جولة المفاوضات الروسية ـ الأطلسية تفشل في تقليص حدة التوتر

خلاف حول أوكرانيا وتوسيع {الناتو}... ودعوات متبادلة لاستئناف الحوار

نائبة وزير الخارجية الأميركي تصافح رئيس الوفد الروسي بحضور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (إ.ب.أ)
نائبة وزير الخارجية الأميركي تصافح رئيس الوفد الروسي بحضور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (إ.ب.أ)
TT

جولة المفاوضات الروسية ـ الأطلسية تفشل في تقليص حدة التوتر

نائبة وزير الخارجية الأميركي تصافح رئيس الوفد الروسي بحضور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (إ.ب.أ)
نائبة وزير الخارجية الأميركي تصافح رئيس الوفد الروسي بحضور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (إ.ب.أ)

بدا أمس، أن جولة الحوار الأولى منذ أكثر من عامين، بين روسيا وحلف الأطلسي لم تخرج باختراقات أو نتائج تدفع نحو تقليص حدة الملفات الخلافية المتفاقمة. وانتهت المحادثات إلى نتيجة مماثلة لجولة الحوار الروسي الأميركي قبل يومين، إذ شكل الملف الأوكراني وموضوع توسيع حلف الأطلسي عقدة عرقلت التقدم في المباحثات، في حين برز ميل من الجانبين لاستئناف بعض قنوات الحوار المقطوعة. ودعت الولايات المتحدة روسيا للبقاء على طاولة المفاوضات بعد الجولة الأولى من المحادثات حول أوكرانيا هذا الأسبوع، وأن تواصل المناقشات حول موضوعات منها الحد من التسلح. وقالت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان للصحافيين في بروكسل بعد اجتماع لمجلس حلف شمال الأطلسي – روسيا: «إذا انسحبت روسيا... فسيكون من الواضح تماما أنهم لم يكونوا جادين أبدا في السعي إلى الدبلوماسية، وهذا هو السبب في أننا نستعد بشكل جماعي لكل احتمال». وأضافت «النشاط المكثف من الاجتماعات الثنائية والمتعددة الأطراف هذا الأسبوع يظهر أن الولايات المتحدة وحلفاءنا وشركاءنا لا يتباطأون. روسيا هي التي يتعين عليها اتخاذ خيار صعب: إما وقف التصعيد والدبلوماسية وإما المواجهة وتحمل العواقب».
وتجنبت موسكو إطلاق تقييم سريع لنتائج جولة الحوار التي وصفت بأنها كانت بالغة الصعوبة، وبرز فيها التباين الواسع في مواقف الجانبين. وفيما نقلت وسائل الإعلام الحكومية تعليقات مسؤولي الحلف على المحادثات، اكتفت الخارجية الروسية بتوجيه رسائل تحذيرية من تداعيات تعنت الناتو أمام المطالب الأمنية الروسية. كما أشارت إلى اقتراح ممثلي الحلف أحياء قنوات الاتصال المقطوعة بينهما.
وأفاد ناطق باسم الوزارة للصحافيين مباشرة بعد انتهاء الجولة بأن موسكو «أخذت بعين الاعتبار اقتراح الناتو بإعادة عمل بعثات روسيا والحلف». وأوضح أن «الناتو عرض استئناف عمل المهمات، لكن موسكو لم تقدم أي رد بعد». لكن رئيس الوفد الروسي ألكسندر غروشكو بدا متشائما بسبب نتائج المحادثات، وأوضح في وقت لاحق، مواقف بلاده من أبرز المحاور التي طرحت خلال اللقاء. وقال إن «لدينا كثيرا من نقاط الاختلاف» و«الأطلسي لا ينوي كما يبدو أن يأخذ مصالح الأطراف الأخرى الأمنية في اعتباره». محذرا من أن «أي محاولة لبناء أمن أي طرف من دون التعامل مع موسكو أو ضمان مصالحها لن تكون ممكنة». وأعرب الدبلوماسي عن قناعة بأن الأوضاع الحالية أسفرت عن تقويض نظام السيطرة على التسلح، لافتا إلى أن «واشنطن وحليفاتها يعملون على تعزيز هيمنتهم في كل المجالات وفي مناطق النشاط العسكري».
