«تيلوسا»... مدينة طوباويّة في قلب الصحراء

«معيار عالمي» لحياة ساكنيها المتعددي الأجناس والثقافات

«تيلوسا»... مدينة طوباويّة في قلب الصحراء
TT

«تيلوسا»... مدينة طوباويّة في قلب الصحراء

«تيلوسا»... مدينة طوباويّة في قلب الصحراء

كبُر مارك لوري وهو يحلم بأن يصبح مزارعًا – وزاهيًا بفكرة «الشيء الذي ينمو من لا شيء». ويسعى الملياردير (50 عامًا) الذي شغل منصب الرئيس السابق لتجارة وول مارت الإلكترونية وشارك في تأسيس موقعي «جيتز.كوم» و«دايبرز.كوم»، إلى قيادة وضع اللّبنات التأسيسيّة لـ«تيلوسا»، المدينة الطوباوية الصحراوية التي أُعلن قبل فترة.
مدينة صحراوية عصرية
من المتوقّع أن تُبنى «تيلوسا» في منطقة أبالاشيا أو في الصحراء الأميركية الغربية وفقًا لخططٍ مطوّرة تركّز على الشمول الاجتماعي بدل التقسيم، إذ يرى لوري أن «تيلوسا» ستؤمّن عناية صحيّة وتعليما ممتازا وبيئات آمنة للعائلات بصرف النظر عن مداخيلها، حتّى إنّه يسعى إلى جعلها وجهةً للسكن المتنوّع لجهة العرق والجنس والدين والتوجهات السياسية.
ولكن عند سؤال «كيف» نبني «مدينة المستقبل»، نصطدم بإجابات خطيرة ومعقّدة. يشدّد الخبراء والباحثون على أنّ كثيرا من العقبات المالية قد تقف في طريق هذا المشروع. فقد حاججت دراسة صادرة عام 2014 بأنّ «إمكانية تحقيق المدن الصديقة للبيئة لأهدافها الطوباوية قد تكون محدودة وتصطدم بحقائق تطبيقيّة يفرضها المحيط التخطيطيّ التجاريّ المدفوع بالربحيّة».
هنا، يشعر لوري أنّ «تيلوسا» ستكون مختلفة. يتحدّر اسم «تيلوسا» من المصطلح الإغريقي القديم «تيلوس» ومعناه «الهدف الأعلى». يبدو الفنّ التصوّري لمشروع «تيلوسا» وكأنّه مستوحى من فيلم خيالٍ علمي لأنّ كلّ شيءٍ فيه يعمل بالطّاقة الشمسية إلى جانب سيّاراتٍ آليّة ووسائل نقلٍ عامّة شديدة السرعة. وستتولّى تصميماتها الداخلية «بياركي إنغلز غروب»، الشركة نفسها التي صمّمت مقرّات غوغل وآبل الرئيسيّة. وتمتدّ المدينة الطوباوية على مساحة 150 ألف أكرة (الأكرة 4000 متر مربع تقريبا) من هندسة العمارة الصديقة للبيئة وتضمّ ناطحة سحاب تحمل اسم «برج المساواة».
روّجت عناوين الإعلان عن «تيلوسا» الشهر الفائت لحاجة المشروع لــ400 مليار دولار، أي المبلغ المطلوب لرفع أساساته والذي يحتاج لمساهمة مستثمرين كبار. تبدأ أهداف لوري الطموحة بمرحلة أولى تضمّ 50 ألف وحدة سكنية تصبح جاهزة بحلول 2030، ولكنّ التشكيك بنجاحها ليس خجولًا.
«معيار عالميّ للحياة»

