كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

تحقق المملكة خطوات تضعها في طليعة قادة الذكاء الاصطناعي عالمياً

من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)
من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)
TT

كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)
من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

مع تسارع المملكة العربية السعودية نحو تحقيق «رؤية 2030»، تحقق السعودية خطوات هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يضعها في طليعة القادة العالميين في التكنولوجيا والابتكار. يعتبر «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي وخلق منظومة ذكاء اصطناعي متكاملة وتعزيز الشراكات مع الجهات العالمية الرائدة في مجال التكنولوجيا.

استقلال الذكاء الاصطناعي

يقول خافيير ألفاريز، المدير العام الأول في شركة «FTI Delta»، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، إن الذكاء الاصطناعي يقع في صميم أهداف «رؤية 2030». ويضيف: «من تنظيم اللوائح إلى الشراكات، تلعب الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) دوراً حاسماً في وضع المبادئ التوجيهية وتعزيز التعاون وضمان إعطاء الأولوية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي».

ومع ذلك، فإن الاستقلال في الذكاء الاصطناعي لا يعني الانعزال، حسب قوله. أما داميلولا أوجو، رئيس مركز التميز في الذكاء الاصطناعي لمنطقة الشرق الأوسط في شركة «FTI Delta» فيشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية تحقيق التوازن بين الاعتماد على الذات والتعاون العالمي. ويقول إنه لكي تصبح السعودية قوة رائدة في الذكاء الاصطناعي «يجب عليها تنويع سلاسل التوريد والتعاون دولياً». ويردف بأن الشراكات مع الدول التي تقدم لوائح مرنة والاستثمارات في سلاسل التوريد الإقليمية «تقلل من الاعتماد على أي مزود واحد وتعزز المرونة في مواجهة الاضطرابات».

خافيير ألفاريز المدير العام الأول في شركة «FTI Delta» متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط)

بناء منظومة محلية قوية

تُعتبر رقائق الذكاء الاصطناعي العمود الفقري لاستراتيجية المملكة في الذكاء الاصطناعي؛ حيث تتيح تقنيات مثل المدن الذكية والمركبات ذاتية القيادة والأنظمة المالية القائمة على الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن الطلب العالمي على رقائق الذكاء الاصطناعي يفوق العرض بكثير، مما يترك السعودية معتمدة على الواردات من أميركا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا. يوضح أوجو أن تطوير بنية تحتية محلية لتصنيع الرقائق ليس فقط لتلبية الطلب، بل يتعلق بخلق وظائف وتحقيق الاستقرار لضمان استمرارية العمليات. تقود مبادرات مثل المركز الوطني لأشباه الموصلات وصندوق استثماري بمليار ريال سعودي الجهود لإنشاء منظومة متكاملة لرقائق الذكاء الاصطناعي.

وتتطلب طموحات السعودية لتوطين إنتاج الرقائق ترقية كبيرة في البنية التحتية. تتماشى هذه الجهود مع أهداف الطاقة المتجددة للمملكة، مما يجعلها وجهة مفضلة للصناعات التقنية العالية.

يقول ألفاريز إن مشاريع مثل مبادرة الهيدروجين الأخضر في نيوم ومدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك) «تظهر قدرة السعودية على توفير حلول طاقة مستدامة لتصنيع أشباه الموصلات». ويعتبر أن هذا يتماشى مع أهداف المملكة في الذكاء الاصطناعي والاستدامة. كما يجري معالجة أنظمة التبريد ومتطلبات الكثافة العالية للطاقة لإنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي من خلال تقنيات متقدمة. ويرى أوجو أن هذه الترقيات ليست فقط للتصنيع، بل لإنشاء منظومة ذكاء اصطناعي عالمية المستوى ستجذب الاستثمار والمواهب من جميع أنحاء العالم.

ويوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الاستثمارات لا تهدف فقط إلى تلبية الاحتياجات الحسابية التي تتطلبها الرقائق القوية لإنتاج الذكاء الاصطناعي التوليدي، بل تتعلق بمستقبل الذكاء الاصطناعي في المملكة وضمان تنافسيتها في سباق التكنولوجيا العالمي».

