صحافيون سودانيون: لا لتكميم الأفواه

طالبوا في وقفة احتجاجية بإعادة بث إذاعة «هلا» المحلية وإذاعات دولية

الاحتجاجات مستمرة في الخرطوم بمدنها الثلاث (أ.ب)
الاحتجاجات مستمرة في الخرطوم بمدنها الثلاث (أ.ب)
TT

صحافيون سودانيون: لا لتكميم الأفواه

الاحتجاجات مستمرة في الخرطوم بمدنها الثلاث (أ.ب)
الاحتجاجات مستمرة في الخرطوم بمدنها الثلاث (أ.ب)

نظم عشرات الصحافيين السودانيين وقفة إحتجاجية أمس أمام مقر إذاعة «هلا إف إم» المحلية، للتنديد باستمرار وقف بث إذاعات محلية ودولية تبث على موجات «إف إم»، عقب الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والتي اعتبرتها المعارضة وقوى دولية وإقليمية «انقلاباً عسكرياً».
وطالب الصحافيون الذين احتشدوا أمام مقر الإذاعة على شارع النيل بالخرطوم، بالسماح للإذاعات المتوقفة بمعاودة البث فوراً، واصفين ما يحصل بأنه اعتداء على الحريات الصحافية والعامة. ونددوا بالانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون والإعلاميون ووسائل الإعلام منذ قرارات البرهان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتواصل السلطات العسكرية وقف بث «إذاعة هلا» المحلية، وإذاعات «بي بي سي»، «مونت كارلو»، و«سوا السودان» الدولية، وإذاعات محلية أخرى. بيد أنها سمحت لبقية الإذاعات بمعاودة البث.
وقال مدير إذاعة «هلا» ياسر أبو شمال لـ«الشرق الأوسط»، إن السلطات منذ عهد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، كانت تلزم الإذاعات التي تبث على موجة «إف إم» بوضع جهاز البث الخاص بها في محطة محددة بهدف إحكام السيطرة عليها، وبما يمكّنها من إيقاف بث أي إذاعة لا ترضى عنها.
وأوضح أبو شمال أن الصحافيين والعاملين في الإذاعة تفاجأوا في صبيحة 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بقطع بث إذاعتهم، ثم اكتشفوا أن السلطات العسكرية أوقفت كل الإذاعات التي كانت تبث على محطة «إف إم». بيد أنها، وبعد خمسة أيام من «الانقلاب»، سمحت لمعظمها بمعاودة البث باستثناء «هلا» وإذاعات دولية أخرى بقيت متوقفة ولم يسمح لها بمعاودة البث مجدداً.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن المسؤولين في إذاعة «هلا» استفسروا «هيئة البث الرسمية»، التي يترأسها ضابط بالقوات المسلحة، عن أسباب إيقاف بث إذاعتهم، فأبلغهم بأن الإذاعة تنتقد قادة الجيش، في إشارة إلى قادة مجلس السيادة العسكريين، وعلى رأسهم رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان. وقال أبو شمال: «رددنا أمامهم بأننا حين ننتقد قادة المجلس العسكري لا نتعامل معهم باعتبارهم عسكريين، بل سياسيون يمارسون وظائف سياسية». وأضاف أن السلطات المسؤولة عن البث وعدتهم «خيراً»، لكنها لم ترفع بعد القيود عن البث، والمستمرة منذ أكثر من 44 يوماً.
وطالب الصحافيون في وقفتهم الاحتجاجية أمس بإعادة البث للإذاعة والإذاعات الأخرى الممنوعة من البث، ورددوا شعارات: «صحافة حرة أو لا صحافة»، «لا لتكميم الأفواه»، وغيرها من شعارات الثورة السودانية.
وقالت الصحافية السودانية عائشة السماني، إنها شاركت في الوقفة الاحتجاجية دفاعاً عن حرية الصحافة والحريات بشكل عام. واعتبرت ما حدث لإذاعة «هلا» وبقية الإذاعات الموقفة، تعديا مباشر على الصحافة ووسائل الإعلام بشكل عام. وأضافت: «لقد استهدف الانقلاب منذ أيامه الأولى الصحافيين والصحف. اعتقل صحافيين، واعتدى على مؤسسات صحافية»، وهذه مواقف مناقضة لشعارات الثورة السودانية الوثيقة الدستورية التي كفلت حرية التعبير.
وأوضح مراسل إذاعة «مونت كارلو» الدولية إسلام عبد الرحمن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عقب الوقفة الاحتجاجية، أن السلطات أوقفت بث إذاعته من دون إبداء أسباب، ولم تسمح لها بمعاودة البث منذ ذلك التاريخ. وقال: «أوقفوا بثنا مع إذاعات أخرى، لكنهم سمحوا لبعضها بإعادة البث، فيما لا نزال ممنوعين عن البث». ولم يتسن الاتصال بإذاعة «راديو سوا سودان» الأميركية.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر قريب من إذاعة «بي بي سي» العربية، ذات السمعة الطويلة في السودان، والتي تحظى باستماع كبير، أن السلطات أوقفت البث، متذرعة بأن الإذاعات الممنوعة من البث أطلقت على قرارات البرهان وصف «انقلاب عسكري».
وتراجعت الحريات الصحافية بشكل كبير عقب قرارات البرهان، حيث اعتقلت السلطات أعداداً من الصحافيين، وألقت القبض على مدير قناة «الجزيرة» مسلمي الكباشي، وحققت مع الصحافي شوقي عبد العظيم مطولاً، واستدعت مراسل «الشرق الأوسط» في الخرطوم.
وظل الصحافيان، فيصل محمد صالح الذي كان يشغل منصب مستشار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الإعلامي، والصحافي ماهر أبو الجوخ، اللذين ألقت السلطات القبض عليهما، في الاعتقال التحفظي والحبس الانفرادي لأكثر من شهر، قبل أن تفرج عنهما لاحقاً.
واعتدت قوات عسكرية على مكاتب صحيفة «الديموقراطي»، ومارست عمليات تخريب للممتلكات والأجهزة، لكنها لم تجد ناشرها الصحافي الحاج وراق هناك، والذي لا يزال مكانه غير معروف. وتراوحت التكهنات بأنه مختبئ في مكان ما، أو أن السلطات ألقت القبض عليه من دون أن تعلن ذلك.
كما أغلقت السلطات وكالة الأنباء الرسمية «سونا» وتسلمت مفاتيحها، قبل أن تعيد تشغيلها، وتعيين مدير جديد لها، مكان مديرها السابق محمد عبد الحميد الذي لا يزال مختفياً أو مخفياً هو الآخر.



سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
TT

سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)

مع دخول الحرب التي أشعلها الحوثيون عامها العاشر، لا يزال ملايين من النازحين يعانون جراء غياب الخدمات ويعيشون في تجمعات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، حيث تشكل أزمة المياه النظيفة في مناطق الساحل الغربي لليمن واحدة من صور المعاناة التي يعيشها النازحون بسبب الحرب.

يقول حسن، وهو أب لأربعة أطفال وصل إلى منطقة «يختل» قبل خمس سنوات، إنهم يسيرون لساعات من أجل جلب بضعة صفائح من الماء، وفي بعض الأيام، يعود وأطفاله خالي الوفاض، حيث يبدو أن المياه تفرّ بعيداً عن متناول اليد.

الصراع من أجل المياه في اليمن تفاقم بسبب سنوات الحرب (الأمم المتحدة)

ولأن الحرب أجبرت أكثر من 4.5 مليون يمني على ترك منازلهم، فقد لجأ الكثير منهم إلى قرى ريفية مثل «يختل» القريبة من ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر، ومع وصول المزيد من الأسر النازحة، وغالباً لا يحملون سوى الملابس على ظهورهم، زاد الضغط على الموارد الشحيحة بالفعل.

وفي ظل هذه الظروف، يتنافس السكان المتزايدون على الوصول إلى المياه والمأوى والخدمات الأساسية؛ مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي يواجهها كل من النازحين والسكان المحليين. كما أدى انخفاض خصوبة التربة وزيادة ملوحة مصادر المياه وارتفاع مستويات سطح البحر إلى تهديد الزراعة على طول الساحل الغربي، خصوصاً في هذه المنطقة.

لهذا؛ يجد سكان المنطقة، الذين اعتمدوا في السابق على الزراعة على نطاق صغير لإعالة أسرهم، أنه من المستحيل تقريباً زراعة المحاصيل أو إطعام مواشيهم، حيث أصبح المناخ معادياً بشكل متزايد لأساليب الزراعة التقليدية.

كما أن صيد الأسماك على نطاق صغير، الذي كان أيضاً شريان حياة للاقتصاد المحلي، في انحدار. ومع فشل المحاصيل وتناقص مخزون الأسماك، أصبح لدى السكان خيارات أقل.