يروّج موقع «تيلوسا» الرسمي لوحدات سكنية متصلة دائمًا بالمجتمع والطبيعة تعتمد «معيارًا عالميًا للحياة» يهدف إلى تعزيز «الطاقة البشرية». يقول لوري إنّه «لا يريد أن يكون حاكم هذه المدينة لأنّها أشبه بخدمة عامّة. أريد أن أمنحها مكانًا لتنمو وتزدهر لأنّ القصد منها ليس بناء مدينة خاصّة، بل مدينة للجميع بأسلوب حياة مبتكر».
- ملكية شخصية وجماعية. يطلق لوري على نموذجه اسم «المساواة» لأنّه سيتيح لأيّ إنسانٍ يعيش في «تيلوسا» أن يبني منزله ويبيعه شرط أن تحتفظ المدينة بملكيّة الأرض التي بُني عليها.
ينطوي هذا النوع من النماذج الاقتصادية على كثير من التعقيد ولكنّه حقّق نجاحًا في أماكن أخرى. طُبّق مبدأ الأرض المملوكة من المجتمع على نطاقٍ واسعٍ في سنغافورة حيث تملك الحكومة 90 في المائة من أراضي البلاد التي تعيد استثمار عائداتها لمصلحة المواطنين.
ويشرح لوري أنّ «الهدف الوحيد من بناء مدينة في الصحراء سيكون تمليكها للمجموعة التي تقطنها التي ستأخذ كلّ خيرات الأرض وتعيد تقديمها للمواطنين. تذهب الضرائب المدفوعة في هذه الحالة لتطوير بنى المدينة التحتيّة كالطرقات والأنفاق والجسور، وهكذا يكون الجميع على دراية تامّة بوجهة الأموال التي يدفعونها».
- سكان «تيلوسا». لم تحدّد بعد عملية اختيار أوّل 50 ألف قاطنٍ في «تيلوسا» ولكنّه سيحصل على الأرجح من خلال تقديم طلبات. هنا، يعد لوري النّاس بشيءٍ واحدٍ وهو أن يشمل هؤلاء السكّان جميع الأعراق والأجناس والميول الجندرية والأديان لأنّ هذا الأمر أولويّة بالنسبة له. وكشف لوري أنّ إطار العمل مع «المستوطنين» الأوائل سيوضع بمساعدة فريقه الذي يضمّ 50 متطوّعًا وموظفًا يتنوّعون بين مهندسين معماريين ومؤرخين وباحثين وعلماء اقتصاد ومبدعين ومصمّمين ومهندسين وخبراء مناخ. يأمل لوري أن يتيح نموذج المساواة للنّاس قيادة ابتكار ثقافة المدينة وإضفاء التنوّع عبر الاحترام والنظام العادل مع بداية المرحلة الأولى في 2030. وقال لوري: «كيف يصبح للمدينة روح؟ ليس بالأبنية والطرقات، بل بالقيم والقضية التي تدعمها هذه المدينة. نحن لا نعلم كيف تكون هذه الحياة بعد، ولكن نريد أن نعلم».
- تقنيات صحراوية. في المقابل، تحيط بهذا المشروع مخاوف كثيرة أبرزها تطوير نظامٍ مائيٍّ يكفي السكن في الصحراء. في هذا الشأن، يقول لوري: «يتطلّب هذا الأمر توظيف التقنية بأشكال جديدة حتّى تتمكّن المدينة من العيش بكميّة مياه أقلّ بـ80 في المائة من الكمية التي يستهلكها الناس اليوم. تخدم هذه الفكرة المستقبل الذي من المتوقّع أن يشهد شحًا في المياه».
ليست هذه المرّة الأولى التي يسعى فيها أحد الأثرياء لبناء مدينة طوباوية. فقد أعلن بيل غايتس عام 2017 عن خطط لبناء مدينة ذكية خارج مدينة فينيكس على مساحة ألفين وثمانمائة أكرة. وكان المليونير جيفري بيرنز قد اشترى أيضًا أرضًا بمساحة 67 ألف أكرة في نيفادا لبناء مدينة ذكيّة. ولكن لوري يعتبر أنّ رؤيته مختلفة.
* «يو إس آي توداي»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً