الجائحة وحالات فقدان الشهية لدى الأطفال والمراهقين

الضغوط النفسية ساهمت بزيادة اضطرابات الطعام 3 مرات

الجائحة وحالات فقدان الشهية لدى الأطفال والمراهقين
TT

الجائحة وحالات فقدان الشهية لدى الأطفال والمراهقين

الجائحة وحالات فقدان الشهية لدى الأطفال والمراهقين

رغم أن جائحة «كوفيد - 19» ساهمت في بقاء الأطفال والمراهقين بالمنازل، إلا أن أحدث دراسة نشرت في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي، أشارت إلى أن الوباء أدى إلى زيادة اضطرابات الطعام (Eating Disorders)، وارتفاع نسبة فقدان الشهية في المراهقين خلافاً للتوقعات التي كانت تحذر من ارتفاع قياسي في معدلات السمنة، وزيادة الوزن، بسبب توقف المدارس وعدم ممارسة النشاط البدني بشكل كافٍ، خصوصاً في بداية العام الماضي.
وتوصلت الدراسة التي تناولت العلاقة بين الوباء والشهية، إلى النتائج من خلال دراسات شملت 6 من مستشفيات الأطفال من خمس مقاطعات في كندا.

فقدان الشهية
أوضحت الدراسة أن حالات فقدان الشهية تضاعفت عن المعدل المعروف لها قبل عام 2020، وأيضاً زادت نسبة الحجز في المستشفيات جراء اضطرابات الطعام ثلاث مرات عن المعدلات نفسها. وهذه الدراسة تؤكد النتائج نفسها التي حدثت في دراسات صغيرة سابقة في الولايات المتحدة وأستراليا فيما يتعلق بفقدان الشهية. ولكن الدراسة الحديثة ركزت فقط على الأطفال حديثي التشخيص بفقدان الشهية، وليس الذين كانوا يعانون بالفعل من قبل وتفاقمت حالتهم بعد الجائحة. وقال الباحثون إن النتائج تعكس الهوس الواضح للأطفال والمراهقين بصورة الجسد (body image)، والحرص على امتلاك جسد نحيف حتى في الأوقات الصعبة.
وذكرت الدراسة التي نشرت في مجلة «الرابطة الطبية الأميركية» (JAMA Network Open) أن الضغط النفسي على المراهقين كان كبيراً، لأن الصلة بين الاكتئاب والقلق وتغير مواعيد النوم والإقبال على الطعام معروفة. ولذلك كان الامتناع عن تناول الطعام نوعاً من رد الفعل العنيف وآلية دفاعية (defence mechanism) للحماية من خطر الإصابة بالبدانة المتوقع، وما يمكن أن يصاحبه من التنمر وتدني صورة الذات وفقدان الثقة في النفس، خصوصاً أن التواصل الإلكتروني عبر الكاميرا كان منتشراً وحتمياً في كثير من الأحيان وقت الدراسة عبر الإنترنت، مما يعطي فرصة أكبر للسخرية عبر إبداء التعليقات أو إرسال الصور الساخرة.
وحسب الجمعية الأميركية لاضطرابات الطعام بغض النظر عن الظرف الصحي الراهن، هناك نسبة حوالي 0.4 في المائة من الفتيات، ونسبة 0.1 في المائة من الفتيان يعانون من فقدان الشهية. وقد قام الفريق البحثي بحصر التشخيصات الجديدة للإصابة بفقدان الشهية لدى الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و18 عاماً، وذلك في الفترة بين مارس (آذار) 2020 وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وهي الفترة التي توقفت فيها الدراسة والأنشطة الأخرى بشكل كامل في كندا. وقاموا بعد ذلك بمقارنة هذه الأرقام والنسب التي وجدوها مع الأرقام في سنوات ما قبل الجائحة، التي تعود إلى عام 2015.