داميلولا أوجو رئيس مركز التميز في الذكاء الاصطناعي لمنطقة الشرق الأوسط في شركة «FTI Delta» متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط)

سلاسل التوريد والخبرة التقنية

رغم التقدم المحرز، يرى ألفاريز أن السعودية تواجه تحديات في توطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي. تشمل التحديات القيود على التصدير واختناقات سلاسل التوريد ونقص الخبرة التقنية.

ويؤكد على أهمية حدوث تطور في المشهد التنظيمي للذكاء الاصطناعي بسرعة توازي تطور التكنولوجيا. ويقول: «بينما وضعت السعودية الأساس بمبادئ الذكاء الاصطناعي، فإنها الآن تحتاج إلى سياسات واضحة وآليات حوكمة ومعايير لضمان النمو المستدام».

لمعالجة فجوة المواهب، أطلقت المملكة مبادرات مثل برنامج تنمية القدرات البشرية. وتوفر شراكات مع صانعي الرقائق العالميين مثل «إنتل» و«شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة» (TSMC)، إلى جانب التعاون مع الجامعات الرائدة من خلال برامج تدريب ومنح دراسية لتطوير قوة عمل ماهرة.

«FTI Delta»: تطوير بنية تحتية محلية لتصنيع الرقائق ليس فقط لتلبية الطلب بل يتعلق بخلق وظائف وتحقيق الاستقرار (شاترستوك)

استقلال الذكاء الاصطناعي والسيادة على البيانات

لا يتعلق استقلال الذكاء الاصطناعي بالابتكار فحسب، بل يتعلق أيضاً بحماية سيادة البيانات. تضمن الحلول المحلية للذكاء الاصطناعي بقاء البيانات الحساسة داخل المملكة، مما يتوافق مع اللوائح المحلية ويعزز الأمن.

يشدد ألفاريز على أن السيادة على البيانات أمر ضروري لكل من الحكومات والشركات. ويتابع: «من خلال تطوير القدرات المحلية للذكاء الاصطناعي، تستطيع السعودية خلق فرص عمل وتشجيع الابتكار وجذب الاستثمار، مع ضمان أمان البيانات».

كما تؤكد شراكات السعودية مع عمالقة التكنولوجيا العالميين مثل «مايكروسوفت» و«أوراكل» و«هواوي» التزامها ببناء منظومة ذكاء اصطناعي قوية. ويبرز توقيع شراكة مع «غوغل» خلال النسخة الثامنة من مبادرة مستقبل الاستثمار هذه الاستراتيجية. ويرى أوجو أن «هذه الشراكات تسهم في تسريع تحول المملكة إلى اقتصاد عالي التقنية».

تنظر السعودية إلى نفسها كلاعب محوري في منظومة الذكاء الاصطناعي العالمية، وهي مؤهلة لدعم منشآت تصنيع الذكاء الاصطناعي. يقول ألفاريز إن إطلاق المركز الوطني لأشباه الموصلات إشارة واضحة لطموحات السعودية في ذلك المجال. ويتابع: «من خلال جذب استثمارات تزيد على مليار ريال سعودي لتصميم الرقائق، تضع المملكة الأساس لاقتصاد تقني عالي التحول».

ويختم ألفاريز حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أن النهج السعودي نحو استقلال الذكاء الاصطناعي لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل يتعلق بتشكيل مستقبل يتماشى مع رؤية المملكة للاستدامة والأمن والازدهار الاقتصادي.


مقالات ذات صلة

هدايا لعشاق الألعاب الإلكترونية

تكنولوجيا جهاز «بلايستيشن 5 برو»

هدايا لعشاق الألعاب الإلكترونية

قد يكون من الصعب شراء هدايا لأصدقائك من عشاق الألعاب الإلكترونية المتمرسين فيها، فربما يمتلكون بالفعل اللعبة أو الأدوات المكملة لها، التي اشتريتها لهم أو ربما…

جيسون كاتشو (واشنطن)
تكنولوجيا «إيكو» من أمازون

أفضل مساعدات الصوت الذكية

تتحكم بالأجهزة الذكية الأخرى بأمر صوتي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا سماعات أذن لاسلكية حقيقية

