونظرته إلى عمله وتفسيره الخاص لما يعنيه الانتقال بين الأدوار بصرف النظر عن أحجامها.
بطل في حيرة
> ما توقعاتك بالنسبة لفيلم «ذا باتمان»؟
- أعتقد أن الذين أقبلوا على أفلام باتمان السابقة والذين سيدخلون هذه التجربة للمرّة الأولى سيرتادون الصالات بكثرة. لا أملك توقعاً من نوع أنّه سيكون أعلى أفلام «باتمان» إيراداً أو أقل من ذلك أو أكثر. لكني متأكد من أنّه سيحظى بنجاح كبير.
> كيف يختلف هذا الفيلم عن أفلام باتمان السابقة؟
- أعتقد أنّه يختلف كثيراً وفي أكثر من جانب. التقنيات تتطوّر بينما نتحدث، وهذا هو أحد جوانب العمل؛ لكن (المخرج) مات (ريفز) لم يشأ تغليب التقنيات على أي جانب آخر. أعتقد أنّك سترى أنّ الفيلم فني وله مسحة خاصة في الوقت ذاته، وهذا هو اختلاف واحد.
> لا بد أنّك شاهدت أفلام باتمان السابقة.
- نعم. ليس كلها وأنا معجب بما شاهدته كثيراً. أعتقد أنّ كريستوفر نولان صنع «باتمان» مبهراً، ومن الصعب تجاوزه وهذا هو التحدي الذي عملنا جميعاً عليه. شاهدت أفلام مات ريفز أيضاً وأعجبت كثيراً بما يوفره من مدلولات عميقة في أفلام كبيرة. وهذا ما قام به أيضاً هنا.
> بالنسبة إليك، ما هو المختلف في شخصية باتمان كما تؤديها أنت؟
- أردت أن أقدم باتمان جديداً. هو شخصية غريبة الأطوار سواء عندما نراه في شخصية بروس أو عندما نراه في شخصية باتمان. أردت أن أقول إنّ شخصية كهذه لا بد أن تكون غير طبيعية تماماً. هي ليست أنت وأنا وهو. سوبر هيرو نعم، لكنّه يحمل في داخله جروحاً. ما يقوم به رائع لكنّه ليس كاملاً. هو يدرك ذلك ولديه الشجاعة لكي يواجه نفسه من دون أن يدين الدور الملقى عليه.
> أعتقد أنّ هناك ذكراً لأنّ مستوى الجريمة مرتفع رغم محاولات باتمان القضاء عليها؟
- في الفيلم سنرى أنّه بعد عامين من تحوّله إلى باتمان ارتفع مستوى الجريمة أكثر مما كان عليه سابقاً. هذا فشل. الفيلم يبدأ بملاحظات كهذه. يبدأ بأنه قد لا يكون الجواب الذي ينتظره الناس منه. ربما هو جواب فاشل. بالإضافة إلى ذلك، هذا الباتمان يفكر في حال المدينة. لماذا تردّى الوضع فيها إلى هذا الحد.
> هل هناك عدم ثقة بالدور الذي يقوم به؟
- بالتأكيد. هو ما زال السوبر هيرو الذي تعوّدنا عليه؛ لكن الأمور ليست أبيض وأسود.
> هذا منوال جديد، أليس كذلك؟ أقصد بالنسبة لسلسلة «باتمان».
- نعم هو كذلك، لكنّي أعتقد أنّه مطلوب. لا يمكن الاكتفاء بتقديم فيلم آخر عن باتمان بنفس المواصفات السابقة أو بحكاية تعيد الصراع بين الخير والشر على المبادئ ذاتها. طبعاً الصراع موجود هنا، وضروري، لكنه متعدد الجبهات. إنّه فيلم مثير وفي الوقت نفسه غير مصنوع لمجرد الترفيه والبهجة.
أدوار بأحجام مختلفة
> هل تسمح لي أن أقول إنّ أحداً لم يتوقع نجاحك المضطرد في السنوات الأخيرة. أقصد أن بداياتك في سلسلة «توإيلايت» لم ترسم الطريق الذي سرت عليه.
