انتعاشة سينمائية مصرية في موسم «رأس السنة»

«الجريمة»  -  «مربع برمودة»
«الجريمة» - «مربع برمودة»
TT

انتعاشة سينمائية مصرية في موسم «رأس السنة»

«الجريمة»  -  «مربع برمودة»
«الجريمة» - «مربع برمودة»

تستقبل دور العرض السينمائي في مصر أفلاماً مصرية وأجنبية عديدة خلال موسمي «رأس السنة» و«إجازة منتصف العام» السينمائيين، وسط توقعات بانتعاش دور العرض خلال الفترة القليلة المقبلة، بعد شهور من الركود، ورغم ذلك انتقد سينمائيون فكرة طرح أفلام كثيرة في موسم يعد قصيراً نسبياً بسبب امتحانات منتصف العام الدراسي، وهو ما قد لا تستوعبه السوق السينمائية ولا عدد الشاشات بما ينذر بتعرض عدد من هذه الأفلام لخسارة فادحة، حسب تقديرهم.
ولتحقيق أكبر قدر من الإيرادات لجأ منتجون مصريون إلى طرح أعمالهم في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، على غرار فيلم «ريتسا» بطولة محمود حميدة وأحمد الفيشاوي وعائشة بن أحمد، الذي حقق في أول 3 أيام من طرحه مبلغ 388 ألف جنيه مصري فقط (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري)، وكذلك فيلم «برا المنهج» بطولة ماجد الكدواني الذي حقق في أول 3 أيام من طرحه مبلغ 700 ألف جنيه فقط، رغم تحقيق الجزء الجديد من الفيلم الأميركي (سبايدرمان) يوم الجمعة الماضي فقط مبلغ 5 ملايين جنيه، لتتجاوز إيراداته في دور العرض المصرية منذ أول يوم من طرحه مبلغ 10 ملايين جنيه.
الموزع السينمائي المصري وصاحب صالات سينما «غالاكسي» في مصر لؤي عبد الله، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بصفتي موزعاً سينمائياً، نصحت عدداً من المنتجين بتأجيل طرح بعض أفلامهم لمواسم أخرى، ولكن أصر عدد كبير منهم على طرح الأفلام في هذا التوقيت، فهذا الموسم قصير جداً تتخلله امتحانات منتصف العام، ويشتهر بأنه موسم للفيلم الأجنبي، أكثر منه موسم للفيلم المصري، ومع الأسف هناك عدد من الأفلام منخفضة التكلفة والمتوسطة التي ستواجه مصيراً سيئاً وحظاً ضعيفاً لأنه من المعروف أن أفلام النجوم هي التي ستحظى بالأولوية لدى الجمهور، والدليل على ذلك هو الفرق الكبير بين الفيلم العالمي، (سبايدرمان) والفيلمين المصريين الجديدين اللذين طرحا أخيراً».
وأوضح عبد الله أنّ بعض منتجي هذه الأفلام يعلمون جيداً أنّ أفلامهم لن تحصد إيرادات ضخمة، ولكن لتعاقدهم مع عدد من المنصات الرقمية في توقيت محدد، فإنهم عجلوا عرض أفلامهم تجارياً في دور العرض المصرية».
ومن المقرر طرح 4 أفلام مصرية جديدة وفيلمين أميركيين، خلال الأيام القليلة المقبلة، حسب منتجين، في مقدمتهم فيلم «مربع برمودا» بطولة عمرو عبد الجليل وروجينا ومصطفى خاطر، و«أبو صدام» بطولة الفنان المصري محمد ممدوح، الذي فاز عنه أخيراً بجائزة أحسن ممثل في المسابقة الرسمية الدولية بالدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي، وفيلم «الكاهن» بطولة درة وحسين فهمي، وإياد نصار، و«الجريمة» بطولة أحمد عز ومنة شلبي، وإخراج شريف عرفة، فضلاً عن الفيلمين الأميركيين «ذي ماتريكس»، و«كينغزمان».
ووصف المنتج أحمد السبكي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» طرح عدد كبير من الأفلام في موسمي رأس السنة وإجازة منتصف العام بـ«الخطر الكبير»، قائلاً: «هذا الكم الكبير سيحرق عدداً لا بأس به من الأفلام، فضلاً عن أن الأفلام الأجنبية التي تعرض حالياً قوية جداً وسوف تحقق أرباحاً كبيرة»، وأكد السبكي أنّ «كثيراً من المنتجين قرروا طرح أفلامهم في هذا الموسم لأن مخزون الأفلام لديهم كبير وموسم عيد الفطر المقبل غير مضمون لأنّه سيتزامن مع موسم امتحانات نهاية العام الدراسي».
ويلفت السبكي إلى طرح فيلمه «قمر 14» منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو من بطولة خالد النبوي وياسمين رئيس وشيرين رضا.
وسيشهد شهر يناير طرح 5 أفلام مصرية جديدة ألا وهي فيلم «العنكبوت» بطولة أحمد السقا وظافر العابدين ومنى زكي، و«من أجل زيكو» بطولة منة شلبي وكريم محمود عبد العزيز، و«قمر 14»، و«مهمة مش مهمة» بطولة بيومي فؤاد وكارولين عزمي، وفيلم «تماسيح النيل» بطولة ويزو ومحمد ثروت وحمدي الميرغني.
من جهته، قال موزع الأفلام الأجنبية في مصر، طارق صبري إنّ «الشركات السينمائية الدولية تطرح عادة عدداً كبيراً من الأفلام في توقيت واحد، فتقريباً كل أسبوع تطرح 6 أفلام لأنّهم يعملون بخطة موضوعة مسبقاً حتى قبل أن يُصوّر الفيلم، وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «بعد مرور نحو عامين من الركود، ستشهد دور العرض المصرية انتعاشة لافتة في الموسم الجديد»، مشيراً إلى أنّ «طرح أفلام نجوم الصف الأول تعد من بين إيجابيات الموسم»، ولفت إلى تحقيق فيلم «سبايدرمان» مبالغ ممتازة منذ طرحه قبل أسبوعين، حيث اكتسح الإيرادات في مصر، وهذا أمر ليس مستغرباً، لا سيما أنّ الموسم الحالي معروف عنه أنّه يشهد انتعاشة للأفلام الأجنبية على حساب المصرية، لذلك فإنني أتوقع أن يعصف هذا الزحام بالعديد من الأفلام المصرية، خصوصاً منخفضة ومتوسطة التكلفة.
يذكر أنّ موسم رأس السنة الماضية شهد طرح 3 أفلام فقط، وهي «ريما» بطولة مايا نصري، و«صابر وراضي» بطولة أحمد آدم ومحسن محيي الدين، و«حظر تجول» بطولة إلهام شاهين وأمينة خليل وأحمد مجدي.


