هيريكول بوارو هو أحد أبطال القصص، مثل جيمس بوند أو شارلوك هولمز، اللذين تألقت صورهما في الخيال الشعبي. فمنذ ظهوره لأول مرة في رواية أغاثا كريستي عام 1920 بعنوان «The Mysterious Affair at Styles»، ومن خلال ظهوره الأخير في رواية «Curtain»، التي نُشرت في عام 1975 عندما جسد دور المحقق البلجيكي بشخصيته البسيطة والمميزة التي وصفتها كريستي بـ«الرجل الصغير الجذاب والرائع»، يزيد طوله قليلاً على خمسة أقدام وأربع بوصات، برأس «يشبه البيضة»، و«أنف برأس وردي»، وشارب «ملتف لأعلى» يمكن وصفه بالأشهر في إنجلترا وربما في تاريخ الأدب الإنجليزي، حسب وصف كريستي.
كتبت كريستي أكثر من 80 رواية وقصة قصيرة عن شخصية «بوارو»، تحولت جميعها تقريباً إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية جسدها العديد من الممثلين على مر السنين، تماماً كما تناوب العديد من الممثلين على أداء دور الملك في مسرحية «كينغ لير».
- توني راندل
لعب توني راندال، دور البطولة في فيلم «جرائم الأبجدية» للمخرج فرانك تاشلين عام 1965، وهو الفيلم المليء بالضحك الناتج عن تباهي شخصية بوارو بنفسه بصورة مبالغ فيها. على النقيض من ذلك، قدم ألفريد مولينا، في نسخة تلفزيونية من فيلم «Murder on the Orient Express» عام 2001، لمسة أكثر رقة وأكثر كتماناً، مما خفف من المبالغة الكوميدية للشخصية في بعض الأحيان.
لكن من بين عشرات المعالجات التي تناولت شخصية «بوارو» على مدار القرن الماضي، صمدت حفنة قليلة فقط استطاعت أن تترك بصمة دائمة على الشخصية. تلك هي التفسيرات التي تتبادر إلى الذهن عندما يفكر غالبية الناس في هيريكول بوارو. وبطريقتها الخاصة، تبدو كل من هذه الإصدارات نهائية إلى حد ما، ومع وصول فيلم «الموت على النيل» لكينيث برانا إلى دور السينما، وجدنا أنفسنا نلقي نظرة على الإصدارات الأكثر شهرة وتقديراً.
- ألبرت فيني
من بين الأعمال الناجحة الأخرى كانت طريقة تجسيد ألبرت فيني في فيلم «Murder on the Orient Express» لسيدني لوميه، وهو إنجاز كبير لاختصاصي المكياج والأطراف الصناعية. ففي هذا العمل شاهدنا تغييراً كاملاً للوجه الذي تضمن تجاعيد ظاهرة وتغييراً في الفك، وكذلك الأنف الزائف، مما جعل فيني البالغ من العمر 38 عاماً يبدو ذلك الشخص المهموم بالعالم. وجاء اقتباس لوميه لأحد أكثر كتب كريستي شهرة بمثابة رسالة حب هوليوود الجديدة للعصر الذهبي، حيث قاد فيني فرقة ضمت شخصيات بارزة مثل إنجريد بيرغمان، ولورين باكال، في دراما تدور حول مشاهد استجواب طويلة وفي عرض تمثيلي للتنوع الكلاسيكي. (هذه هي شخصية بوارو الوحيدة التي ترشحت لجائزة الأوسكار).
يعد عمل فيني «بوارو» فظاً وصريحاً ولهجته المتقطعة خشنة. فرغم أنه يجسد العديد من الصفات المميزة لأصل كريستي - الماكرة والعنيدة والحذرة فيما يتعلق بمظهرها – فإنه بدا أكثر جدية وقسوة، وحريصاً على تفحص الأدلة بشكل دقيق، مثل حيوان مفترس يحيط بفريسته بعناية. تبدو ذروة الفيلم متفجرة، وهو ما تجلى في لحظات الثرثرة باستنتاجاته بشأن القضية في نوبة حمى مسعورة.