سماعات أذن لاسلكية حقيقية

مصممة لمحبي الأنشطة الخارجية

غريغ ايلمان (واشنطن)
تكنولوجيا معالج «غوغل ويلو» الكمومي الأسرع بالتاريخ

أبرز المنجزات التقنية خلال عام 2024

انتهى عام 2024 الذي شهد كثيراً من المنجزات والأخبار التقنية على صعيد الأجهزة الشخصية وخدمات الذكاء الاصطناعي وشبكات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية…

خلدون غسان سعيد (جدة)
علوم اختبار تشخيص السكري يعتمد على تسجيل صوتي بسيطة مدته 25 ثانية (معهد لوكسمبورغ للصحة)

إنجازات 2024 العلمية: الذكاء الاصطناعي يقود «ثورة»... واكتشافات فلكية «غير مسبوقة»

حقبة من التحولات الكبيرة في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا والطب مع انتشار الذكاء الاصطناعي

محمد السيد علي (القاهرة)

«سبيس إكس» تختبر مركبة «ستارشيب» في نشر نماذج أقمار اصطناعية

صاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبيس إكس» (حساب الشركة عبر منصة «إكس»)
صاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبيس إكس» (حساب الشركة عبر منصة «إكس»)
TT

«سبيس إكس» تختبر مركبة «ستارشيب» في نشر نماذج أقمار اصطناعية

صاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبيس إكس» (حساب الشركة عبر منصة «إكس»)
صاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبيس إكس» (حساب الشركة عبر منصة «إكس»)

قالت شركة «سبيس إكس»، المملوكة لإيلون ماسك، اليوم الجمعة، إن رحلة الاختبار التالية لمركبة «ستارشيب» ستشمل أول محاولة للصاروخ لنشر حمولات في الفضاء تتمثل في 10 نماذج من أقمار «ستارلينك» الاصطناعية، وهذا يمثل دليلاً محورياً على قدرات «ستارشيب» الكامنة في سوق إطلاق الأقمار الاصطناعية.

وذكرت «سبيس إكس»، في منشور عبر موقعها على الإنترنت: «أثناء وجودها في الفضاء، ستنشر (ستارشيب) 10 نماذج لأقمار ستارلينك الاصطناعية تُماثل حجم ووزن الجيل التالي من أقمار ستارلينك الاصطناعية، بوصفه أول تدريب على مهمة نشر أقمار اصطناعية»، وفقاً لوكالة «رويترز».

ومن المقرر مبدئياً أن تنطلق رحلة مركبة «ستارشيب»، في وقت لاحق من هذا الشهر، من منشآت «سبيس إكس» مترامية الأطراف في بوكا تشيكا بولاية تكساس.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عادت المرحلة الأولى من صاروخ «سوبر هيفي» إلى الأذرع الميكانيكية العملاقة في منصة الإطلاق للمرة الأولى، وهذا يمثل مرحلة محورية في تصميمها القابل لإعادة الاستخدام بالكامل.

وحققت رحلة الاختبار السادسة للصاروخ، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، التي حضرها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، أهدافاً مماثلة للمهمة، إلى جانب عودة الصاروخ «سوبر هيفي» الذي اضطر للهبوط على الماء في خليج المكسيك بسبب مشكلة بمنصة الإطلاق.

ومركبة «ستارشيب» هي محور أعمال إطلاق الأقمار الاصطناعية في المستقبل لشركة «سبيس إكس»، وهو المجال الذي يهيمن عليه حالياً صاروخها «فالكون 9» القابل لإعادة الاستخدام جزئياً، بالإضافة إلى أحلام ماسك في استعمار المريخ.

وتُعد قوة الصاروخ، التي تتفوق على صاروخ «ساتورن 5» الذي أرسل رواد «أبولو» إلى القمر في القرن الماضي، أساسية لإطلاق دفعات ضخمة من الأقمار الاصطناعية إلى مدار أرضي منخفض، ومن المتوقع أن تعمل على توسيع شبكة «ستارلينك» للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية التابعة للشركة بسرعة.

ووقّعت شركة «سبيس إكس» عقداً مع إدارة الطيران والفضاء «ناسا» لإرسال رواد فضاء أميركيين إلى القمر، في وقت لاحق من هذا العقد، باستخدام مركبة «ستارشيب».

وأصبح ماسك، مؤسس شركة «سبيس إكس» ورئيسها التنفيذي، حليفاً مقرَّباً من ترمب الذي جعل الوصول إلى المريخ هدفاً بارزاً للإدارة المقبلة.