مع تأكيد البنك الدولي أن اليمن من بين أكثر بلدان العالم فقراً في المياه؛ حيث لا يحصل 18 مليون نسمة من سكانه على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي الآمنة، أظهرت خطة استراتيجية وضعتها الحكومة اليمنية أن تحلية مياه البحر الخيار الأنسب لمواجهة العطش.
البيانات الحكومية أكدت تأثر جميع المناطق الزراعية بظروف الجفاف، مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة خلال الأعوام الماضية، وارتفاع نسبة التصحر من 90 في المائة عام 2014 إلى 97 في المائة عام 2022، مما أدى إلى خسارة سنوية تتراوح بين 3 و5 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة.
وقدّرت تكلفة تغير المناخ في قطاع الزراعة بأكثر من 64 في المائة من إجمالي خسائر الاقتصاد اليمني، كما قدر حجم الأراضي المتدهورة من التقلبات المناخية بـ5.6 مليون هكتار؛ أي بنسبة تصل إلى 12.5 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية.
وفي إطار مواجهة التغيرات المناخية، أكدت الحكومة أنها شرعت في اتخاذ عدد من الإجراءات والمعالجات، وبدأت في تنفيذ مشاريع عدة ممولة من المانحين على شكل مساعدات أو منح من الدول الصديقة والصناديق التمويلية، للتخفيف من تفاقم آثار تغير المناخ على الأمن الغذائي، وأيضاً بتدخلات مختلفة في تحسين إدارة المياه وتدابير الحفاظ عليها والاستثمار في البنية التحتية لها.
تجميع مياه الأمطار
من بين المشاريع التي تعمل عليها الحكومة اليمنية، أنظمة تجميع مياه الأمطار وشبكات الري الصغيرة، وتعزيز توافر المياه للزراعة، وممارسات كفاءة المياه وتثقيف المزارعين حول الاستخدام المستدام للمياه، وإنشاء أنظمة إنذار مبكر والاستثمار في تحسين قدرات مراقبة الطقس والتنبؤ به، ونشر الإنذارات للمزارعين والمجتمعات الضعيفة، وتقليل الوقود الأحفوري فيما يتعلق بالانبعاثات وغازات الاحتباس الحراري.
وإلى جانب ذلك، وضعت وزارة المياه والبيئة اليمنية الاستراتيجية الوطنية لاستغلال المصادر المائية غير التقليدية خلال فترة زمنية تمتد حتى عام 2035.
وأكدت الاستراتيجية أن البلاد تواجه مشكلة حقيقية؛ وتحديداً في تأمين مياه الشرب الكافية كماً والملائمة نوعاً للسكان في معظم المدن الحضرية والثانوية والقرى الريفية والتجمعات السكانية الثابتة وللنازحين والبدو الرحل، لا سيما أن كثيراً من الأحواض المائية في البلاد تتعرض للإجهاد أو الضغط المستمر على مخزونها المائي، نتيجة للسحب الجائر والمتواصل منها.
ووفق هذه الاستراتيجية التي ستنفذ خلال فترة 13 عاماً؛ فإن انخفاض معدل هطول الأمطار والسيول بسبب التغير المناخي المتأثر بارتفاع درجة حرار الجو، والذي ازداد في السنوات الأخيرة، أدى إلى ضعف التعويض أو التغذية المائية الطبيعية، حيث إن معدل المياه المتجددة لا يزيد على 2.5 مليار متر مكعب في السنة، في حين أن الأحواض والمصادر المائية الحالية، والمعتمد عليها في إمداد سكان البلاد بمياه الشرب، تتسم بالهبوط السنوي الملحوظ في مناسيب مياهها، وتدهور ملحوظ في نوعيتها أو جودتها.
ونبهت الاستراتيجية اليمنية إلى ضرورة تحسين نوعية المياه عبر التفكير في الاستفادة من بدائل المصادر المتاحة غير التقليدية، وأهمها مياه الصرف الصحي أو مياه البحار، وفقاً لنتائج وتوصيات دراسات «منظمة الفاو» (2022) وغيرها من أبحاث ودراسات علمية في هذا المجال.
وذكرت أن «الاستراتيجية العربية للمياه» والتي نوقشت من قبل مجلس جامعة الدول العربية وعممت على كل الدول العربية، تُوصي جميع الدول العربية بضرورة الانتقال إلى المسار غير التقليدي.
مياه البحر هي الحل
ويرى معدو الاستراتيجية أن التوجه نحو تحلية مياه البحر بوصفها مصدراً بديلاً غير تقليدي للمياه هو الأفضل؛ لأن البلاد تقع على شريط ساحلي لثلاثة بحار، لا يقل طوله عن 1.800 كيلومتر، ويمتد من مديرية حوف شرقاً في محافظة المهرة إلى مدينة ميدي غرباً في محافظة حجة، كما يوجد على هذا الشريط الساحلي عدد من المدن الحضرية الكبيرة؛ أهمها عدن والمكلا والحديدة... وغيرها من المدن الثانوية والقرى المتوسطة أو صغيرة الحجم السكاني، وتجمعات سكانية ريفية منتشرة على امتداد ذلك الساحل.
ولتعزيز هذا الخيار أكدت الاستراتيجية أن كل هذه التجمعات السكانية تعاني من أزمة مستمرة في خدمات إمدادات مياه الشرب، وبالذات مدينة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد التي يجري تموينها حالياً بمياه غير كافية ونوعية ليست بالجودة المطلوبة لأغراض الشرب.
ووفق الرؤية الحكومية اليمنية، فإن تنفيذ مشروعات التحلية في المناطق والمدن الساحلية سيحقق ويؤكد ترابط العلاقة بين مثلث الطاقة والغذاء والمياه، لا سيما أن طاقة الشمس والرياح ستوفر ظروفاً أفضل للحصول على المياه الملائمة لكل الساكنين في المناطق الساحلية، وسيجري تأمين استقرار جيد للصيادين لتوفير الغذاء الأزرق للأسماك بوصفها جزءاً أساسياً من وجبة الغذاء اليمني.
وأقرت الاستراتيجية بحدوث عجز في تلبية الطلب على إمدادات المياه في العام الأول بمحافظة عدن وحدها بحدود 39.12 مليون متر مكعب، قبل أن يرتفع ليصبح في نهاية الخطة عند نحو 55.5 مليون متر مكعب، وقالت إن هناك فجوة كبيرة في إمدادات المياه، وإنه يصعب ردمها من المصادر التقليدية الحالية، مما يلزم الاستفادة من المصادر المائية غير التقليدية؛ وأهمها تحلية مياه البحر، ومعالجة مخرجات مياه الصرف الصحي للسكان.
ولتحقيق ذلك على أرض الواقع، طالبت وزارة المياه والبيئة في اليمن بتأمين ما يمكن توفيره من تمويل مالي؛ وذلك للمسارعة في البدء بالتخطيط اللازم لتوريد وإنشاء وتشغيل محطة تحلية في محافظة عدن، بوصفها مشروعاً نموذجياً ريادياً؛ لأنه في حال نجاحه، فستعمم هذه التجربة تدريجياً لتشمل بقية المدن الحضرية الواقعة على ساحل البحر والتي تعاني من شح في إمدادات المياه لسكانها، وتشييد محطات تحلية بالتدريج ووفقاً للتمويلات المتاحة.