ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)
يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)
TT

ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)
يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

يشهد قطاع الترميز الطبي في المملكة العربية السعودية تحولاً جذرياً مدفوعاً بالتقدم التكنولوجي واعتماد حلول مبتكرة مثل اعتماد نظام تصنيف «AR-DRG» (المجموعات ذات الصلة بالتشخيص الأسترالي).

وفي عام 2024، أطلق مجلس الضمان الصحي مبادرات لتطبيق هذا النظام في قطاع الرعاية الصحية الخاص، وهو نظام تصنيف يُجمّع حالات المستشفيات بناءً على التشابه السريري واستهلاك الموارد؛ ما يُتيح ترميزاً أكثر دقة وتوحيداً للتشخيصات والعلاجات والإجراءات. وقد أدخلت وزارة الصحة هذا النظام لأول مرة أوائل عام 2010 من أجل توحيد عمليات الترميز والفوترة في جميع مؤسسات الرعاية الصحية العامة.

يمثل هذا التحول خطوة حاسمة نحو تعزيز كفاءة الرعاية الصحية ودقتها وشفافيتها المالية، وهو ما يتماشى تماماً مع «رؤية المملكة 2030».

طلال وصفي مدير تطوير الأعمال لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة «سولفنتوم» متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (سولفنتوم)

تطور الترميز الطبي في السعودية

شهد الترميز الطبي في المملكة تقدماً من العمليات اليدوية إلى نهج رقمي وأكثر تنظيماً. يقول طلال وصفي، مدير تطوير الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بشركة «سولفينتوم» في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» إن نظام «AR-DRG» يعد نقطة تحوّل في القطاع الطبي السعودي لتحسين توزيع الموارد وتعزيز مراقبة نتائج المرضى.

يشكّل الانتقال من الترميز اليدوي إلى أدوات الترميز الطبي المتقدمة حجر الزاوية في هذا التطور. تعالج هذه الأدوات التحديات الحرجة المتعلقة بالدقة والكفاءة والامتثال؛ مما يجعلها ضرورية للرعاية الصحية الحديثة.

ويوضح وصفي أن الانتقال إلى حلول الترميز المتقدمة، بما في ذلك الأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، يقلل من الأخطاء البشرية من خلال الأتمتة، ويضمن الامتثال للمعايير مثل «ICD-10» ويحسّن دقة الفوترة والسداد. ويتابع: «الأمر يتعلق بتحسين استغلال البيانات وإيجاد حلول قابلة للتوسع لمواكبة الطلب المتزايد في القطاع الصحي». ويعدّ أن هذا أمر حيوي للتوافق مع المعايير الوطنية والدولية. كما يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً تحولياً في الترميز الطبي، خصوصاً في تحقيق الامتثال للمعايير مثل «ICD-10-AM» و«ACHI/SBS». تدمج الأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي الإرشادات التنظيمية لضمان الترميز الدقيق والموحد؛ مما يعزز نتائج الرعاية الصحية.

حققت السعودية تقدماً كبيراً في الترميز السريري ويلعب نظام «AR-DRG» دوراً رئيساً في كلٍ من القطاعين العام والخاص (شاترستوك)

التحديات والحلول

على الرغم من فوائد أدوات الترميز المتقدمة، فإن تنفيذها ليس خالياً من التحديات. تواجه مقدمي الرعاية الصحية عقبات مثل جودة البيانات، ومقاومة الموظفين للتغيير، ومخاوف الامتثال.

ويشرح وصفي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تعتمد بشكل كبير على بيانات عالية الجودة وموحدة. تعاني الكثير من المؤسسات من البيانات غير المتناسقة أو غير المكتملة؛ مما قد يعيق فاعلية الذكاء الاصطناعي. ويرى أن التثقيف والتدريب هما أساس التغلب على هذه التحديات. وبالنسبة للحلول أيضاً، فإنها تشمل الاستثمار في «تنظيف البيانات» بهدف توحيدها ومواءمة السجلات الصحية الإلكترونية مع معايير الترميز.

كما تتضمن برامج تدريب شاملة للموظفين لتعريف الفِرق بالأدوات الجديدة، مع التأكيد على دور الذكاء الاصطناعي مساعداً وليس بديلاً. ويضمن الامتثال التنظيمي أن تتوافق حلول الذكاء الاصطناعي مع قوانين حماية البيانات المحلية والدولية.

التباين بين القطاعين العام والخاص

يقول طلال وصفي إن تبنّي أدوات الترميز المتقدمة يختلف بين القطاعين العام والخاص في المملكة. ويردف أنه بينما يستفيد القطاع الخاص من سرعة التنفيذ بفضل مرونة الميزانيات، يواجه القطاع العام تحديات تتعلق باتخاذ القرار المركزي وتعقيد الأنظمة. ويصرّح بأن المستشفيات الخاصة أسرع في تبني التقنيات الجديدة لتبسيط العمليات وتحسين الفوترة، «لكن (رؤية 2030) تدفع كلا القطاعين نحو التحديث».

تركز «رؤية 2030» على تحسين جودة الرعاية الصحية، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتسريع التحول الرقمي. وتشكل حلول الترميز الطبي المتقدمة جزءاً لا يتجزأ من هذه الرؤية، حيث تمكّن من تقديم تشخيصات دقيقة، وتحسين الكفاءة التشغيلية، ودعم اتخاذ القرارات القائمة على البيانات.

