مصري يقضي يومين وسط درجة حرارة 50 تحت الصفر

داخل خيمة مستكشف القطب الجنوبي

سليمان يتجه لدخول الخيمة التي رفع عليها العلم المصري (الباحث أحمد سليمان)
سليمان يتجه لدخول الخيمة التي رفع عليها العلم المصري (الباحث أحمد سليمان)
TT

مصري يقضي يومين وسط درجة حرارة 50 تحت الصفر

سليمان يتجه لدخول الخيمة التي رفع عليها العلم المصري (الباحث أحمد سليمان)
سليمان يتجه لدخول الخيمة التي رفع عليها العلم المصري (الباحث أحمد سليمان)

قضى الباحث المصري بمعهد «كالتك» بأميركا، ومختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أحمد سليمان، يومين داخل خيمة، متخلياً عن مكان إقامته في مركز البحوث العلمية بالقطب الجنوبي، حيث يوجد هناك منذ أربعة أشهر، ضمن مهمة علمية لاكتشاف أسرار اللحظات الأولى من عمر الكون. وعادةً ما يسعى الباحثون في ختام مهامهم العلمية بمركز بحوث القطب الجنوبي إلى تجربة الإقامة لفترة من الزمن داخل الخيمة التي تحاكي تلك التي أقام فيها النرويجي روال أموندسن، ثاني مستكشفي القطب الجنوبي النرويجي، صاحب الصورة الشهيرة لعَلَم النرويج فوق الخيمة، ولكن هذا العام لم يأخذ زمام المبادرة سوى الباحث المصري. وقال سليمان لـ«الشرق الأوسط» إن «الوقت الأمثل لتنفيذ تلك التجربة يكون في شهر ديسمبر (كانون الأول)، حيث تكون درجة الحرارة وقتها في القطب الجنوبي (30 تحت الصفر)، وهو معدل مقبول بالنسبة لهذا المكان، ولكن في هذا التوقيت من العام على مشارف دخول فصل الشتاء في القطب الجنوبي تكون درجة الحرارة (50 تحت الصفر)، لذلك لا يفضّل كثير من الباحثين خوض غمار التجربة في هذا التوقيت».
ويوفر مركز أبحاث القطب الجنوبي هذه الخيمة التي تحاكي خيمة روال أموندسن، المصنّعة من جلد مقوّى بالخارج ومبطنة بالقطن من الداخل لمنع دخول أي هواء بارد، كما توجد أغطية مناسبة للأرض، لمنع البرودة، وهذا يجعل الحياة ممكنة داخل الخيمة التي تبلغ درجة الحرارة خارجها (50 تحت الصفر). ويضيف سليمان: «ما على الباحث إلا أن يطلب الخيمة ويقوم بنصبها، ويتم تزويده بوسائل اتصال لا سلكية بالطوارئ، كي يتمكن من طلب المساعدة إذا واجه أي ظرف طارئ، كما يتعين توضيح موعد عودته، بحيث إذا تأخر عن موعد العودة، يكون ذلك مؤشراً على مواجهته لمشكلة، فيتحرك له المسعفون».
ورغم احتمالات الخطورة التي كان يمكن أن يتعرض لها فإن سليمان لم يتردد لحظة في خوض هذه التجربة التي وصفها بأنها كانت «مميزة جداً وفريدة من نوعها»، لكونه يوجد كأول أول عربي ومسلم في نفس المكان الذي وطأته أقدام المستكشفون قبل 110 أعوام.
يقول سليمان: «قضيت أغلب وقتي طيلة اليومين في الصلاة وقراءة القرآن، وكنت أردد دوماً الآية الكريمة في سورة الكهف (حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سِتراً)، فأرض القطب الجنوبي في هذا التوقيت لا تغيب عنها الشمس، فهي في نهار دائم». وجاءت هذه التجربة في ختام المهمة البحثية التي يشارك فيها باحثون من عده جامعات أميركية، ويسعون من خلالها إلى البحث في نشأة الكون عن طريق رصد موجات عمرها مليارات السنين تسمى موجات الخلفية الإشعاعية للكون وموجات الجاذبية التضخمية وقياس خواصها الفيزيائية، وهذه الموجات تعطينا معلومات كثيرة عمّا حدث في بداية الكون ولحظة الانفجار العظيم، وكيف تكونت العناصر الأساسية التي تدخل في تكوين كل شيء حولنا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».