مقالات ذات صلة

«البحر الأحمر» يستقبل 2000 فيلم وتكريم خاص لمنى زكي وفيولا ديفيس

يوميات الشرق جانب من المؤتمر الصحافي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر» يستقبل 2000 فيلم وتكريم خاص لمنى زكي وفيولا ديفيس

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نسخته الرابعة بحلة جديدة تحت شعار «للسينما بيت جديد» من قلب مقره الجديد في المنطقة التاريخية بمدينة جدة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق الفنان المصري محمود عبد العزيز (فيسبوك)

مصريون يتذكرون أعمال «الساحر» محمود عبد العزيز في ذكرى رحيله الثامنة

مع حلول الذكرى الثامنة لرحيل الفنان المصري محمود عبد العزيز الشهير بـ«الساحر»، احتفل محبوه على «السوشيال ميديا»، الثلاثاء، بتداول مشاهد من أعماله الفنية.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق الملصق الدعائي لفيلم «الهوى سلطان» (الشركة المنتجة)

البطولات النسائية تستحوذ على صدارة إيرادات السينما المصرية في الخريف

استحوذت «البطولات النسائية» التي تنوعت موضوعاتها ما بين الرومانسي والكوميدي والاجتماعي على صدارة إيرادات دور العرض السينمائي بـ«موسم الخريف» في مصر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)

«مهرجان البحر الأحمر» بانوراما للسينما العربية والعالمية

تشهد الدورة المقبلة لـ«مهرجان البحر الأحمر» في جدة، بالمملكة العربية السعودية، تطوّراً إيجابياً مهمّاً في عداد تحويل المهرجان إلى بيت للسينما العربية.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)