البغدادي والقرشي... تشابه المسارات والنهايات

(تحليل إخباري)

البغدادي والقرشي... تشابه المسارات والنهايات
TT

البغدادي والقرشي... تشابه المسارات والنهايات

البغدادي والقرشي... تشابه المسارات والنهايات

في ظل مؤشرات إلى نشاط متزايد لخلايا تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، وجّهت الولايات المتحدة، أمس، ضربة قوية جديدة إلى هذا التنظيم بقتلها زعيمه أبو إبراهيم القرشي، في عملية نفّذتها قوة كوماندوس في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.
قُتل القرشي، واسمه الحقيقي أمير عبد الرحمن المولى، عندما فجّر نفسه، كما يقول الأميركيون، في منطقة قريبة من بلدة أطمة على مشارف الحدود مع تركيا. طلب منه الجنود الأميركيون الذين وصلوا إلى مخبئه بعد إنزالٍ بمروحيات، أن يسلّم نفسه. فردّ بتفجير نفسه مع أفراد من عائلته. سلفه، أبو بكر البغدادي، كان قد قُتل بدوره قبل عامين ونيّف في منطقة أخرى من إدلب بجوار الحدود مع تركيا أيضاً. هو أيضاً، كما يقول الأميركيون، فجّر نفسه عندما حاصرت مخبأه قوة كوماندوس. تشابهت طريقة تنفيذ العمليتين وتشابه مصير مَن استهدفتهما.
التشابه لا ينتهي هنا. البغدادي تولى قيادة «داعش» عام 2010، وكان التنظيم آنذاك ما زال يُعرف بـ«الدولة الإسلامية في العراق»، بعدما مقتل سلفه أبو عمر البغدادي. كان التنظيم آنذاك يعاني هزالاً كبيراً عقب ضربات قوية تعرض لها في السنوات الماضية على أيدي القوات الأميركية والعراقية وفصائل سنيّة مسلحة ثارت ضده نتيجة ممارساته الفظيعة ضد العراقيين الذين يخالفونه الرأي. لكنّ أبو بكر البغدادي سرعان ما تمكن من إحياء نشاط تنظيمه، مستفيداً إلى حد كبير من الفوضى التي حلّت بسوريا عقب الثورة الشعبية ضد نظام الرئيس بشار الأسد في عام 2011. نجح البغدادي بسرعة في إحياء «الدولة الإسلامية في العراق» وسيطر خلال سنوات قليلة على سلسلة من المدن السنية الكبرى في العراق، قبل أن يتوسع في سوريا المجاورة ويعلن في عام 2014 قيام «دولة» تمتد عبر مساحات شاسعة من أراضي هاتين الدولتين.
أشرف البغدادي على صعود نجم «داعش»، وأخذ يتوسع عالمياً عبر افتتاح «وكالات» أو فروع في دول عدة، منافساً حلفاءه السابقين في تنظيم «القاعدة». لكن البغدادي كان شاهداً أيضاً ليس فقط على صعود نجم «داعش»، بل على أفوله أيضاً. فقد انهارت «دولته» في العراق عام 2017. ثم قُضي عليها في سوريا عام 2019، قبل أن يقضي عليه الأميركيون بعملية كوماندوس في إدلب في أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام.
القرشي، خليفة البغدادي، ورث عن سلفه أيضاً تنظيماً منهاراً، لكنه لم يتمكن، كما يبدو، من إعادة إحيائه، رغم مؤشرات عديدة في الأيام الماضية أوحت بأن خلايا التنظيم باتت أكثر جرأة في تنفيذ هجماتها، كما حصل في ديالى بالعراق، وكما حصل في الحسكة، شمال شرقي سوريا (محاولة تحرير مئات من أسرى التنظيم في سجن غويران)، وأيضاً في سلسلة هجمات كرّ وفرّ في البادية السورية. وليس واضحاً في الحقيقة ما إذا كان القرشي نفسه لعب دوراً رئيسياً في الإشراف على هذا النشاط لخلايا تنظيمه، أم أن الإجراءات الأمنية التي أحاط نفسه بها منعته من التواصل المباشر مع قياديي تنظيمه في سوريا والعراق. ومهما كان الجواب، فإن «قطع رأس» التنظيم الآن سيعني أن الزعيم الجديد لـ«داعش» سيكون أمام مهمة أصعب في إعادة بناء خلايا تنظيمه، والتأكد من عدم وجود اختراق في صفوفه أدى إلى الوشاية بمخبأ القرشي.
وثمة تشابه آخر بين البغدادي والقرشي يتمثل في أن كلاً منهما كان «ضيفاً» في سجون الأميركيين خلال احتلالهم للعراق. فالبغدادي، الذي يتحدر من سامراء، كان نزيلاً في سجن «بوكا» الأميركي في البصرة بعد اعتقاله قرب الفلوجة عام 2004. القرشي، المتحدر من الموصل، اعتقله الأميركيون عام 2008 في هذه المدينة شمال العراق، ثم سلّموه إلى الأجهزة الأمنية العراقية التي احتجزته لفترة قبل الإفراج عنه لاحقاً.
ويمثل مقتل القرشي نصراً من نوع ما للرئيس الأميركي الحالي جو بايدن الذي يعاني من تراجع في شعبيته نتيجة أسباب عدة بينها الانسحاب الفوضوي للأميركيين من أفغانستان. لكنّ «نصره» هذا لا يقارَن بنصر سلفه دونالد ترمب الذي نجح في قتل البغدادي قبل أكثر من عامين. فعلى الرغم من أن القتيلين يرأسان نفس التنظيم (داعش) فإن البغدادي ارتبط في أذهان الأميركيين على مدى سنوات بعمليات قطع الرؤوس والتفجيرات وعمليات السبي، في حين أن القرشي، وهو أصلاً من المقلّين من الكلام، لم يسمع به ربما سوى قلة من المعنيين بشؤون هذا التنظيم.
ويبقى أمر آخر لا بد من الإشارة إليه أيضاً في هذا المجال وهو أن مقتل القرشي، وقبله البغدادي، في محافظة إدلب السورية سيعني تسليط الأضواء من جديد على هذه المحافظة السورية التي يبدو أنها ما زالت تحتضن مجموعة من المتشددين سواءً من قادة «داعش» أو جماعات أخرى مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على غرار جماعة «حراس +الدين». واللافت هنا أن الأميركيين، رغم علاقتهم الوثيقة بتركيا، قرروا كما يبدو أن ينفّذوا هم أنفسهم عملية قتل القرشي، وقبله البغدادي، من دون الطلب من تركيا تنفيذ مهمة اعتقالهما، علماً بأن المفترض أن هذه المنطقة تقع ضمن نفوذها المباشر في شمال غربي سوريا. وإذا كانت أميركا قد استفادت من إزاحة القرشي اليوم، فإن هذه الاستفادة ستمتد، على الأرجح، إلى جماعة هيئة تحرير الشام المعادية لـ«داعش» والتي تعد إدلب معقلاً لها.