- بيتر أوستينوف
ظهر الممثل الإنجليزي بيتر أوستينوف في دور بوارو ست مرات، بداية من الفيلم الرائع «الموت على النيل» عام 1978، بدا بوارو هذه المرة مرحاً، صبيانياً وغريب الأطوار بعض الشيء، يبحث عن متعته حتى في أكثر الأمور شيطانية. يميل المعجبون الذين يفضلون أوستينوف في هذا الدور إلى التجاوب مع دفئه الهائل وأسلوبه الأبوي الذي يجعله محبوباً على الفور، وهو ما يتناقض أيضاً بذكاء مع تألقه وفهمه. قد تتوقع أن يصل فيني في تجسيده لدور بوارو إلى جوهر الأشياء، ولكن مع أوستينوف تبدو الاقتطاعات بمثابة مفاجأة أكبر. أدى أوستينوف الدور بشكل طبيعي لدرجة أنه استمر في لعب شخصية «بوارو» على الشاشة لمدة 10 سنوات أخرى. تبع فيلم «Death on the Nile» عام 1982 فيلم «Evil Under the Sun» الذي شارك في بطولته جيمس ماسون، واستند إلى رواية تحمل الاسم نفسه، ثم العديد من الأفلام المعدة للتلفزيون، بما في ذلك فيلم «Dead Man›s Folly» و«Murder in Three Acts». ومن الغريب أن الأفلام التلفزيونية تخبطت في الإعداد الزمني للسياقات السابقة، حيث نقلت أوستينوف في شخصية بوارو من حقبة الثلاثينات إلى يومنا الحالي، ولم تراع تنسيق الأماكن والحوارات في المشاهد المهمة مع اختلاف الأزمنة.
- ديفيد سوشيه
تساءلت امرأة مذعورة في الدقائق الأولى للحلقة التجريبية من حلقات أغاثا كريستي التلفزيونية في الحلقات التي تدور حول المخبر، قائلة «هل أنت بوارو؟ أنت لست ذلك الشخص الذي توقعته». هنا هز النجم ديفيد سوشيه كتفيه. ومن المفارقات بالنسبة لغالبية المشاهدين، أن سوشيه ليس بوارو، بل مرادفاً له. أدى الممثل دوره على التلفزيون لما يقرب من 25 عاماً، وظهر في 70 حلقة، وفي النهاية غطى مجموعة «بوارو» الكاملة لكريستي التي اختتمت بـ«Curtain: Poirot›s Last Case» في عام 2013. وفي هذا العمل، بدت كل حلقة وكأنها فيلم قائم بذاته، يحكي قصة كاملة. جاء أداء سوشيه ملتزماً بإخلاص لرواية كريستي، حيث جاء ساحراً وفائق السرعة في حركاته، متسرع لكنه مراعٍ، حاد لكنه يراعي الأخلاق والآداب، ولكن عندما يحين وقت إصدار حكم، فإنه يبدو قاسياً. لكن مع مرور الوقت، تعمق أداء سوشيه واتسع دوره، مما أعطى بوارو أبعاداً جديدة من التعقيد النفسي، حيث بدت المواسم اللاحقة للعرض أكثر قتامة من حيث النغمة، وساعدت علاقة سوشيه التي استمرت لعقود مع الشخصية في إضفاء أثر عميق على لها.
- كينيث برانا
ولذلك أجد أن وجهة نظره في بوارو، بعمقها الملموس في الشعور، هي الأكثر إقناعاً وثراءً من بين كل هؤلاء. وعُرف عن كريستي استخفافها بشارب ألبرت فيني ووصفته بأنه غير ضروري بالنسبة لشخصية بوارو. بالنسبة إلى هلال كينيث برانا الكبير والقوي، من المفترض ألا يكون لديه الاعتراض نفسه. فيبدو شاربه مناسباً لفيلمي «Murder on the Orient Express» عام 2017 وفيلم «Death on the Nile» الذي جرى إصداره حديثاً – والاثنان يعتبران عملين بالغي الفخامة، بدءاً من خزانة الملابس إلى المكياج والإنتاج. قام برانا بإخراج هذه الأفلام مع التركيز على نطاق الشخصية، كما أن رؤيته المتألقة للشخصية جاءت مناسبة تماماً للمشاهد المعززة بالرسومات الحاسوبية التي استعان بها الفيلم.
يعتبر رأي برانا عن بوارو مسرحياً أكثر من كثيرين غيره، حيث لعب دور المحقق في إطار مازح، اتسم بالغباء أحياناً. ففي أحد المشاهد الأولى من فيلم «Murder on the Orient Express»، ظهر يخطو وسط السماد، وبعدها بقليل ظهر بقبعته يطلق النار وينخرط في مطاردات. فهو في هذا العمل لم يلتزم بالمكتوب نصاً، الذي وجده محبو كريستي محبطاً. لكن من الواضح أن برانا يحب هذه الشخصية، وسعى، بطريقته الخاصة لجعل بوارو شخصية خاصة به.
- خدمة «نيويورك تايمز»