من بؤرة للصراع والمواجهة إلى ميدان للتعاون والتكامل الإقليمي

من بؤرة للصراع والمواجهة إلى ميدان للتعاون والتكامل الإقليمي
TT

من بؤرة للصراع والمواجهة إلى ميدان للتعاون والتكامل الإقليمي

من بؤرة للصراع والمواجهة إلى ميدان للتعاون والتكامل الإقليمي


تؤشّر خريطة الأزمات والحروب والصراعات المهدِّدة للسلم والاستقرار في العالم منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي باللون الأحمر، دلالة على اعتبارها بؤرة للتوتر والمواجهة الدائمة، مرشحة للتمدّد والاشتعال، على خلفية ما تعانيه منذ عقود من سلسلة من الصراعات المركّبة.
ويكتسب هذا التوصيف طابعَه المنطقي من الموقع الجيوسياسي للمنطقة كجسر بين الشرق والغرب؛ وهو ما يسهّل أن تكون بيئة حاملة وسيطة لانتقال التحوّلات الحضارية الكبرى في العالم، كما الصراع داخلها، وهو ما يفسّر الإحالات الدائمة إلى الخلفيات التاريخية في تفسير مثل هذا الواقع.
ولكن هذه الإحالات غير كافية لوضع الحقائق في مكانها، على ضوء تعدّد تجارب أمم أخرى واجهت استعصاءاتٍ جغرافية وتاريخية خطيرة، نجمت عنها حروبٌ وصراعاتٌ دموية كبرى، لكنها وجدت طريقها في نهاية المطاف إلى السلم الأهلي واستتباب الأمن والاستقرار والتعاون والتعاضد الاجتماعي.
ومن ذلك، يمكن تقييم ما تنطوي عليه منطقة الشرق الأوسط من إمكانيات تَحَوّل، رغم التناقضات التي تعاني منها، وهي وريثة حضاراتٍ كبرى منذ فجر التاريخ، دشّنت حقبة الحداثة، من دون أن يتحقق التصالح بين تراثها وجوهر الحداثة المتبنّاة، ولو شكلياً، في أنظمتها الجديدة. مع الأخذ في الاعتبار دور تدخّل العامل الخارجي في صنع سياسة الدولة، وتعميق التناقضات الداخلية، وتحويلها إلى عوامل صراعات تعيد إنتاج أزمات متفاقمة.
إن طبيعة المنطقة الاستراتيجية تتسم بأنها معبر، ليس للتجارة البينية وتبادل البضائع وتنقّل الرحالة والمستكشفين فحسب، وإنما لتبادل الأفكار والآيديولوجيات، واستشراف الطموحات، وتلاقح القيم والمفاهيم الإنسانية، وخبرة الأمم.
ومن هنا يتداعى السؤال المشروع عما إذا كان استمرار الصراع والتناحر واللااستقرار ودوام الاضطراب والأزمات التي لازمت منطقتنا قدراً لا يمكن الفكاك منه، أم أن تجارب شعوب وأمم في مناطق أخرى من العالم عانت مما نعاني منه، واستطاعت أن تتجاوز ذلك وترسم لها مساراتٍ مغايرة تماماً، ونجحت في أن تتحوّل إلى نماذج بنّاءة تُحتذى.
فهل لشعوبنا أن تحدّد لمستقبلها خياراتٍ بديلة تضعها في مصاف الأمم والدول المتطورة؟
لقد حقّ لنا في العراق أن نواجه هذا السؤال بمنتهى المسؤولية، قبل أن نسعى لإشراك أشقّائنا وجيراننا بالبحث عن جواب عنه.
كان من الواضح لنا، دون تردّد، ونحن نطرح على أنفسنا مثل هذا السؤال المصيري، توفُّر كل شروط ومستلزمات قيادة منطقتنا على طريق التحول من بؤرة مأزومة مشاغبة مهدِّدة للسلم والاستقرار، إلى بيئة إيجابية ومساحة مفتوحة للتطور والنمو والتعاون المثمر بين شعوبها، وجسر للتواصل مع الشعوب والأمم الأخرى.
إن ثروات منطقتنا ومواردها البشرية وعمقها التاريخي الحضاري تشكّل مصادر لها لتحقّق ذاتها، وتعيد النظر في خياراتها، لتستنهض طاقاتها الخلاّقة وتوظف مصادر قوتها الكامنة، ولتستعيد ما كانت عليه من مكانة للرقي والتقدم في كل الميادين التي جعلت منها منارة إنسانية مزدهرة.