مقالات ذات صلة

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

أفريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

إلى جانب الحربين اللتين تصدَّرتا عناوين الأخبار خلال عام 2024، في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تستمر نزاعات لا تحظى بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

الرئيس المصري وملك الأردن يؤكدان ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة

خلال لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال قمة في القاهرة 27 ديسمبر 2023 (رويترز)
خلال لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال قمة في القاهرة 27 ديسمبر 2023 (رويترز)
TT

الرئيس المصري وملك الأردن يؤكدان ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة

خلال لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال قمة في القاهرة 27 ديسمبر 2023 (رويترز)
خلال لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال قمة في القاهرة 27 ديسمبر 2023 (رويترز)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، اليوم الأربعاء، ضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة.

جاء ذلك في لقاء عقده الطرفان في القاهرة، اليوم، وفق وكالة الأنباء الأردنية «بترا».

وشدد الجانبان، خلال لقاء ثنائي تبعه لقاء موسّع، على ضرورة مضاعفة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون اعتراض أو تأخير، وضمان وصولها؛ للحد من تفاقم الكارثة الإنسانية، لافتين إلى الدور المحوري لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، في هذا الإطار.

كما أكدا أهمية البناء على مُخرجات القمة العربية والإسلامية غير العادية، التي عُقدت مؤخراً في الرياض، للتوصل إلى تهدئة شاملة بالمنطقة، ومنع توسع دائرة العنف، مُعربين عن التطلع إلى نجاح مؤتمر القاهرة الوزاري لدعم الاستجابة الإنسانية في غزة، الذي سيُعقَد في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وأعرب الملك الأردني عن تقديره جهود مصر لاستعادة الاستقرار في الإقليم، في حين ثمَّن الرئيس المصري الجهود الأردنية المستمرة لتقديم الدعم إلى الأشقاء الفلسطينيين.

وجدَّد الطرفان تأكيدهما الرفض الكامل لتصفية القضية الفلسطينية، أو تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مشددين على أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، هو متطلب أساسي لتنفيذ حل الدولتين، وضمان استعادة الاستقرار في المنطقة.

وأكد الملك الأردني ضرورة وقف الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، والاعتداءات المتكررة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

وشدد الجانبان على ضرورة الحفاظ على سيادة لبنان وسلامة أراضيه، ووقوف البلدين مع الشعب اللبناني.