الثقافة المغربية: أمل الخروج من النفق ومخاطر متحورات «كورونا»

أصيلة تواصل مسارها الثقافي والرباط تحتضن معرض «دولاكروا... ذكريات»

TT

الثقافة المغربية: أمل الخروج من النفق ومخاطر متحورات «كورونا»

أبَت «كورونا» إلا أن تواصل سطوتها على المشهد الثقافي والفني المغربي خلال 2021، بعد أن كانت قد أرْخت عليه بظلالها خلال السنة الماضية، ما دفع السلطات إلى مواصلة فرض حالة الطوارئ الصحية واتخاذ تدابير استثنائية لمواجهة تداعيات انتشار الفيروس، شملت منع جميع المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية.
وفضلاً عن المشاعر المتناقضة التي انتابتهم بفعل الجائحة، عاش المغاربة خلال هذه السنة، بألم كبير، رحيل كتاب وفنانين كانت لهم بصمتهم على مستوى المنجز الفني والأدبي للمغرب المعاصر، بينهم من مات متأثراً بإصابته بفيروس كورونا. وتأثر النشاط الثقافي جراء إغلاق فضاءات العرض، وتم تنظيم بعضها عن بعد أو حضورياً مع اتخاذ ما يلزم من الإجراءات الاحترازية، إثر تخفيف أو رفع جزئي للحجر الصحي. ورغم هذه الاحترازات فقد تميزت هذه السنة، على صعيد تدبير الشأن الثقافي، بتعيين محمد مهدي بنسعيد وزيراً للشباب والثقافة والتواصل، خلفاً لعثمان الفردوس الوزير السابق للثقافة والشباب والرياضة.

- مهرجانات واحتفاء بالمرأة
فرضت جائحة «كورونا» وإجراءات مواجهة تفشيها إلغاء عدد من المهرجانات الفنية والثقافية، على غرار «مهرجان موازين... إيقاعات العالم» بالرباط، و«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» بالصويرة، و«المهرجان الدولي للفيلم بمراكش»، فيما سمحت ظروف التخفيف لبعضها بالتنظيم، بينها «المهرجان الدولي لفيلم المرأة» بسلا المجاورة للرباط، في دورته الـ14، ما بين 8 و13 نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد انقطاع في سنة 2020 بسبب تفشي جائحة «كوفيد - 19».
واستضافت الدورة السينما السويسرية، احتفاءً بمرور 100 سنة على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. كما عاد «المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة» بالناظور في دورة عاشرة، ما بين 15 و21 نوفمبر، مراهناً على حضور الجمهور والسينمائيين والفاعلين السياسيين والحقوقيين «لتدارس عالم ما بعد كوفيد - 19، وبث روح جديدة بالمتوسط، كي تعود الحياة إلى سابق عهدها وتتواصل رحلة الألف ميل لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، هنا وهناك». وتميزت الدورة بمشاركة سبعة أفلام طويلة من جنسيات مختلفة تبارت على جوائز المهرجان، إلى جانب ستة أشرطة وثائقية و13 شريطاً قصيراً. كما شهد المهرجان تنظيم «ماستر كلاس»، خصص للحديث عن السينما وتأثيرها على السياحة ونمو المدن والدول التي تحتضن تصوير الأفلام السينمائية والأشرطة التلفزيونية، إضافة إلى تنظيم ورشة في السينما. كما تميزت التظاهرة بتسليم جائزة «ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم» لابنة الناظور الوزيرة الفرنسية السابقة نجاة بلقاسم، التي شاركت رفقة سياسيين وسينمائيين وخبراء وأكاديميين مغاربة وأجانب في ندوة دولية خصصت لإلقاء الضوء على تداعيات أزمة كورونا وعالم ما بعد «كوفيد - 19».