وما يلهمنا، ونحن نتطلّع لمثل هذا التحول التاريخي، تجارب معاصرة استطاعت أن تتجاوز تخلّفها وصراعاتها الدموية وفقر مواردها الطبيعية، لتتحوّل إلى نماذج في التقدم والتطور والنمو الاقتصادي والاجتماعي، وتصبح حاضرة على الصعيد العالمي.
ويمكن إيراد تجربة سنغافورة، التي كانت في منتصف القرن الماضي مركزاً للأوبئة الخطيرة، ومسرحاً للعصابات والمافيات المسلحة وبؤرة للجريمة المنظّمة، لتصبح بفضل بصيرة مؤسسها لي كوان يو ونظرته الثاقبة من بين أكثر البلدان تطوراً على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والإنسانية أيضاً. كما تبرز أيضاً التجربة الرائدة لجنوب أفريقيا في تصفية نظام الفصل العنصري البغيض (الأبارتايد) وتبنّي نموذجها الديمقراطي الحر والمتطور اقتصادياً، وتصفية آثار النظام السابق ومخلّفاته.
وتقدم رواندا نموذجاً آخر للتغيير والتحوّل. فبعد المجزرة التي اعتبرت بين أكبر عمليات الإبادة الجماعية العنصرية وراح ضحيتها ما يقرب من ثلاثة ملايين من البشر، استطاعت أن تنجز تحوّلها الديمقراطي، وتمضي نحو بناء الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي خلال عقدين من الزمن. وتتعدد أمثلة ونماذج النجاح على هذا الصعيد في جنوب أميركا وشرق آسيا وشرق أوروبا.
أليس في كل هذه التجارب ما يؤكّد، من دون أي شك، قدرة شعوبنا وبلداننا التي تتميّز بثروات طبيعية وقدرات وموارد بشرية ورصيد تجربة تاريخية ثقافية ومعرفية، على أن تخطّ لنفسها نماذج ترتقي بها إلى ما بلغته البلدان والشعوب التي سبقتها في اختيار بديلها، وهي تتجاوز كل العناصر والقوى التي كانت تشدّها إلى ما كانت عليه من حال؟
لدينا كل المقوّمات لمثل هذه الانتقالة التاريخية: مصادر ثروات هائلة، وموارد إنسانية كبيرة من شباب وشابات بطاقاتٍ خلاقة، وتجمعنا مشتركاتٌ عديدة، وإرث حضاري تاريخي، تشكّل مجتمعة مصادر إلهام لانطلاقة جديدة.
كل ما نحتاج إليه إنما يتجسّد في الرؤية والإرادة المشتركة لخلق واقع جديد، من شأنه أن يرسي أسس تواصل مستدام، قوامه تكاملٌ اقتصادي، وتبادلٌ للمنافع والمصالح، وتعزيزٌ لأواصر العلاقة بين شعوبنا، ويؤطّره قرار سياسي مبني على احترام المصالح الوطنية العليا لكل طرف، ونوايا حسنة لتأسيس منظومة أمن مشترك، ونظام اقتصادي متكامل فاعل ومزدهر.
علينا أن نؤكّد على ما يعزّز تكاملنا، وينمّي تبادل خبراتنا، ويجعل من تشاركنا مصدرَ قوة لنا، ونعوّض نقاط ضعف كل طرف منّا بما عند الآخر من قوّة داعمة لتقدم منطقتنا.
وعلينا أن نعتمد في خياراتنا على كل ما يعزّز وحدتنا، ويقرّب مساراتنا، واعتماد الحوار سبيلاً لحل الخلاف.
