«شتي يا بيروت»... فظاعة المتألمين

30 حلقة تُخبر الكثير عن آلام البشر والظلم الذي يُرهق الأرض

عابد فهد وروعة الأبوة مع «أيوب»
عابد فهد وروعة الأبوة مع «أيوب»
TT

«شتي يا بيروت»... فظاعة المتألمين

عابد فهد وروعة الأبوة مع «أيوب»
عابد فهد وروعة الأبوة مع «أيوب»

ينجح مسلسل «شتي يا بيروت» في تقديم لحظات إنسانية مضيئة. ثلاثون حلقة («شاهد») تُخبر الكثير عن آلام البشر والظلم الذي يُرهق الأرض. تحالف شرس بين الشر وصفعات الحياة، يشكل جبهة ضد الأوادم. الناس خَطَأة، بعضهم تُبشّعه خطاياه، وبعضهم يرتقي بها نحو الأفضل، فيغسل قلبه. عابد فهد بشخصية «عبد الله» جبل من الهمّ، تهزه الريح فيترسخ.
يفسح المسلسل المجال للجميع كي ينال حسابه؛ ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح. تسدد الدنيا كفوفها على وجوه؛ فتورمها وتزيدها قساوة، إلا إن نوراً في قلوب قلة يشق الطريق نحو بدايات جديدة. تسود هدنة في المعركة الطاحنة بين الحب والحقد، مع حذر من فورة الجبهات المشتعلة. الفرصة الأخرى ينالها مستحقوها بعد فداحة الخسارة.
ظاهر المسلسل، وهو من تأليف بلال شحادات وإخراج إيلي السمعان (إنتاج «الصباح إخوان»)، كباش ثأري يولده الطمع في المال بين أولاد العم؛ «عبد الله» وأخيه «عبد القادر» (إيهاب شعبان بدور لافت)، و«مناع» (رامز الأسود باختزال مقنع للشر) في الجهة المقابلة. يأخذ الثأر أشكالاً انتقامية، فيجر الدمُ الدمَ. حتى الحب سرعان ما يتنحى، مرة إلى الأبد، حين تموت «مريم» (ديما بياعة ضيفة الحلقة الأولى) وهي تضع طفلها من «عبد الله»؛ ومرة بالتقسيط المريح من خلال «يم» (لين غرة)، شقيقة «مريم» التي أغرم بها «عبد القادر» حد غدره بأخيه وتعاميه عن الحقيقة. ابنا عم مع ابنتي عم، شقيقان وشقيقتان في حرب مفتوحة، لعنتها لا تُبقي حجراً على حجر.
وسط الدخان الأسود، يخرج ضوء يردد نيابة عن الجميع «خربانة». يزين الطفل المصاب بـ«متلازمة داون» حسن مرعي، بشخصية «أيوب»، المسلسل ويرفعه إلى النُبل. وجه البراءة والمعاني العظيمة لطفولة لا ذنب لها في التقاتل والأثمان. زواج ولدَي العم، يثمر صبياً من هذا الصنف الملائكي، يأسر القلب بكل دمعة وضحكة ولحظات أمان وخوف. عابد فهد يتفوق مرتين: واحدة في التمثيل بإمساكه شخصية «عبد الله» بمنتهى الاحتراف؛ وثانية في التعامل مع «أيوب» بأبوة بديعة... كأنه ابنه، من أجله يواجه وينتصر.
علامات فارقة في المسلسل، من أجملها إلسا زغيب في دور «أماني». من خلالها وشقيقتها «نور» (زينة مكي بأفضل أدوارها)، يُفتح الكتاب على صفحات ثقيلة عنوانها القهر الاجتماعي. «أماني»؛ بملامحها وخجلها والصمت الطاغي، نموذج الواقع المرير المُشبع بالويل والآه. المرأة المغلوبة على أمرها، ثم المنتفضة بإشارة من قوة داخلية تدفع بها إلى قلب الطاولة والوقوف بقدمين حديديتين. اختزال للعوض بروح تطفح بالحب. تنقشع غيوم ملبدة لتمطر زخات تروي التربة وتمنح الحياة للزهر.