ضغوط نفسية
وجدت الدراسة أن متوسط عدد حالات فقدان الشهية الجديدة في المستشفيات كان حوالي 41 حالة شهرياً أثناء فترة الجائحة بعد أن كان المتوسط حوالي 25 حالة فقط في الفترة ما قبل بداية الحظر. وأيضاً على مستوى الحجز في المستشفى جراء فقدان الشهية كان متوسط الحالات التي تم حجزها 20 حالة شهرياً في عام 2020 مقابل 8 حالات فقط في السنوات السابقة.
وفى دراسة سابقة للفريق البحثي نفسه مبكراً هذا العام تبين أن عدد الحالات التي تم حجزها في المستشفى بسبب اضطرابات الطعام بشكل عام شهد ارتفاعاً قياسياً في السنة الأولى من الوباء، حيث تضاعفت الحالات مقابل عام 2017.
أوضح الباحثون أن النتائج الجديدة تؤكد حقيقة أن المراهقين في مختلف البلدان عانوا من الضغوط النفسية نتيجة تغير الروتين الطبيعي لحياتهم، وما صاحبه من تغير في نمط تناول الطعام. وكان العامل الأساسي المشترك الاهتمام المبالغ فيه بصورة الجسد أمام الآخرين. ومع عدم وجود أي فاعليات أو مشاغل دراسية أو اجتماعية كان الخوف من زيادة الوزن مع عدم إمكانية ممارسة الرياضة هو ما دفعهم لتجنب الطعام، خصوصاً أن المراهقين كانت دائماً ما تصلهم رسائل حول الزيادة المريعة المتوقعة في الوزن بشكل وبائي مع «كورونا».
ذكرت الدراسة أن حملة التخلص من الوزن الزائد أثناء الجائحة، التي عرفت بـ«كوفيد - 15» (COVID 15) (بعد أن أشارت إحدى الدراسات إلى أن الزيادة في الوزن في فترة الحظر كانت تقريباً 15 رطلاً)، كان لها الأثر الأكبر في فقدان الشهية لأنها حملت أثاراً سلبية للغاية في أذهان المراهقين، حيث تم تداول تلك النتائج على أنها حتمية وليس هناك حل للتخلص منها سوى تقليل الطعام أو الامتناع عن تناوله نهائياً قدر الإمكان، وهو ما أدى إلى فقدان الشهية نفسياً.
ونصحت الدراسة الآباء بضرورة ملاحظة المراهقين وعاداتهم الغذائية، خصوصاً أن فقدان الشهية لا يحدث بين ليلة وضحاها، ولكن يحدث بشكل متدرج، وهناك علامات تعد إنذاراً مبكراً مثل الانشغال الزائد بالوزن وقياسه بعد تناول كل وجبة والتدقيق المبالغ فيه في المحتوى الغذائي لكل طعام يتم تناوله، والقلق بشأن الكميات المعتادة منه، والامتناع عن تناول وجبة معينة في اليوم وممارسة الرياضة بشكل عنيف فقط للتخلص من الوزن. ومن أهم العلامات لجوء المراهق إلى القيء لإفراغ المعدة من الغذاء الذي تم تناوله. ويجب على الآباء طمأنة المراهقين بشأن الزيادة البسيطة في الوزن (في حالة حدوثها)، والتأكيد على أن التخلص من الوزن في فترة الشباب يكون أمراً سهلاً، كما يجب أن يتم دعم المراهق نفسياً وجعله يشعر بالتقبل من العائلة في كل الأحوال، وتوضيح أن الصورة المثالية للجسد ليست بالضرورة أن تكون لجسم شديد النحافة.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك من اليسار: القلب السليم مقابل القلب المصاب بالرجفان الأذيني (غيتي)

تتبُع الرجفان الأذيني باستخدام ساعة ذكية؟ تجنّبْ هذا الفخ

يعاني الملايين من الأميركيين من الرجفان الأذيني - وهو اضطراب سريع وغير منتظم في إيقاع القلب يزيد من خطر المضاعفات القلبية الوعائية، بما في ذلك السكتة الدماغية

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك الأحياء الحضرية تشجع السكان على المشي (جامعة ويسترن أونتاريو)

الأحياء المزدحمة تشجع السكان على المشي

أفادت دراسة أميركية بأن تصميم الأحياء السكنية يُمكن أن يؤثر بشكل كبير على مستوى النشاط البدني للأفراد، خصوصاً المشي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين
TT

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19» نُشرت أحدث وأطول دراسة طولية عن الأعراض الطويلة الأمد للمرض أجراها باحثون إنجليز في مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال Great Ormond Street Hospital for Children بالمملكة المتحدة بالتعاون مع عدة جامعات أخرى؛ مثل جامعة لندن ومانشستر وبريستول. وأكدت أن معظم الأطفال والمراهقين الذين تأكدت إصابتهم بأعراض كوفيد الطويل الأمد، تعافوا بشكل كامل في غضون 24 شهراً.

أعراض «كوفيد» المزمنة

بداية، فإن استخدام مصطلح (أعراض كوفيد الطويل الأمد) ظهر في فبراير (شباط) عام 2022. وتضمنت تلك الأعراض وجود أكثر من عرض واحد بشكل مزمن (مثل الإحساس بالتعب وصعوبة النوم وضيق التنفس أو الصداع)، إلى جانب مشاكل في الحركة مثل صعوبة تحريك طرف معين أو الإحساس بالألم في عضلات الساق ما يعيق ممارسة الأنشطة المعتادة، بجانب بعض الأعراض النفسية مثل الشعور المستمر بالقلق أو الحزن.

الدراسة التي نُشرت في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة Nature Communications Medicine أُجريت على ما يزيد قليلاً على 12 ألف طفل من الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً في الفترة من سبتمبر(أيلول) 2020 وحتى مارس (آذار) 2021، حيث طلب الباحثون من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم، تذكر أعراضهم وقت إجراء اختبار «تفاعل البوليمراز المتسلسل» PCR المُشخص للكوفيد، ثم تكرر الطلب (تذكر الأعراض) مرة أخرى بعد مرور ستة و12 و24 شهراً.

