«8 أيام» بوليسية... العدالة في أفواه الشياطين

مسلسل من 8 حلقات على «شاهد» الأخيرة تقلب التوقعات

مكسيم خليل بشخصية «محامي الشيطان»
مكسيم خليل بشخصية «محامي الشيطان»
TT

«8 أيام» بوليسية... العدالة في أفواه الشياطين

مكسيم خليل بشخصية «محامي الشيطان»
مكسيم خليل بشخصية «محامي الشيطان»

تشابك أحداث مسلسل «8 أيام» المعروض بحلقاته الثماني على «شاهد»، يضيف متعة إلى متابعته. فالعمل مشغول على قاعدة «حبس الأنفاس»، منذ الجريمة الغامضة وتورط المحامي «أمير» (مكسيم خليل)، إلى تساقط الأقنعة لتنكشف فضائح تعري أسماء كبيرة في أجهزة الأمن وشبكات المافيا. الحبكة المتقنة ومفاجأة الحلقة الأخيرة، ورقتا المسلسل الرابحتان، هو الفارض تصنيفه خارج كليشيه بعض الدراما البوليسية العاجزة عن تسديد الضربة القاضية.
يكتب مجدي السميري ويخرج مسلسلاً لا يجهد في الوعظ بالصح والخطأ وإلقاء الخطب الأخلاقية. يضع في الواجهة بطلاً بصفة محامٍ، ويلعبه مع الشياطين، فيتبين أنه واحد منهم. ظل مكسيم خليل «يخادع» بملامحه «البريئة»، حد التعاطف معه كضحية، فدار دولاب الأيام، ورد له ما اقترفته يداه. بقاء النهاية مفتوحة يؤكد الحقيقة المرة: العدالة منقوصة على الأرض.
ثماني حلقات تبدأ بجريمة وتنتهي بجرائم. مكسيم خليل أكثر من «محامي الشيطان». إنه «محامي الشياطين» المحتفل معهم بصفقات الشر. رجل بوجوه زائفة، يملك وجهاً صادقاً واحداً هو الأبوة. ومع ذلك، هي أبوة متناقضة، طافحة بالشيء وضده. فهو برغم تعلقه بابنته المراهقة وخوفه على مشاعرها، يزج نفسه في قضايا الدفاع عن مشغلي قاصرات بالدعارة، ويخرج الوحوش ببراءة من التهم المثبتة.
حين وثقت به امرأة، فرط بالثقة. نشتاق إلى سنتيا خليفة في الدراما اللبنانية أو اللبنانية السورية المشتركة، بعدما أبعدتها مسلسلات مصر ونجاحاتها. تشكل مع مكسيم خليل مغامرة غريبة الأطوار. تظن لوهلة أن الحب قد يشتعل بين متهم بجريمة قتل وضابطة تحقيق في الشرطة. تصدقه وتساعده، ثم يظهر أمامها الذئب الذي يسكنه. هي الهاربة من ماضيها الأليم، حيث الأب (صورة الرجل في رأسها) معنف وقاس، شطبت وجوده بطعنة سكين في حوض الاستحمام.
تحسن إخفاء الألم خلف ندوب متكتلة على جسدها، تجرها معها منذ الطفولة. هذه القوة في شخصية الشرطية، المغلفة بحاجة ملحة لابتلاع الحبوب المهدئة، سرعان ما بدت مشرعة على الاختراق. كانت عرضة لجراحات حب في غير أوانه وجسور طمأنينة مقطوعة سلفاً. خليفة تجسيد المرأة الصلبة والحزينة، العاشقة والنادمة، والشرطية في التخلي عن مبالغات الجمال وفي امتهان استعمال السلاح وعمليات الدهم، وأيضاً في نداء الواجب حين تخيرها الحياة بين أوهامها العاطفية المتساقطة وضميرها.
يذكر المسلسل (إنتاج «فالكون فيلمز») بما لا ينبغي إغفاله: عالم الفساد وخطورة أزلامه؛ من هم في الواجهة ومن هم «رأس الحية» في السر. من خلال الضابط كريم (بديع أبو شقرا)، توضع الإصبع على الجرح الأشد التهاباً: الرؤوس المتورطة في الدولة. وبرغم أن العمل يتعمد إخراج ثنائية الزمان والمكان من معادلته، مكتفياً بالإشارة إلى الأيام الثمانية من حياة المحامي «أمير»، فإنه يفتح نقاشاً حول الأيدي الملوثة في المجاري الحيوية، ويكشف المستور خلف البزات الرسمية ودوامات العمل والتقارير المزورة والتلطي وراء «البيزنس» المشبوه.
تسليم الضربة القاضية لممثل بحجم باسم ياخور، فيطل في الحلقة الأخيرة ليقلب التوقعات، نقطة إضافية يكسبها المسلسل. تتحول القصة من شبكة مافيا تتاجر بالبشر وترمي قاصرات بين أنياب مهووسين جنسياً، إلى مسألة رد اعتبار شخصي على علاقة بإحقاق العدالة والاقتصاص من المجرمين، بالجملة.
يمكن انتظار مسلسل يملك رهانات يدرك أنها لن تخسر. كرهانه على قلب الطاولة بإطلالة ياخور في حلقة واحدة، وعلى احتراف التمثيل وانسجام النص مع الصورة. خلف القضية الأساسية، الفساد، تمرر رسائل عالية النبرة عن الإفلات من العقاب، وتولد تبريرات لا تقيم وزناً للقيم الأخلاقية وأحاسيس البشر.
عالم «تحت الأرض»، وما يتخذ شكلاً غير شكله الحقيقي. علبة، في علب. ودوائر يلتف حولها الخارجون على القانون ويحتمون بإطارها المغلق. القانون نفسه ضحية. هناك دائماً الأشخاص المناسبون لتمييعه والاستخفاف به. أشخاص من صنف «أمير» في المحاماة و«كريم» في الشرطة. وربما «دانا» (إلسا زغيب) في الحياة الزوجية المشرعة على الخيانة والتآمر، و«ميرا» (ليزا الدبس) الناجية على طريقتها بحب مغمس بالوحول.
الطيبون غالباً يدفعون الثمن حين يطاردون الشياطين المتنقلة. يمر فؤاد يمين بشخصية «الهاكر» الذي يستدل على الرؤوس الكبيرة، فتصفيه بلا رحمة، مروراً عاطفياً حزيناً. فهو كبش محرقة في دوامة مفترسين يزيحون من طريقهم شجعان الحقيقة. الموسى على رقبة الجميع، فيهدد الضابط «جورج» (الموهوب إلياس الزايك) بأمه لينجر إلى الخضوع. حياة الإنسان تكلف رصاصة، والفم المفتوح على النطق بالمستور تسحب منه أنفاسه الأخيرة.
كان يستحيل الاقتناع بأن مكسيم خليل سيكتفي بالشخصية البريئة. لن تسليه لعبة أن يكون وحده الداهية، فالعالم بارع في توليد نماذج التلاعب والكذبة. على لسانه، يستحضر منطق «الكارما»، وصفعات الدنيا المسددة نحو وجوه تستحقها. مواجهته في مشهد الختام مع باسم ياخور المفجوع بمقتل ابنته الهاربة من سوريا بعد الحرب والملتحقة بشبكة الدعارة، من دون الكشف عن خلاصتها، مواجهة مفتوحة على احتمالين: الحسم أو التسوية. العالم على حقيقته أكثر نذالة مما نعتقد.