- أصيلة: موسمان ثقافيان
واختار «موسم أصيلة الثقافي الدولي» الثاني والأربعون، أن ينظم فعالياته في دورتين، صيفية وخريفية. وشملت الدورة الصيفية، ما بين 25 يونيو (حزيران) و18 يوليو (تموز) تنظيم مشغل الصباغة على الجداريات، كما جرت العادة منذ ربيع 1978، نشط به 11 فناناً في مختلف أزقة مدينة أصيلة العتيقة، وأيضاً مشغل النحت والرسم بمشاركة 11 فناناً في مشاغل الفنون التشكيلية بقصر الثقافة، ومشغل الصباغة على الجداريات الخاص بأطفال مدينة أصيلة بحدائق قصر الثقافة، إلى جانب معرض «ربيعيات 2021» الذي أقيم برواق المعارض بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، وكذلك معرض أعمال «مشغل أطفال الموسم»، و«معرض الفنانين الزيلاشيين الشباب»، الذي أقيم بديوان قصر الثقافة. هذا إلى جانب ورشة «الإبداع الأدبي»، التي أشرف عليها الشاعر أحمد العمراوي، لفائدة طلبة المدارس الإعدادية والثانوية في أصيلة.
فيما نظمت الدورة الثانية (الخريفية) ما بين 29 أكتوبر (تشرين الأول) و18 نوفمبر (تشرين الثاني)، واستضافت ست ندوات، في إطار الدورة 35 لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، وذلك وسط حضور عربي وأفريقي ودولي لافت، ومشاركة صفوة من الباحثين والمفكرين وأصحاب قرار نافذين والشعراء.
انطلق برنامج الندوات بندوة افتتاحية بعنوان «المغرب العربي والساحل: شراكة حتمية؟». فيما بحثت الندوة الثانية التي نسقها لويس أمادو، وزير خارجية البرتغال الأسبق، سؤال «أي مستقبل للديمقراطية الانتخابية؟»، وتناولت الندوة الثالثة، التي نسقها الكاتب الأكاديمي الموريتاني عبد الله ولد أباه، موضوع «العرب والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة: العروبة إلى أين؟»، فيما جاءت الندوة الرابعة، التي نسقها الإعلامي المغربي جمال المحافظ، تكريمية في إطار فضاء «خيمة الإبداع»، وجرى خلالها تكريم الإعلامي المغربي محمد البريني، فيما تناولت الندوة الخامسة موضوع «الشيخ زايد: رؤية القائد المتبصر»، ليسدل الستار بتنظيم اللقاء الشعري الثاني، في موضوع «لغة الشعر العربي اليوم»، من تنسيق الناقد المغربي شرف الدين ماجدولين.

- عروض مسرحية
وفرت الفترات القليلة التي تقرر فيها إعادة فتح قاعات السينما والمسارح والمراكز الثقافية وفق شروط، إثر تحسن المؤشرات المتعلقة بالوضع الوبائي بالمملكة، فرصة تنظيم عروض مسرحية أعادت بعض الدفء إلى المسارح. وقد عبر الكاتب المغربي ياسين عدنان عن هذه العودة التدريجية للحياة الثقافية والفنية إلى سابق نبضها، بالقول: «كأن هواءً جديداً بدأ يتسرّب إلى حياتنا. إلى حياة مدننا هنا. كأننا بدأنا نخرج من النفق بالتدريج. النفق الضيق الذي حشرَتْنا الجائحة فيه».
وضمن هذا المستجد الإيجابي، تابع عشاق المسرح عروضاً عديدة، بينها العرض المسرحي الذي اقترحه «مسرح أنفاس» والمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، يوم 16 يونيو (حزيران) الماضي، تحت عنوان «المدينة لي». كما استضافت مراكش ما بين 22 و27 نوفمبر (تشرين الثاني)، الدورة الخامسة عشرة من المهرجان الدولي للرقص المعاصر «نمشي» وبينالي الرقص في أفريقيا.

- فعاليات تشكيلية
حرصت مختلف المتاحف والأروقة وفضاءات العرض الفني التشكيلي على أن تفتح أبوابها بصيغ تساير مؤشرات الحالة الوبائية. وشكل تخليد الذكرى العاشرة لإحداث «المؤسسة الوطنية للمتاحف» بالمغرب مناسبة للوقوف على حصيلتها وإبراز الآفاق المستقبلة لمشاريع عملها، مع تقوية «الحكامة»، و«تثمين رصيد» المتاحف الوطنية و«جرد وحصر وتوثيق» رصيدها، و«دراسته علمياً والمحافظة عليه وصيانته وحمايته وفق المعايير المتعارف عليها والقوانين المنظمة لقطاع التراث»، و«إغناء المجموعات المتحفية التابعة لها من خلال حملات التجميع واستملاك أو تسهيلة استملاك أو شراء، بعوض أو بالمجان، الأعمال والتحف الفنية التي تكون لها قيمة تاريخية أو علمية أو دينية أو فنية أو أدبية أو إثنولوجية بهدف ضمها إلى مجموعات تلك المتاحف»، إلى جانب «التعريف بوظائف ودور المتاحف في تطور المجتمع وتشجيع الإبداع». وشكل معرض «دولاكروا... ذكريات رحلة إلى المغرب»، الذي نظم ما بين 7 يوليوز (تموز) و9 أكتوبر (تشرين الأول) بمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، نموذجاً للدينامية الفنية التي تشهدها المملكة على مستوى العرض التشكيلي.

