لماذا يثير متحور «أوميكرون» القلق والتفاؤل في الوقت نفسه؟

عالمة تقوم بفحص عينات من متحور «أوميكرون» في مركز للأبحاث بجنوب أفريقيا (أ.ب)
عالمة تقوم بفحص عينات من متحور «أوميكرون» في مركز للأبحاث بجنوب أفريقيا (أ.ب)
TT

لماذا يثير متحور «أوميكرون» القلق والتفاؤل في الوقت نفسه؟

عالمة تقوم بفحص عينات من متحور «أوميكرون» في مركز للأبحاث بجنوب أفريقيا (أ.ب)
عالمة تقوم بفحص عينات من متحور «أوميكرون» في مركز للأبحاث بجنوب أفريقيا (أ.ب)

يعدّ متحور «أوميكرون» من فيروس كورونا مثيراً للقلق لسبب واضح، فإذا تم التأكد من أنه أكثر قابلية للانتقال، كما تشير جميع البيانات الأولية، فسيبدأ في استبدال «دلتا»، وهي السلالة الوحيدة التي أصبحت مهيمنة تقريباً في كل بلدان العالم. سوف يؤدي «أوميكرون» إلى المزيد من العدوى، وهذا بدوره قد يؤدي إلى المزيد من حالات دخول المستشفى والوفيات. لكن هناك جانباً آخر من المتحور غير معروف: ما إذا كان يسبب حالات أكثر خطورة من «كوفيد - 19» أم لا. إذا تسبب في مرض أكثر اعتدالاً، كما يقترح بعض الأطباء في جنوب أفريقيا، فقد يكون ظهور «أوميكرون» خطوة جيدة في الواقع، وفقاً لصحيفة «إل باييس» الإسبانية.
وتتمثل إحدى النتائج المحتملة لفيروس كورونا في أنه من خلال العيش بيننا، حيث نتعرض له، ونتلقى التطعيم ونتناول الأدوية لحماية أنفسنا، أي أنه قد يتحول إلى مرض موسمي مثل نزلات البرد أو الإنفلونزا. يمكن أن تؤدي طفرات الفيروس ذاتها إلى تسريع العملية نحو هذا السيناريو. ومتغير «أوميكرون» عبارة عن عدد كبير من الطفرات معاً. يقدم هذا بصيصاً من الأمل، ولكن لا ينبغي أن يخدعنا أو يسمح لنا بأن نصبح أكثر ثقة، حيث قال جميع الخبراء الذين تحدثوا إلى «إل باييس» في الأيام الأخيرة، إنهم كانوا ليشعروا بهدوء أكثر لو لم يظهر «أوميكرون».

في الوقت الحالي، هناك الكثير من الأمور المجهولة حول مدى تأثير «أوميكرون» على الصحة العامة. تشير البيانات الأولية إلى أن المتغير أكثر عدوى، لكن العلم لا يزال لا يعرف إلى أي مدى. يُعتقد أنه يسبب المزيد من الأعراض البسيطة، ولكن لا توجد عيّنة كبيرة بما يكفي أو متنوعة بدرجة كافية (مع اختلاف الأعمار والحصانة) لمعرفة ما إذا كان هذا هو الحال بالفعل. أصبح من الواضح بشكل متزايد أن «أوميكرون» قادر على التهرب من لقاحات «كورونا» والمناعة الطبيعية عندما يتعلق الأمر بالعدوى، ولكن من المحتمل جداً أن تظل هذه الأشكال من الحماية قادرة على منع الشخص من الإصابة بأعراض خطيرة.
هذه المتغيرات، جنباً إلى جنب مع ما يبدو أنه قدرة أكبر على الإصابة مرة أخرى، تشكل المعادلة التي ستحدد مستقبل المتحور. أحد السيناريوهات التي طرحتها منظمة الصحة العالمية، هو أن المتغير أكثر عدوى وأنه يسبب مرضاً شديداً أو أقل خطورة قليلاً من السلالات المكتشفة حتى الآن – لكن لا شيء يشير إلى أنه أسوأ. وفقاً للتقرير الوبائي الأسبوعي لمنظمة الصحة العالمية، تم اكتشاف «أوميكرون» في 57 دولة وبدأ في التفشي بصورة واسعة في جنوب أفريقيا.
وجاء في التقرير «حتى إذا كانت شدة الأعراض مساوية أو يحتمل أن تكون أقل من تلك المرتبطة بمتحور (دلتا)، فمن المتوقع أن تزداد حالات الاستشفاء إذا أصيب عدد أكبر من الأشخاص بالعدوى، وستكون هناك فترة زمنية بين الزيادة في حدوث الحالات والزيادة في عدد الوفيات».
لكن لماذا قد يتسبب المتحور في المزيد من الوفيات إذا تسبب في مرض أقل خطورة؟ يعود الأمر كله إلى الأرقام: إذا كان «أوميكرون» قادراً على إصابة المزيد من الأشخاص، حتى لو كانت احتمالية إصابة الفرد بالمرض أقل، فإن العدد الإجمالي للوفيات لجميع السكان سيكون أعلى. لكي يكون لوصول «أوميكرون» آثاراً جيدة، يجب أن تكون قدرته على التسبب في مرض شديد أقل بكثير من السلالات السابقة. تم اكتشاف عدد قليل فقط من الحالات الخطيرة بسبب «أوميكرون»، ولكن من الصحيح أيضاً أنه حتى الآن يميل الشباب إلى إظهار أعراض طفيفة.

ولا يُعرف سوى القليل عن كيفية ظهور فيروسات كورونا التي تتعايش مع البشر وتتسبب في الإصابة بنزلات البرد على ما هي عليه اليوم. يعتقد بعض الخبراء، أنه في وقت من الأوقات تسببت هذه الفيروسات في مرض أكثر خطورة وانتشرت في جميع أنحاء العالم. وبعد إصابة المضيفين وإعادة العدوى، والسلالات التي ظهرت، وبمجرد أن اعتاد البشر عليها، تحولت إلى مسببات أمراض مزعجة ولكنها غير قاتلة، حيث تسبب الزكام، السعال والتهاب الحلق وارتفاع درجات الحرارة في أسوأ الحالات.
وأحدث الفيروسات التاجية الأربعة التي تعيش حتى الآن مع البشر هو فيروس «إتش - كوف - أو سي 43»، ويعتقد بعض المؤلفين، أن هذا الفيروس قد يكون العامل الذي تسبب في الوباء الذي نشأ مع ما يسمى بالإنفلونزا الروسية، مع ارتفاع معدلات الوفيات بين عامي 1889 و1890. واليوم هو فيروس غير مؤذٍ يسبب نزلات البرد.
في المستقبل، يمكن أن يصبح «سارس - كوف - 2» شيئاً مشابهاً، وقد يكون «أوميكرون» خطوة في هذا الاتجاه.


مقالات ذات صلة

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.