مقالات ذات صلة

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق من وجهة نظر العلاج بالفنّ (غيتي)

علاج القلق والكآبة... بالمسلسلات الكورية الجنوبية

رأى خبراء أنّ المسلسلات الكورية الجنوبية الزاخرة بالمشاعر والتجارب الحياتية، قد تكون «مفيدة» للصحة النفسية؛ إذ يمكنها أن تقدّم «حلولاً للمشاهدين».

«الشرق الأوسط» (سيول)
يوميات الشرق الفنانة مايان السيد في لقطة من البرومو الترويجي للمسلسل (الشركة المنتجة)

«ساعته وتاريخه»... مسلسل ينكأ جراح أسرة مصرية فقدت ابنتها

أثار مسلسل «ساعته وتاريخه» التي عرضت أولى حلقاته، الخميس، جدلاً واسعاً وتصدر ترند موقع «غوغل» في مصر، خصوصاً أن محتوى الحلقة تناول قضية تذكّر بحادث واقعي.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق سهر الصايغ خلال تسلمها إحدى الجوائز (حسابها على إنستغرام)

سهر الصايغ: تمردت على دور «الفتاة البريئة»

قالت الفنانة المصرية سهر الصايغ إنها تشارك في مسلسل «أسود باهت» بدور «شغف» التي تتورط في جريمة قتل وتحاول أن تكشف من القاتل الحقيقي.

مصطفى ياسين (القاهرة )
يوميات الشرق مريم الجندي في مشهد يجمعها بأحد أبطال المسلسل (لقطة من برومو العمل)

«ساعته وتاريخه» مسلسل مصري يجذب الاهتمام بدراما حول جرائم حقيقية

في أجواء لا تخلو من التشويق والإثارة جذب المسلسل المصري «ساعته وتاريخه» الاهتمام مع الكشف عن «البرومو» الخاص به الذي تضمن أجزاء من مشاهد مشوقة.

انتصار دردير (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».