- (يضحك) يسرني أن تقول ذلك. أحبّ أن أفعل ما لا يتوقعه أحد مني. لكن بصراحة أنت تتحدث عن بدايات لم أكن قادراً على توجيهها أو حتى توقعها. أفلام «توإيلايت» كانت في مجموعها ثاني خطوة لي في السينما بعد ظهوري في «هاري بوتر»، ولم أكن أفكّر إلا في الاستفادة من هذا النجاح على نحو يمكنني من الاستمرار بعد انتهاء السلسلة. لكني، جواباً على سؤالك، أحب الخروج عن التوقعات.
> لعبت أدواراً صغيرة في أفلام كبيرة مما دفع البعض للتساؤل عن السبب.
- هذا بعض ما أقوم به خارج التوقعات. عندما عُرض علي دور لورنس في «ملكة الصحراء» لم أنظر إلى حجم الدور، بل إلى اسم المخرج (ڤرنر هرتزوغ) ومؤخراً ظهرت في «المنارة» (The Lighthouse)، لمجرد أنّي أعجبت بالفكرة. لا أجده أمراً مفيداً أن أسعى للتمثيل فقط في أفلام تحمل احتمالات نجاح عالية. أحب اختراق الجهات الأربع وأذهب إلى حيث لا يتوقع أحد مني الذهاب.
> هذه شجاعة كبيرة أن تقوم بلعب دور صغير أو دور في فيلم تدرك مقدّماً أنّه لن يكون جماهيرياً.
- أعتقد أنّ ذلك ليس مهمّاً على الدوام. أختار ما أرى نفسي معجباً به وما سيعني لي أو للآخرين. إنني أمتلك القدرة على النفاذ تحت بشرة أي شخصية إذا ما اقتنعت بها. طبعاً يتيح لك السيناريو إدراك ما إذا كان ذلك الهدف قابلاً للتحقيق أم لا.
> مثال آخر هو «بانتظار البرابرة» قبل ثلاثة أعوام.
- نعم. استمتعت فيه بصحبة جوني دِيب. كذلك أعجبني الموضوع. أحياناً كثيرة أسأل نفسي ماذا سيحدث لو أني اخترت فيلماً لم يكن يجب أن أختاره، لكن هناك دوماً سبباً أقوى من هذا السؤال.
> هل بات لديك مفهوم خاصّ بك حيال مهنتك أو حيال التمثيل بصورة عامّة؟
- ربما. أعتقد أنك تمر بمرحلتين مختلفتين كممثل. أنا بدأت شاباً والسوشيال ميديا والإعلام والباباراتزي كلها تحب ذلك. ستديوهات السينما... المنتجون... يحبون ذلك. لكن عندما تنتقل من تلك البدايات ومن سن معيّنة إلى سن معيّنة آخرى، يبدأ الوسط ذاته باعتبارك أصبحت ناضجاً. في السابق كان مسموحاً لي أن أقدم على فعل أرعن. الآن من غير المسموح.
> هل هي الفترة ذاتها التي بدأت فيها اختيار أدوار لمخرجين ذوي سمعة فنية عالية مثل هرتزوغ؟
- بعد أن مثلت قبل عشر سنوات فيلمي الأول مع ديفيد كروننبيرغ («كوزموبوليتان»)، وجدت أنّ صورتي تغيّرت تلقائياً. من ثمّ تأكد لي ذلك بعد عامين عندما طلبني كروننبيرغ لفيلم ثانٍ (هو «خرائط للنجوم» Maps to the Stars). هي نقلة مهمّة يتم فيها بداية استقبالك لمشاريع لم تكن معروضة عليك سابقاً. يبدأ (سينمائيو الوسط الفني) بالنظر إليك نظرة مختلفة، وهذا أمر جيد تشعر معه بأنّ خطواتك تسير في الاتجاه الصحيح.
> ما الذي تريده من وراء مهنة التمثيل؟ ما هو الطموح الأبعد؟
- هو أن أستمر في عملي هذا وبنجاح؛ لكنّ تعريف النجاح يختلف من شخص لآخر، وبالنسبة لي هو الظهور في أفلام مختلفة وأن يُنظر إلي كفنان في ثياب ممثل. لا أدري إذا كان هذا يحدث الآن أو سيحدث مستقبلاً، لكنّني أسعى إليه.