تم تقسيم الأطفال إلى أربع مجموعات على مدار فترة 24 شهراً. وتضمنت المجموعة الأولى الأطفال الذين لم تثبت إصابتهم بفيروس الكوفيد، والمجموعة الثانية هم الذين كانت نتيجة اختبارهم سلبية في البداية، ولكن بعد ذلك كان نتيجة اختبارهم إيجابية (مؤكدة)، فيما تضمنت المجموعة الثالثة الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية، ولكن لم يصابوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً، وأخيراً المجموعة الرابعة التي شملت الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قام الباحثون باستخدام مصطلح كوفيد الطويل الأمد عند فحص بيانات ما يقرب من ألف طفل من الذين تأكدت إصابتهم بالمرض ووجدوا بعد مرور عامين أن نحو 25 - 30 في المائة فقط من إجمالي المراهقين هم الذين لا يزالون يحتفظون بالأعراض المزمنة، بينما تم شفاء ما يزيد على 70 في المائة بشكل كامل. وكان المراهقون الأكبر سناً والأكثر حرماناً من الخدمات الطبية هم الأقل احتمالية للتعافي.

25 - 30 % فقط من المراهقين يظلون محتفظين بالأعراض المزمنة للمرض

استمرار إصابة الإناث

كان اللافت للنظر أن الإناث كن أكثر احتمالية بنحو الضعف لاستمرار أعراض كوفيد الطويل الأمد بعد 24 شهراً مقارنة بالذكور. وقال الباحثون إن زيادة نسبة الإناث ربما تكون بسبب الدورة الشهرية، خاصة أن بعض الأعراض التي استمرت مع المراهقات المصابات (مثل الصداع والتعب وآلام العضلات والأعراض النفسية والتوتر) تتشابه مع الأعراض التي تسبق حدوث الدورة الشهرية أو ما يسمى متلازمة «ما قبل الحيض» pre-menstrual syndrome.

ولاحظ الباحثون أيضاً أن أعلى معدل انتشار للأعراض الطويلة الأمد كان من نصيب المرضى الذين كانت نتائج اختباراتهم إيجابية في البداية، ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قال الباحثون إن نتائج الدراسة تُعد في غاية الأهمية في الوقت الحالي؛ لأن الغموض ما زال مستمراً حول الآثار التي تتركها الإصابة بالفيروس، وهل سوف تكون لها مضاعفات على المدى الطويل تؤدي إلى خلل في وظائف الأعضاء من عدمه؟

وتكمن أهمية الدراسة أيضاً في ضرورة معرفة الأسباب التي أدت إلى استمرار الأعراض في الأطفال الذين لم يتماثلوا للشفاء بشكل كامل ونسبتهم تصل إلى 30 في المائة من المصابين.

لاحظ الباحثون أيضاً اختلافاً كبيراً في الأعراض الملازمة لـ«كوفيد»، وعلى سبيل المثال هناك نسبة بلغت 35 في المائة من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم في البداية، ثم أصيبوا مرة أخرى بعد ذلك، لم تظهر عليهم أي أعراض على الرغم من إصابتهم المؤكدة تبعاً للتحليل. وفي المقابل هناك نسبة بلغت 14 في المائة من المجموعة التي لم تظهر عليها أي أعراض إيجابية عانت من خمسة أعراض أو أكثر للمرض، ما يشير إلى عدم وضوح أعراض كوفيد الطويل الأمد.

هناك نسبة بلغت 7.2 في المائة فقط من المشاركين عانوا بشدة من الأعراض الطويلة الأمد (5 أعراض على الأقل) في كل النقط الزمنية للدراسة (كل ثلاثة أشهر وستة وعام وعامين)، حيث أبلغ هؤلاء المشاركون عن متوسط خمسة أعراض في أول 3 أشهر ثم خمسة في 6 أشهر ثم ستة أعراض في 12 شهراً ثم خمسة في 24 شهراً بعد الإصابة، ما يؤكد ضرورة تقديم الدعم الطبي المستمر لهؤلاء المرضى.

بالنسبة للتطعيم، لم تجد الدراسة فرقاً واضحاً في عدد الأعراض المبلغ عنها أو حدتها أو الحالة الصحية بشكل عام ونوعية الحياة بين المشاركين الذين تلقوا التطعيمات المختلفة وغير المطعمين في 24 شهراً. وقال الباحثون إن العديد من الأعراض المُبلغ عنها شائعة بالفعل بين المراهقين بغض النظر عن إصابتهم بفيروس «كورونا» ما يشير إلى احتمالية أن تكون هذه الأعراض ليست نتيجة للفيروس.

في النهاية أكد العلماء ضرورة إجراء المزيد من الدراسات الطولية لمعرفة آثار المرض على المدى البعيد، وكذلك معرفة العواقب الطبية للتطعيمات المختلفة وجدوى الاستمرار في تناولها خاصة في الفئات الأكثر عرضة للإصابة؛ أصحاب المناعة الضعيفة.

* استشاري طب الأطفال