على هامش ثأر أولاد العم بين لبنان وسوريا، تخرج من حي بيروتي متواضع صبية مرهفة كبتلة وردة، إلى وسط الشوك، هي «نور». يريد المسلسل القول إن الخَطَأة لديهم مبرراتهم ولا يحق لأحد الإدانة. يصرخ جيري غزال، بشخصية «عاصي»، السياسي الشاب، الهارب عبثاً من قدره، نيابة عن المظلومين في مجتمع النفاق، ويرفع عالياً صوت الحق. يجمعهما الحب رغم الظروف السيئة، فيدير للناس أذناً صماء ويتمسك بالحبيبة الآتية من ماضٍ قاس. يُلام المخرج في مبالغته حيال تتبع مغامرات السياسي الشاب العاطفية، والموافقة على تصدرها مانشيتات الجرائد والصفحات الأولى، كخبر علاقته بـ«نور»، ثم نبش ماضيها، كأن لا قضية أهم لتصدر العناوين واحتلال الواجهة!
هذه هفوة مستغربة نظراً إلى أن المسلسل على تماس بالواقع اللبناني العدمي، خصوصاً أنه يشرع أبوابه لواحد من أبشع مَشاهد الذل الإنساني في الآونة الأخيرة: أزمة البنزين وانفجار صهريج مُحمل بوقود مهرب إلى سوريا. كيف يمكنه أن يكون حقيقياً إلى هذا الحد هنا، وسوريالياً إلى هذا الحد هناك، لا سيما أن «عاصي» سياسي، والناس غاضبة لم تعد تطيق الزعماء وورثتهم؟ إقدام «عاصي» بجرأة جيري غزال وإنسانيته، وصرخته لإنصاف المرأة من الأحكام الاجتماعية وازدواجية المعايير، قوة الدور وحلاوة الكيمياء مع زينة مكي.
أقصى الجنون ما يحدث على الحدود غير الشرعية بين لبنان وسوريا! فادي أبي سمرا بشخصية «أبو ليلى»، عراب هذه الوحشية المسماة تهريباً لا أفق لضبطه. يتواطأ مع «عبد الله» في تهريب البشر بذريعة أنهما بذلك يهونون عذاباتهم ويرحلونهم بالبحر وقواربه إلى شطآن «آمنة». طمع الشريك، رغم رفض شريكه، يوديه إلى الموت، فيحترق «أبو ليلى» بتفجير صهريج بنزين، أعده للتهريب، ولا يعيش ليقبض ثمن الجريمة.
الأداء التمثيلي مؤثر لشخصيات تختزل الخير والشر على السواء... وأولئك الذين «على نياتهم»، مثل «توفيق» (عبدو شاهين بدور مختلف وجريء، أداه بمهارة بعد دوره الكبير في «الهيبة»)، والأوفياء مثل إيناس زريق بشخصية «بيسان» مربية «أيوب». فمن يصح اعتبارهم «أشراراً» نسبياً كـ«مناع»، ومن يصح اعتبارهم «أخياراً» نسبياً مثل «عبد الله»، يجرون الماضي خلفهم إلى القبر المفتوح، حيث ترقد «مريم»، استعداداً للمواجهة الأخيرة... تلك المواجهة التي عجزت عنها «يم» (ممتازة الأداء لين غرة)، فغلبها الذنب وفرض عليها كتابة مصيرها. مشهد رثاء والدتها (أمانة والي) لها، بعد انتحارها في حوض الاستحمام يقول الكثير.
يولد حب من رحم الأحزان بين «عبد الله» و«أماني»، يُحسن النجمان تجسيده بتعفف جميل. فقط بالنظرات؛ بحاجة أحدهما إلى الآخر، بالدفء كوضع حد لصقيع القدر... حب ينبت على مهل، يتشرب مشاعره قطرة قطرة، ثم يثمر في الوقت المناسب، بعد الاختمار والنضج. تنال «أماني» طلاقها من «توفيق»، وللمرة الأولى في العمر، تُحاط برجل يستحقها، فيعوض أعواماً ضاعت وحسرة أبدية على موت والدها (الكبير عمر ميقاتي) حريقاً في غربة الشيخوخة.
ثلاثون حلقة من دراما الحياة، منا مَن يجد نفسه في أعماقها، ومنا مَن يدور في دوائرها المُشكلة على السطح. شارة المسلسل بصوت بشار الجواد ضمير المتألمين: «الدني ما بتصاحب حدا قلبو قلب عصفور»، يا للفظاعة!



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.