في سنوات المعارضة ضد النظام السابق، حلمنا بعراق مختلف، عراق ديمقراطي حرّ، يحترم الإنسان، ويوفّر كرامة شعبه، ويتحوّل إلى حجر أساس لبناء التكامل الإقليمي.
ونرى اليوم في العراق خيارين:
أن نكون قاعدة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية، أو نكون جسراً للتواصل وأرضاً للتكامل بين شعوب المنطقة.
ورؤيتنا أن العراق الناهض من كبوته، والمتعالي على جراحه، والمتصالح مع ذاته، قادرٌ بالتعاون مع أشقائه وجيرانه، على تحويل مشروع الشرق الأوسط المتكامل والمتصالح والمتعاون إلى واقع معاش، وأن من شأن ذلك أن يتحوّل إلى عامل إيجابي لمعافاة العراق، ويساعد في تكريس نهوضه.
لقد قمنا بكل ما علينا من التزامات خلال فترة حكومتنا الانتقالية، بوضع لُبنات لهذه الرؤية التي تكرّست في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، بحضور أشقاء وجيران وأصدقاء العراق، وعبّرنا عن نوايانا الصادقة للمضي قدماً إلى الأمام.
وأثبتت التجربة أن هناك إمكانات واسعة لخلق تكامل أمني على مستوى دول المنطقة، وأن هناك حاجة ماسّة إلى ربط تلك الدول بشبكات من خطوط النقل البري والسككي، وأن الحاجة متصاعدة إلى ربط المنظومات الكهربائية، وإلى التعاون في مجالات الطاقة ونقل الغاز والاستثمار المتبادل.
ولكن المنطقة تحتاج قبل كل ذلك إلى تكريس مبادرات الحل وتوسيع الحوارات الثنائية والجماعية وإبداء النيات الحسنة المتبادلة لحل الأزمات وإبعاد أي مؤثرات من خارج دول المنطقة في صياغة الحلول المطلوبة.
لقد شهد العالم تغيّرات عاصفة. ونحن نعيش اليوم في حقبة تاريخية مختلفة تماماً عن سابقاتها، أصبحت خلالها مصالح الشعوب أكثر ترابطاً وتكاملاً، وتتطلب تفاعلاً أعمق، وتكاتفاً في كل الميادين الحيوية.
إن منطقتنا ترتبط بمصالح مشتركة تشمل ميادين عديدة، تتسع مع تطور العلاقات بين بلدانها، يمكن أن نستثمرها في مشاريع التجارة والزراعة والصناعة، لنتحوّل إلى قطب رئيس في العالم الحديث كما كنا في العالم القديم، وأمامنا تحديات مشتركة كبيرة، من الإرهاب والفقر والجفاف والإشكاليات المجتمعية والبيئية الأخرى، والتي تفرض علينا التعاون المشترك للتقليل من آثارها وللتغلب على عواقبها نهائياً.
إن شعوبنا تستحق بجدارة أكثر مما هي عليه، ولديها أكثر مما قدّمت للمساهمة في مسيرة الحضارة البشرية، وهي قادرة، وتمتلك الإرادة اللازمة لصنع التغيير.
وقد أكّدت التجربة أن الإرادة لدى قيادات دول المنطقة مهيأة أيضاً، وأن الاستعداد جاهز لإحداث تعاطف صادق وصريح يجمع بيننا. وهو ضروري للتحوّل من المراوحة في ظل الأزمات وتدويرها وإدامة مسبباتها، إلى تكريس المصالح المشتركة والتكامل في إطار المعافاة والازدهار.

 



العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.