يضمن الترميز الدقيق قدرة مؤسسات الرعاية الصحية على تلبية متطلبات التدقيق وشركات التأمين والجهات الأخرى (شاترستوك)

الابتكارات المستقبلية في الترميز الطبي

من المتوقع أن يتشكل مستقبل الترميز الطبي في السعودية من خلال تقنيات ناشئة مثل الذكاء الاصطناعي و«معالجة اللغة الطبيعية» (NLP) والتطبيب عن بعد، على حد تعبير طلال وصفي. تعِد هذه الابتكارات بتحسين الكفاءة والدقة لتلبية الطلبات المتزايدة في القطاع. ويعمل الذكاء الاصطناعي على أتمتة العمليات، وتقليل الأخطاء، والتكيف مع الإرشادات المتطورة. كما تعمل «معالجة اللغة الطبيعية» على تحويل الملاحظات الطبية غير المنظمة إلى تنسيقات مُنظَّمة؛ مما يعزز اكتمال البيانات. وفي حين تقدم رؤى قابلة للتنفيذ لتحسين اتخاذ القرارات وتخصيص الموارد، يضمن الترميز الدقيق للاستشارات الافتراضية، مع دمج الرعاية الافتراضية بسلاسة في النظام الصحي.

هذا، ويحتاج العاملون في القطاع الصحي إلى فهم كيفية العمل جنباً إلى جنب مع هذه الأدوات لضمان الحفاظ على الدقة. ويشدد وصفي على أهمية تدريب «المرمزين الطبيين» على التعاون مع أنظمة الذكاء الاصطناعي لتعزيز كفاءة العمليات ودقتها. كما أن الترقية المستمرة تحافظ على مواكبة الفرق للمعايير الجديدة واللوائح.

وبينما تواصل المملكة السير على خطى «رؤية 2030»، فإن تبني حلول الترميز المتقدمة يعيد تشكيل كيفية إدارة الرعاية الصحية. من خلال مواجهة التحديات الحالية بحلول مبتكرة، والاستثمار في التدريب والبنية التحتية الرقمية، تمهد المملكة الطريق لنظام صحي عصري ومستدام.


مقالات ذات صلة

الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم

تكنولوجيا الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم (رويترز)

الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم

أظهر تقرير جديد أن أكثر من نصف مالكي الساعات الذكية يقولون إن هذه الأجهزة تجعلهم يشعرون بمزيد من التوتر والقلق بشأن صحتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

أفادت دراسة علمية حديثة بأن تناول المأكولات الغنية بالألياف يزيد من حماية الجسم من العدوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية

7 نصائح للرجال للياقة بدنية تتجاوز العمر

القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية ليتمتعوا بصحة أفضل يوماً بعد يوم وفي أي عمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الرمان يزود الجسم بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام (غيتي)

تحسين الكولسترول والوقاية من السرطان... فوائد هائلة لتناول الرمان يومياً

بتناول حبات الرمان يومياً تضمن أن تزود جسمك بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مريضة بسرطان الثدي (رويترز)

تقرير: النساء الشابات أكثر عرضة للإصابة بالسرطان من الرجال

تمثل حالة الأختين رورك ظاهرة منتشرة في الولايات المتحدة، وهي تشخيص المزيد من النساء الشابات بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم

الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم (رويترز)
الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم (رويترز)
TT

الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم

الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم (رويترز)
الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم (رويترز)

أظهر تقرير جديد أن أكثر من نصف مالكي الساعات الذكية يقولون إن هذه الأجهزة تجعلهم يشعرون بمزيد من التوتر والقلق بشأن صحتهم.

وتسمح الساعات الذكية للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم بمراقبة مستوياته باستمرار، وللأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الثاني بإدارة أي ارتفاعات في سكر الدم لديهم، من خلال تلقي تنبيهات على هواتفهم.

كما أنها قادرة على تتبع مستويات اللياقة البدنية، ومعدل ضربات القلب، وأنماط النوم، والسعرات الحرارية التي يحرقها الشخص يومياً.

إلا أنه -وفقاً لتقرير نشرته شركة أبحاث السوق «مينتل» Mintel، بعد استطلاع رأي أكثر من ألفَي مالك ساعة ذكية، فإن المراقبة المستمرة لحالة المستخدم الصحية، والإشعارات التي تصل إليه من هذه الأجهزة، قد تقلل من جودة حياة الأشخاص، من خلال جعلهم أكثر قلقاً.

وحسب صحيفة «التلغراف» البريطانية، فقد حثت شركة «مينتل» العلامات التجارية الرائدة للساعات الذكية، مثل «آبل» و«غارمين»، على تقديم خيارات أكثر دعماً للصحة لمستخدميها، مثل جعل تتبع الصحة وإرسال إشعارات بشأنها، إما أسبوعياً وإما عندما تكون هناك مشكلة خطيرة محتملة، مثل عدم انتظام ضربات القلب.

وقال جو بيرش، كبير المحللين في مجال التكنولوجيا والترفيه في «مينتل»: «إن المراقبة في الوقت الفعلي لمؤشرات الصحة يمكن أن يقلل عن غير قصد من جودة حياة المستخدم».

وأضاف: «بينما تقدم هذه الأجهزة رؤى صحية قيمة، فإن التدفق المستمر لهذه البيانات يمكن أن يرهق المستخدمين، مما يؤدي إلى إصابتهم بالتوتر والقلق الشديدين».

ومن جهتها، قالت البروفسورة سيسيليا ماسكولو، الأستاذة في قسم علوم الحاسب والتكنولوجيا في جامعة كامبريدج، إن الساعات الذكية هي أداة مفيدة بطبيعتها في توفير بيانات قيمة، ولكن الطريقة التي يتم بها إخطار المستخدمين بصحتهم تحتاج إلى التغيير.

ولفتت إلى الحاجة لمزيد من الأبحاث حول متى وكم مرة أسبوعياً يجب إرسال الإشعارات للمستخدمين.