«حزب الله» يستفز خصومه بجدارية عملاقة لسليماني

سعيد لـ «الشرق الأوسط» : إشارة سياسية إلى وقوع لبنان تحت الاحتلال الإيراني

صورة جدارية على طريق المطار لقاسم سليماني
صورة جدارية على طريق المطار لقاسم سليماني
TT

«حزب الله» يستفز خصومه بجدارية عملاقة لسليماني

صورة جدارية على طريق المطار لقاسم سليماني
صورة جدارية على طريق المطار لقاسم سليماني

أمعن «حزب الله» في استفزاز خصومه من اللبنانيين بجدارية عملاقة تتضمن صوراً لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على طريق مطار بيروت، قبيل الذكرى السنوية الثالثة لاغتياله بغارة أميركية قرب مطار بغداد. وأثارت تلك الصور استنكاراً في صفوف المعارضين للحزب الذين رأوا أن رفع صور سليماني «رسالة بأن لبنان واقع تحت الاحتلال الإيراني».
وليست المرة الأولى التي يعمد فيها الحزب إلى رفع صور سليماني أو صور قياديين تابعين له قتلوا في أكثر من موقع، على طريق مطار رفيق الحريري الدولية ببيروت، وهي النافذة الجوية الوحيدة للبنان إلى العالم، وتربط الطريق بين المطار ووسط العاصمة. فقد تكرر هذا الأمر على طريق المطار الواقعة بمحاذاة الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله» الذي سبق أن رفع صوراً لسليماني في العامين الماضيين في المنطقة نفسها، كما رفع صوراً لقياديين سابقين فيه مثل عماد مغنية الذي تم اغتياله في دمشق في عام 2008، أو مصطفى بدر الدين الذي اغتيل بسوريا في عام 2015.
ويرى رئيس «لقاء سيدة الجبل» النائب السابق فارس سعيد أن تثبيت صور سليماني على طريق المطار، لا يقتصر على كونه استفزازاً للبنانيين وليس موجهاً إلى سكان الضاحية، أو إلى عموم اللبنانيين فحسب، «بل يتضمن إشارة سياسية لكل مسافر إلى لبنان بأن البلد بات واقع تحت الاحتلال الإيراني»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الموضوع «سياسي وليس إدارياً، بمعنى أنه تنبيه لكل زوار لبنان من وفود أجنبية من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بأن البلد، من مدخله بعد مطار بيروت، واقع تحت الاحتلال الإيراني». وقال سعيد: «في المبدأ يجب أن تكون الطريق الواصلة بين المطار ووسط العاصمة محيدة، ولا تتضمن إشارات سياسية، لكن تثبيت صور سليماني عليها يعني أنها باتت طريق طهران وليست طريق وسط بيروت».
واللافت أن الحكومة اللبنانية لم تتخذ أي موقف من هذا الملف، رغم الاعتراضات التي أثيرت في مواقع التواصل الاجتماعي على رفع صور قيادي إيراني على طريق مطار بيروت. وقال سعيد إن الحكومة «يجب أن تقوم بكثير من الخطوات، لكنها في الواقع لن تقوم بأي إجراء حيال هذا الملف»، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة أن تكون طريق المطار «محيدة عن كل الاحتلالات والانتدابات، بوصفها تربط الخارج بمدينة بيروت، وهو ما لم يحدث». ولفت إلى أن الأمر لا يقتصر على رفع الصور، بل يشمل أيضاً تسمية شوارع باسم قياديين له، ورفع تمثال لسليماني في نطاق بلدية الغبيري، مشيراً إلى أن «حزب الله»، «يحاول تبرير ذلك بوجود أسماء شوارع في بيروت لفوش وجادة حافظ الأسد وغيرها»، معتبراً أنها «حجة شعبية لتبرير هذا الأمر» مع أن تسمية الشوارع تعود للبلديات.
وتطلق بلديات مقربة من الحزب أسماء قياديين راحلين للحزب على شوارع ضمن نطاقها، خصوصاً بلدية الغبيري التي تطلق اسم سليماني على جادة ضمن نطاقها، واسم مصطفى بدر الدين المتهم باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري على جادة أخرى، كما تطلق اسم عماد مغنية على جادة ثالثة.
ووصف وزير العدل الأسبق اللواء أشرف ريفي رفع صور سليماني بأنه «عمل غير قانوني واستفزازي، ولا يليق بلبنان كدولة تعددية»، مشدداً في تصريح لوكالة الأنباء «المركزية»، على أنه «من غير المسموح أن يستفرد مكون مسلح بتحويل طريق المطار إلى شارع في أحد أحياء إيران». وطالب ريفي السلطة اللبنانية «بالتحرك فوراً لإزالة هذه الصور لأنها تسيء إلى اللبنانيين كما الوافدين»، لافتاً إلى أن «أي تأخير يتحمل مسؤوليته المعنوية والسياسية كل المعنيين بدءاً من رئيسي الجمهورية والوزراء»، محذراً من تفاقم هذا الأمر، «وعندها لا أحد يعلم ما ستكون ردة الفعل».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.