وقال إن الوفد الروسي «حذر الأطلسي بشكل واضح ومباشر من تداعيات سيئة للغاية على الأمن الأوروبي بسبب التصرفات الجارية واحتمالات تدهور الموقف أكثر ». وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ بدوره إن الناتو مستعد لإعادة فتح مكتب تمثيلي في موسكو، لأن الحوار مع الاتحاد الروسي ضروري. وبحسب قوله، فإن التحالف ليس لديه أي شروط مسبقة لاستعادة عمل البعثة الروسية إلى الناتو. واختتم الاجتماع الأول منذ عامين لمجلس روسيا والناتو في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل، بعد مفاوضات استمرت لأكثر من أربع ساعات، من دون إصدار بيان مشترك. وفي إشارة إلى مراوحة الملفات الخلافية الأصعب، قال الأمين العام ينس ستولتنبرغ عقب الاجتماع إن مسألة عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي لم تطرح للبحث مع الجانب الروسي، وإنه سيتم البت في هذا الموضوع فقط من قبل حلفاء الناتو وكييف. ومثل الوفد الروسي في الاجتماع نائب وزير الخارجية ألكسندر غروشكو ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين. ومثل الكتلة الغربية ستولتنبرغ وممثلون عن بلدان منضوية في الحلف.
وقال الأمين العام للحلف، إن جميع الأعضاء يتفقون على المبدأ الأساسي: أن لكل دولة الحق في اختيار مسارها الخاص. ويتفق الحلفاء أيضاً على أن أوكرانيا و30 من الحلفاء فقط هم من يقررون متى تكون أوكرانيا مستعدة للانضمام إلى عضوية الناتو وليس أي طرف آخر. لا تستطيع روسيا الاعتراض على انضمام أوكرانيا إلى الناتو. وزاد أن الناتو يقدم دعما سياسيا وعمليا لكييف، لكن أوكرانيا ليست عضوا في الكتلة ولا يمكنها المطالبة بضمانات أمنية وفقا للمادة الخامسة من الميثاق. وأضاف الأمين العام للحلف أن «المناقشات كانت صعبة. لدينا خلافات جدية مع روسيا، لكن حقيقة أننا نناقشها بالفعل فهذا أمر جيد».
وزاد: «لم نتحدث على الإطلاق لمدة عامين. تطالب روسيا بعدم توسيع الناتو وسحب القوات من الدول الشرقية للكتلة - وهذا غير مقبول بالنسبة إلينا. يمكن لكل دولة، بما في ذلك أوكرانيا، اختيار مسارها الخاص. لا تستطيع روسيا أن تقرر من سينضم إلى الناتو ومن لن ينضم. الناتو هو تحالف دفاعي، لم ندمر يوغوسلافيا، لقد انهار البلد من تلقاء نفسه، لقد ذهبنا إلى كوسوفو والبوسنة لوقف الفظائع. إن توسع الناتو ليس عدواناً، وقد أظهرت روسيا بالفعل عدواناً على أوكرانيا». وأضاف أن «حوارنا صعب لكنه ضروري. هناك خطر حقيقي لحدوث نزاع مسلح في أوروبا، وهذا هو سبب أهمية اجتماعات مثل اليوم (أمس). نحن على استعداد للجلوس على طاولة المفاوضات لمنع الصراع. لكن إذا استخدمت روسيا القوة، فسوف نفرض عقوبات جدية».
واللافت أن الحلف سعى في الوقت ذاته إلى توضيح مجالات التفاهم مع موسكو، وقال أمينه العام إن الحد من التسلح والعمل على حل النزاعات يمكن أن يكونا من مجالات التعاون.
وشكل الاجتماع استمراراً للمفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الضمانات الأمنية، والتي جرت في الفترة قبل يومين في جنيف، ومن المقرر عقد مشاورات حول نفس الموضوع اليوم في فيينا بين الوفد الروسي، ووفد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بحضور ممثلين عن واشنطن.
وغدا الإعلان المشترك وبشكل عام فقط عن استعداد الطرفين لمزيد من الحوار النتيجة الوحيدة لهذه الجولة. وأعلنت البعثة الأميركية لدى الناتو بأنها منفتحة على التواصل، لكنها «تظل ملتزمة بمبدأ الردع». فيما وصف ستولتنبرغ المناقشات بأنها «لم تكن سهلة، ولكنها مهمة على وجه الخصوص». في الأثناء، علق الكرملين على إعلان مسؤولين أميركيين حول استعداد الحلف لقبول عضوية فنلندا. وقال ديمتري بيسكوف، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، إن «أي توسع للناتو يقلق روسيا، لأنه عنصر من عناصر المواجهة وليس التطبيع».
وفي وقت سابق، قالت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، إن الولايات المتحدة مستعدة للتباحث مع فنلندا والسويد حول إمكانية انضمامهما إلى الناتو، إذا أعرب البلدان عن هذه الرغبة. ووفقا لبيسكوف فإنه «بالطبع، أي توسيع للناتو يقلق روسيا. حلف الناتو ليس مؤسسة للتنمية. بل أداة للمواجهة. لقد تم تصميمه بهذه الطريقة. وبالتالي، فإن توسيع الحلف يعني توسيع نطاق المواجهة».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».