شلل سياسي في العراق بسبب تأخر المصادقة على نتائج الانتخابات

خبير قانوني: نظر الطعون الانتخابية ليس من اختصاص المحكمة الاتحادية

TT

شلل سياسي في العراق بسبب تأخر المصادقة على نتائج الانتخابات

لا شيء سوى التصريحات المتضاربة بين الأطراف السياسية في العراق، وفي المقدمة منهم الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي. ومع أن الكتلة الصدرية تعتمد في الغالب على التغريدات التي يصدرها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، فإن تصريحات قوى الإطار التنسيقي، التي تضم أبرز القوى الخاسرة في الانتخابات، وفي المقدمة منها «الفتح»، بزعامة هادي العامري، و«عصائب أهل الحق»، بزعامة قيس الخزعلي، و«قوى الدولة»، بزعامة عمار الحكيم، و«حقوق» التي تنتمي إلى «كتائب حزب الله»، و«دولة القانون»، بزعامة نوري المالكي، تعكس إرادات مختلفة.
الصدريون الفائزون بأعلى الأصوات (74 مقعداً) لا يزالون يصرون على تشكيل حكومة أغلبية وطنية تضم من بين مات ضم السنّة والأكراد. أما قوى «الإطار التنسيقي»، فإنها، رغم استمرارها في التظاهر والاعتصام منذ أكثر من شهرين، كثيراً ما تطلق تصريحات تحاول من خلالها استفزاز الصدريين، وذلك لجهة قولهم إنهم هم الكتلة الأكبر، من منطلق أن أصواتهم مجتمعين تبلغ 76 مقعداً.
الكرد والسنَّة بدأوا مؤخراً حراكاً سياسياً باتجاه تحديد بوصلة مشاركتهم في الحكومة المقبلة، عبر سقوف عالية تتمثل في أنهم يريدون الشراكة في القرار السياسي والأمني لا مجرد المشاركة في الحكومة وتوزيع المناصب مرة حسب المكونات ومرة حسب الاستحقاق الانتخابي. وفي الوقت الذي ليس هناك جديد في تصريحات الشيعة، بمن فيهم الفائزون والخاسرون في الانتخابات بسبب تأخر مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج، وتبدو تصريحات السنة والكرد لأغراض الاستهلاك المحلي أمام جمهورهم ومناطقهم، فإن الشلل التام يسود المشهد السياسي. ولا يلوح في الأفق ما يُمكن أن يشير إلى إمكانية وصول الأطراف الشيعية إلى حلول وسط فيما بينهم، بينما لم يحسم الكرد والسنة بعد مرشحيهم لمنصبي رئيس الجمهورية (الكرد) والبرلمان (العرب السنة). ففضلاً عن الخلافات الداخلية بينهم، فإنهم ينتظرون ماذا يمكن أن يترتب على الموقف الشيعي لأنه في النهاية لا يمكن تمرير أي مرشح كردي لمنصب رئيس الجمهورية وسني لمنصب رئيس البرلمان ما لم يحظَ بتوافق شيعي قبل التصويت داخل البرلمان.
من جهتها، فإن المحكمة الاتحادية تواصل تأخير المصادقة على النتائج. وفيما يختلف رجال القانون بشأن ما إذا كان هذا التأخير طبيعياً ما دام لا يوجد سقف زمني للمحكمة في المصادقة، فإن التأخير باتت أسبابه واضحة، وهو منح المحكمة الاتحادية فرصة كافية للقوى السياسية الوصول إلى حلول توافقية لكي لا تنزلق الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه، ما دامت المظاهرات مستمرة منذ أكثر من شهرين.
وفي سياق البحث عن أسباب تأخير مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج، يقول الخبير القانوني أحمد العبادي لـ«الشرق الأوسط» إن «المصادقة على أسماء الفائزين في الانتخابات واجب المحكمة حسب المادة 93 من الدستور». وبشأن الطعون المقدمة إليها من قبل القوى الخاسرة، يقول العبادي: «الطعون ليست من اختصاصها، لأنه في حال توجد مخالفات وخروقات أثناء عملية التصويت، فذلك في الحقيقة من اختصاص الهيئة القضائية وليس المحكمة الاتحادية».
ورداً على سؤال بشأن التأخير على المصادقة، يرى العبادي أنه «غير مبرر لأنه من الممكن للمحكمة الاتحادية العليا، ومثلما حصل في سنوات سابقة المصادقة الجزئية على النتائج، بمعنى أن هناك أسماء عليها قيود جنائية أو سواها، حيث لا يمكن المصادقة عليها ما لم يتم حسمها، وبالتالي فإن عدم المصادقة التامة ودون ذكر الأسباب ليس مبرراً، لا سيما - وكما قلنا - أن الطعون المقدمة إليها هي أصلاً ليست من اختصاصها».
وعلى صعيد الشلل الذي يسود المشهد السياسي، يرى الدكتور إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي، لـ«الشرق الأوسط» أن «التأخير في المصادقة وحتى التأخير في تشكيل الحكومة القادمة ليس بجديد، حيث إن أغلب الحكومات تتأخر في التشكيل، وهذا في الغالب جزء من المناورة السياسية التي تعتمدها معظم القوى السياسية والأطراف والأحزاب التقليدية، ولها غايات من وراء ذلك، في المقدمة منها كسب الوقت لغرض الانخراط في مفاوضات ومحاولة تحقيق مكاسب مشتركة للقوى الفائزة»، مبيناً أن «الجانب الذي ربما يكون جديداً هو محاولة تبرير الخسارة، لكن مما لا يقبل الشك أننا أمام خلل كبير على مستوى النصوص الدستورية والآليات القانونية التي لا بد أن تُحسم أو تضع حداً لهذا النوع من المناورات».
وأوضح الشمري أن «استمرار حكومة تصريف الأعمال لشهور طويلة سوف ينعكس على جميع مستويات الحياة الاقتصادية والأمنية وسواها، لا سيما أن الشارع العراقي يترقب شيئاً جديداً على مستوى البرامج القابلة للتنفيذ من قبل الحكومة المقبلة، وبالتالي فإن عملية التأخير لم تعد مبررة». وأكد الشمري أن «هناك عدم اهتمام بحاجات الناس من قبل الطبقة السياسية لا سيما أن القوى والأحزاب لن تتأثر بذلك، وبالتالي فنحن بحاجة إلى إعادة النظر في الدستور لكي نتلافى هذا التأخير الذي يكاد يطال كل الانتخابات».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم