احتفاء مصري بمئوية عبد المنعم مدبولي «ناظر مدرسة الكوميديا»

قدم نحو 200 عمل سينمائي وتلفزيوني ومسرحي خلال مسيرته الطويلة

الفنان المصري الراحل عبد المنعم مدبولي (أرشيفية)
الفنان المصري الراحل عبد المنعم مدبولي (أرشيفية)
TT

احتفاء مصري بمئوية عبد المنعم مدبولي «ناظر مدرسة الكوميديا»

الفنان المصري الراحل عبد المنعم مدبولي (أرشيفية)
الفنان المصري الراحل عبد المنعم مدبولي (أرشيفية)

تستعيد الأوساط الفنية والثقافية في مصر هذه الأيام، ذكرى الفنان الكبير الراحل عبد المنعم مدبولي (29 ديسمبر 1921 – 9 يوليو 2006)، أحد مؤسسي فن الكوميديا في طبعته العربية بالقرن العشرين، وذلك بمناسبة مرور مائة عام على ميلاده الذي كان إيذانا بعهد جديد في مسيرة نجوم الضحك.
وأطلقت جمعية «أبناء الفنانين» سلسلة من الفعاليات احتفالاً بالمناسبة، عرضت فيها السيدة أمل عبد المنعم مدبولي العديد من الأعمال التذكارية والوثائق التي تخلد ذكرى والدها ممثلاً ومؤلفاً ومخرجاً وسيناريست وفناناً تشكيلياً.
المفارقة الدرامية التي عاشها مدبولي على مسرح الحياة، تمثلت في إضحاكه الجمهور في حين أنّ حياته نفسها كانت فاصلاً من المعاناة والحرمان لا سيما في مرحلتي الطفولة والمراهقة التي تشكلان ملامح الإنسان فيما بعد، إذ توفي والده عندما كان عمره ستة أشهر وعاش مع أخويه الاثنين في فقر شديد، فلا عائل للأسرة، حتى إنّه كان يتناول طعامه بـ«ملعقة صدئة» على حد تعبيره في حوار تلفزيوني قديم مع الإعلامية هالة سرحان.
ويحظى مدبولي بالعديد من الأرقام القياسية في جعبته، إذ يمتلك ما يربو على مائتي عمل منها نحو 150 فيلماً سينمائياً، أبرزها «ربع دستة أشرار»، و«عالم مضحك جداً»، و«غرام في أغسطس»، و«مطاردة غرامية»، و«المليونير المزيف»، و«أشجع رجل في العالم، الحفيد، مولد يا دنيا»، و«احنا بتوع الأتوبيس»، وكانت آخر أفلامه «أريد خلعا» مع الفنان أشرف عبد الباقي 2005.
ورغم أنّه اكتشف وقدم كبار نجوم الكوميديا في مصر، مثل فؤاد المهندس وشويكار ومحمد صبحي وسعيد صالح ومحمد نجم، لكنّ قصة اكتشافه لـ«الزعيم» عادل إمام تستحق التأمل. كان ذلك في عام في 1964، عندما كان يبحث عن وجه جديد يقدمه في «أنا وهو وهي» بطولة فؤاد المهندس وشويكار. وجد ضالته في شاب نحيل خجول ضئيل البنية هو عادل إمام، الذي لم يتحمس في البداية لتقديم شخصية «الباشكاتب دسوقي» سكرتير المحامي والناقم على كل شيء وصاحب المقولة الأشهر «بلد شهادات»، كانت حجة إمام أنّه يصلح أكثر في الأدوار التراجيدية التي برع فيها على خشبة مسرح الجامعة، لكنّ مدبولي ابتسم وقال له في هدوء: «جرب ولن تخسر شيئا!» ليصبح الدور بمثابة شهادة ميلاد لفنان سيغير خريطة الكوميديا من المحيط إلى الخليج فيما بعد. حسب أحد لقاءات مدبولي التلفزيونية قبيل وفاته.
من ناحيته، يرى الناقد والمؤرخ الأكاديمي دكتور شريف صالح، أنّ عبد المنعم مدبولي يأتي مباشرة بعد جيل التأسيس في تاريخ الكوميديا المصرية الذي يمثله نجيب الريحاني وعلي الكسار، لكنّه استفاد للغاية وتميز عنهم لكونه ابن الحارة الشعبية في حي «باب الشعرية»، كما استفاد من تتلمذه على يد زكي طليمات في معهد التمثيل الذي التحق به عام 1949، فضلا عن كونه مؤلفا وفنانا تشكيليا.
ويضيف دكتور صالح في تصريح خاص إلى «الشرق الأوسط»: «لم يكن معهد التمثيل قد افتُتح بعد، فاختار كلية الفنون التطبيقية بديلاً مؤقتاً لإشباع هوايته الفنية وظل يمارس الفن التشكيلي رسما ونحتا حتى وقت قصير قبل وفاته حتى إن وزارة الثقافة ورئاسة الجمهورية اقتنت بعضا من أعماله».
ويشدد دكتور صالح على أننا أمام فنان صاحب قماشة عريضة جداً من المواهب فلا ننسى قدرته الفذة في تقديم الاستعراضات الغنائية، كما أنّه من الظلم أن نختزله في خانة الكوميديا فقط؛ فقد قدم على سبيل المثال اثنين من أكثر الأدوار التراجيدية خلودا في الدراما المصرية عبر مسلسلي «أبنائي الأعزاء شكراً» و«لا يا ابنتي العزيزة».
ويضيف الناقد الفني محمود عبد الشكور أنّ مدبولي اسم كبير حظي بالعديد من الألقاب مثل «ناظر مدرسة الكوميديا» و«بابا عبده»، كما كان له أسلوب مميز كان يسميه «المدبوليزم» يعتمد على الأداء الحركي وتلوين الصوت، ولكنه أيضاً كان صاحب قامة قصيرة ومواصفات جسدية خاصة، إذ يمكنه الإضحاك دون أن يتحرك كما تراه مثلا في مسرحية «ريا وسكينة».


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».