مهمة صعبة

يقرّ محمد علي، وهو أحد سكان «يختل» بالصعوبة، حيث يستيقظ كل يوم قبل الفجر للبحث عن الماء، وهي مهمة تستهلك صباحاته وتستنزف طاقته، كما أن رحلاته اليومية إلى نقاط المياه المشتركة محفوفة بعدم اليقين، هل سيجد ما يكفي من المياه لأسرته أم لا.

وفق المنظمة الدولية للهجرة، تفاقم الصراع من أجل المياه بسبب سنوات الحرب التي دمَّرت البنية الأساسية التي كانت ذات يوم حيوية للبقاء؛ لأن نظام المياه، الذي تم بناؤه في الأصل لخدمة 200 منزل، أصبح الآن ممتداً إلى ما هو أبعد من حدوده، في محاولة لتلبية احتياجات أكثر من 1500 أسرة، بما في ذلك مئات النازحين الذين هربوا من العنف في مناطق خطوط التماس بين القوات الحكومية والحوثيين.

البحث اليومي عن المياه يستهلك وقت الأسر وطاقتها لفترة طويلة (الأمم المتحدة)

من خلال إعادة تأهيل خطوط الأنابيب وبناء نقاط مياه جديدة، ساعدت تدخلات المنظمة الأممية في تخفيف العبء على الأسر وتخفيف الصراع على الموارد. كما يعالج المشروع المخاطر الصحية من خلال ضمان حصول كل من المجتمعات المضيفة والأسر النازحة على وصول موثوق به إلى المياه النظيفة.

وجزءاً من هذه الجهود في منطقة «يختل»، يتم توسيع شبكة توزيع المياه. ويشمل ذلك تركيب أنابيب أكبر وبناء مرافق تخزين مياه إضافية، وضمان توزيع العرض المحدود بكفاءة عبر المجتمع.

وبحسب المنظمة الأممية، تم إدخال أنظمة ضخ المياه بالطاقة الشمسية؛ مما يوفر مصدر طاقة مستداماً يقلل من الاعتماد على الوقود الباهظ الثمن وغير المتاح في كثير من الأحيان، ومساعدة المجتمعات على تحمل التقلبات الجوية المتطرفة مثل الفيضانات بشكل أفضل.

مساعدة على الصمود

تتضمن جهود منظمة الهجرة الدولية ترقية نظام المياه لتحسين قدرته على الصمود في مواجهة الفيضانات، والتخطيط بعناية لتجنب المناطق المعرضة للفيضانات وإنشاء تدابير وقائية، بالإضافة إلى ذلك، سيتم تركيب أجهزة تعقيم المياه بالكلور الأوتوماتيكية لتطهير المياه.

وبينما يتم إحراز تقدم في منطقة «يختل»، تستمر صراعات مماثلة في أجزاء أخرى من الساحل الغربي اليمني وفقاً للمجتمع الإغاثي، ففي مخيم للنازحين في حيس، يشارك سامي، وهو أب لاثني عشر طفلاً، قصة مألوفة عن المشقة، ويذكر أن معظم الأشخاص الذين يذهبون لجلب المياه هم من الأطفال؛ فهم لا يذهبون إلى المدرسة لأنهم مضطرون إلى المساعدة.

الجفاف يهدد مناطق واسعة باليمن مما يتسبب في شح المياه (إ.ب.أ)

تؤكد المنظمات الإغاثية أن عدم القدرة على الحصول على المياه النظيفة أدى إلى حرمان أطفاله من التعليم؛ مما أجبرهم على القيام بدورة من الأعمال المنزلية اليومية.

وبغرض معالجة النقص الحاد في المياه، تشرف منظمة الهجرة الدولية على بناء بئر جديدة من شأنها أن توفر مياه نظيفة وموثوقة لآلاف الأسر النازحة والمجتمعات المضيفة.

تجزم المنظمات الإغاثية أنه ومن خلال توفير هذا المصدر الثابت للمياه، سيتم تخفيف العبء المادي على الأسر وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالمياه الملوثة، لكن رغم ذلك، تظل التحديات هائلة، حيث يستمر تغير المناخ والأحداث الجوية المتطرفة في جميع أنحاء اليمن في تضخيم أزمة المياه؛ مما يزيد من ضغوط الصراع والنزوح.