- إصدارات متنوعة
وشهد العام ازدياداً في إصدارات الكتاب المغاربة من طرف دور نشر عربية. وغطت هذه الإصدارات مختلف مجالات الكتابة، في الرواية «رجال الدار البيضاء» لأحمد المديني، و«غبار ونجوم» ليوسف فاضل، و«والله إنّ هذه الحكاية لحكايتي» لعبد الفتاح كيليطو، و«كتاب السفر» لمحمد بهجاجي، و«الروايةُ وشعريةُ اليتمُ» (دراسة نقدية) للباحث والمترجم حسن المودن، و«التيهاء» (تخييل ذاتي) لعبد القادر الشاوي، و«قراءات من أجل النسيان» لعبد السلام بنعبد العالي، و«السينما العربية تجارب... رؤى... رهانات» لمحمد شويكة. كما شهد العام ترجمة أعمال أدبية مغربية إلى لغات أخرى، مثل رواية «هوت ماروك» للمغربي ياسين عدنان التي ترجمها إلى الإنجليزية المستعرب الأميركي أليكس ألينس رئيس قسم الدراسات العربية بجامعة هانتر بنيويورك.

- جوائز في النقد والإبداع
وحفل العام بباقة من الجوائز حصدها الكتاب المغاربة في مختلف أشكال الكتابة والإبداع، سواء داخل المغرب أو خارجه. منها جائزة المغرب للكتاب وفاز بها: محمد علي الرباوي عن مجموعته «رياحين الألم» (الجزء الرابع) بجائزة الشعر (مناصفة) مع رشيد المومني عن ديوانه «من أي شيء». فيما فاز بجائزة السرد إسماعيل غزالي عن روايته «قطط مدينة الأرخبيل»، وبجائزة العلوم الإنسانية (مناصفة) بوبكر بوهادي عن كتابه «المغرب والحرب الأهلية الإسبانية 1936 - 1939»، ويحيى اليحياوي عن كتابه «بيئة المعطيات الرقمية». وفاز بجائزة العلوم الاجتماعية (مناصفة) يحيى بن الوليد عن كتابه «أين هم المثقفون العرب؟ سياقات وتجليات»، وإدريس مقبول عن كتابه «الإنسان والعمران واللسان، رسالة في تدهور الأنساق في المدينة العربية»، فيما فاز بجائزة الدراسات الأدبية والفنية واللغوية نزار التجديتي عن كتابه «الناظم السردي في السيرة وبناتها: دراسات فيما وراء العيان والخبر»، وبجائزة الترجمة (مناصفة) أحمد بوحسن عن ترجمته لكتاب «مغامرات ابن بطوطة: الرحالة المسلم في القرن الرابع عشر الميلادي» ومحمد الجرطي عن ترجمته لكتاب «نهاية الحداثة اليهودية: تاريخ انعطاف محافظ»، وبجائزة الدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية خالد أنصار عن كتابه «الأصوات الصفيرية في الأمازيغية». فيما فاز بجائزة الإبداع الأدبي الأمازيغي (مناصفة) حسن أوبراهيم أموري عن روايته «تيتبيرين تيحرضاض»(الحمامات العاريات)، والطيب أمكرود عن ديوانه «أروكال» (جمر تحت الرماد)، بينما قررت اللجنة حجب جائزة الكتاب الموجه للطفل والشباب.
كما فاز الشاعر محمد الأشعري بجائزة «الأركانة» العالمية للشعر، في دورتها الخامسة عشرة. وفاز الباحث محمد مشبال بجائزة الملك فيصل بالمملكة العربية السعودية، في فرع اللغة العربية والأدب. كما فاز ثلاثة مبدعين مغاربة بجائزة «كتارا» للرواية العربية بالدوحة، في دورتها السابعة: الناقد محمد الداهي عن دراسته النقدية «سلطة التلفظ في الخطاب الروائي العربي المعاصر»، والناقد يحيى بن الوليد عن دراسته «مرايا التمدين والتهجين في الرواية العربية الجديدة... المغرب مِثالاً»، والروائي يونس أوعلي عن روايته غير المنشورة «أحلّاس، ذاكرة أليمة المدى».
وودع المغاربة عدداً من رموز الفن والأدب، منهم من مات متأثراً بإصابته بفيروس (كورونا): الكاتب محمد سبيلا، والفنان عبد المنعم الجامعي، والروائي بشير القمري، والحاجة الحمداوية رائدة الغناء الشعبي، والمخرج السينمائي محمد إسماعيل، والصحافي محمد الأشهب.



الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

تصدر قريباً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي كمال سبتي (1955 - 2006)، أحد أهم شعراء ما عُرف بجيل السبعينات في العراق. متضمنة ثمانية دواوين، مستهلةً بديوان «وردة البحر ـ 1980»، ومختتمةً بـ«صبراً قالت الطبائع الأربع ـ 2006». هنا نص مقدمة هذه الأعمال التي ستصدر عن «دار جبرا للنشر والتوزيع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان».

وقد كتب مقدمة المجموعة الكاملة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها:

«يحتاج شعر كمال سبتي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مما هو شائع من تقنيات شعرية تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هذه النزعات الأسلوبية، طالما أن الشعر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً.

شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فكر. والقصيدة لدى كمال معمار ذهني - فكري ونفسي، في الآن ذاته، يستمدّ فيها الشاعر مادته من مغاور النفس والسيرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمزاً. دون أن يستثني مادة الحلم من استثماره الفني والموضوعي، وهو ما يُتبيَّن أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص النثرية الطويلة، المتأخرة، ليتصادى ذلك مع قراءات الشاعر في الرواية أو اعتماده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعن هذه الأخيرة قد أشار إلى ذلك الشاعر نفسه في واحد من الحوارات التي أُجريت معه، ليرقى كلّ ذلك إلى أن يكون جزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المرة، مُسقَطة بالمحصلة على القصيدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو ما ينسحب بالقدر ذاته على نزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والقرآن والتراث، ما نجمَ أثره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربع»، وإلى حد ما في المجموعة السابقة لها. وهو فارق يلمسه القارئ، إجمالاً، بين المنحى الذي اتخذه شعر كمال سبتي في السبعينات أو الثمانينات وما صار إليه في التسعينات وما بعدها. وعلى الرغم مما ذهب إليه الشاعر من مدى أقصى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكان لقراءاته المذكورة آنفاً، دورها في بسط المناخ الملائم لانتعاش هذه القصيدة، ثانيةً، وقد بدت محافظة في شكلها، لكن بالاحتفاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شعر كمال سبتي، وبدافع من روح المعنى الذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخير، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية في ذاتها، قضية رافع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب.

تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عن كمال اهتمامه المفرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه به قبل النشر وبعده، لأن الشعر كان كل حياته، هذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه.

ولأهمية هذه الأعمال وضروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إلّا فيما ندر، ولأهمية أن تأخذ مكانها في مكتبة الشعر، عراقياً وعربياً، كانت هذه الخطوة في جمعها ومراجعتها وتقديمها للنشر. وقد كان لوفاء الصديق، الفنان المسرحي رياض سبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الحاسم في حفظ مجموعات الشاعر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حين تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به».

من المجموعة الكاملة:

«الشاعر في التاريخ»

الرجل الجالسُ في المكتبة

مورّخٌ يكتبُ عن شاعرٍ

الرجل الهاربُ في سيرةٍ

مشرّدٌ في الليل كالليلِ

رغيفهُ باردْ

رغيفهُ واحدْ

عنوانه مصطبة

محطّةٌ مغلقةُ البابِ

الرجلُ الخائفُ في سيرةٍ

يغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّةً

بلحية كثةٍ

ومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّةْ

بنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريقْ

يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرةْ

تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ.