نيللي كريم وعمرو سعد في «الجسر»: شجاعة التجربة

سداسية تشويقية عن أقدار البشرية البائسة

نيللي كريم وعمرو سعد في «الجسر»
نيللي كريم وعمرو سعد في «الجسر»
TT

نيللي كريم وعمرو سعد في «الجسر»: شجاعة التجربة

نيللي كريم وعمرو سعد في «الجسر»
نيللي كريم وعمرو سعد في «الجسر»

تُجدد نيللي كريم في نوعية الشخصية التي تطل بها ببطولة مسلسل «الجسر»، وهي من الباحثات عن ملاعب فسيحة للتسديد. عدد الحلقات 6، والأداء راح يتماسك في الثلاث الأخيرة منها. لُمحت النجمة المصرية «غريبة» بداية عن كراكتيرها، بعدما اعتادت تلبس الأدوار وتشربها.
في الأذهان، حين تحضر نيللي كريم، يذوب الاسم على الفور في الشخصيات التي تؤديها. مسلسل «بنت اسمها ذات» يشهد. و«تحت السيطرة»، ودور «غالية» في «سجن النساء»، و«جميلة» في «لأعلى سعر». يمكن المرور أيضاً على شخصيتها الكوميدية في «بـ 100 وش». بدلت جلدها وأطلت مع آسر ياسين بدور «سكر». كان اسماً على مسمى. الهزة الأولى في رمضان الفائت حين لم يأتِ مسلسل «ضد الكسر» بحجم التوقع. ينهي «شاهد» عرض «الجسر» ليتبين أنه بدوره ليس أفضل أعمالها.
تُحسب لنيللي كريم جرأة التجربة. نجمة لامعة، قدمت أدواراً آسرة وتبحث عن التجديد في المهنة. فحين تفرط في الكركتيرات الكئيبة، تقفز إلى عالم الضحكات اللطيفة على القلب. جديدها «الجسر»، من صنف الأكشن، كتابة محمد سليمان عبد المالك، عن قصة بيتر ميمي وإخراجه. حكاية من خارج الصندوق، أشبه بمغامرة تخوضها نيللي كريم بشجاعة، لكن أداءها بدأ بارداً، كأن النجمة لا تحتوي الشخصية، ثم ضخت الدم في عروقها حين اختطفها «نوح» (عمرو سعد) رهينة، فتفكك الجمود الحائم فوقها، لتستعيد نيللي كريم زخماً ليس غريباً على اسم كبير كاسمها.
فكرة المسلسل أشد بلاغة من تنفيذه، فهو محاكاة لنهاية العالم ومصير البشرية بعد سبعين عاماً على الفناء المرعب الذي سببته الآلة الحربية. إنه شكل المستقبل حين تصبح الأرض خراباً بخراب. «فالحرب التي بدأت بكذبة لا يمكن أن تنتهي بالحقيقة»، يقول المسلسل من دون أن يشرح أسباب اندلاعها والجهات المتورطة فيها. يبدأ من النهاية، حيث لا شيء على حاله. أجواء ضاغطة، كأن الهواء محبوس والشمس تختنق. مواقع التصوير تدل أكثر على الماضي، كإشارة إلى العودة مئات السنوات إلى الخلف. ينجح المخرج في خلق مزاج سوداوي، كدلالة على الأقدار الإنسانية البائسة بعد الاقتتال، محافظاً على سؤال فات الأوان عليه: الحرب واجب أم خيار؟ ولو عاد الزمن، ماذا كنا لنفعل؟
نيللي كريم بشخصية «دليلة»، حاكمة مستبدة لمستعمرة بناها والدها، وبعد موته، تكمل مسيرته بالدم. امرأة بقلب مقتول، تعدم الخونة، تطارد المتمردين، وتطلق الرصاص في الرؤوس. المستعمرة كناية عن مستقبل البشرية حين يمعن البشر في سحق كل حي. توهم «دليلة» ناسها بأنها فرصة أخيرة للحياة، بينما هي سجن كبير. تتبدل قوانينها وتحل الفوضى، حين يقتحم «نوح»، المهندس السابق للأنفاق والخرائط، حياة الجميع من الباب العريض. لا أحد يسلم من الموت المستلقي في أحضان الحياة، والكل يحمل بذور النهاية في الخطوة المقبلة.
القصة أن «نوح» الملوع بمقتل زوجته وابنته في الحرب، يقطع وعداً لابنه بالعبور به إلى الجسر، حيث فكرة الأمان المبتغى. أو هكذا يظن. تُبين النهاية أن الأمان مستحيل على الأرض، ولكل نجاة ثمن. فالصراع الكبير الذي يخوضه مع «دليلة» للوصول إلى الهدف، يؤكد سخافة امتلاك الأشياء، وأن ما يندفع المرء للحصول عليه سرعان ما يصبح هو الآخر كابوساً ثقيلاً.
رحلة أخطار، يقدم فيها عمرو سعد لحظات أبوة نبيلة. يُمرر مع الفتى يوسف صلاح بدور ابنه «ناجي»، التفاتة إنسانية نحو قيم لا تتبدد بمرور الزمن، كالوفاء بالوعود والحب غير المشروط. فمن أجل حماية وحيده، يخوض الأب معركة قد تكون الأخيرة، ومع ذلك يواجه بلا تردد. على الطريق بين المستعمرة والجسر، ضحايا بالعشرات ووجوه تُكشف على حقيقتها. حتى يصبح الخلاص الفردي الممثل بـ«نوح» وابنه، خلاصاً جماعياً يشمل سكان المستعمرة المخدوعين بالبيانات الكاذبة وآيديولوجيا الوهم.
المقصود القول إن الحياة الوردية غير ممكنة، ولكل مكان جانبه المظلم. فللحرية ضريبة، لا يسددها إلا المستعدون لنيلها من دون خوف. يردد المسلسل أن الخوف لا يمنع الموت بل يمنع الحياة، وهو قول خالد لأديب مصر نجيب محفوظ. عبر مذيع (مروان يونس) يجسد تحرر الناس من الظلم والقهر، يوجه العمل صوته في سبيل فجر جديد بعد ظلام طويل. وإذ يُقتل المذيع (أمكن التوقف أكثر عند هذه الشخصية «الثورية» وعدم جعلها تمر مرور الكرام)، رمز الصرخة الإنسانية، يُكمل «نوح» الدرب المرتوي بالدم والمزروع بالجثث، فيصبح بطلاً على أنقاض الحياة.
في الميزان، ترجح كفة عمرو سعد على كفة نيللي كريم. فالمسلسل يضيف إليه أكثر مما يضيف إليها، وإن يُحسب لها استعدادها للمخاطرة ورفضها النوم على حرير. المتقلبة إلى حد لافت، المتنقلة بالدور من البياض إلى السواد، هي أسماء أبو اليزيد بشخصية «زينة» (لم يُفهم دورها عند بلوغ الجسر، وأي سلطة لها في داخله، وهذه ثغرة). التمثيل نظيف، من دون غبار: محمد علاء وسارة الشامي إلى محمد يوسف ومحسن صبري، وسائر المارين بمهارة.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».