ختام «منصة الشارقة للأفلام»: أسئلة المستقبل والجذور والمكان الآخر

وُزّعت الجوائز على صنّاع أفلام بينهم ثلاثة عرب

من فيلم نديم شوفي
من فيلم نديم شوفي
TT

ختام «منصة الشارقة للأفلام»: أسئلة المستقبل والجذور والمكان الآخر

من فيلم نديم شوفي
من فيلم نديم شوفي

في الطريق من الفندق إلى مطار الشارقة مع بدايات انفلاش الشمس، الأحد الفائت، جمعت الحافلة الفنان اللبناني نديم شوفي مع صاحبة السطور للعودة إلى بيروت. الكتيّب الموزّع على الصحافيين الوافدين إلى الإمارة لتغطية الدورة الرابعة من «منصة الشارقة للأفلام» (19 - 27 نوفمبر «تشرين الثاني») دلَّ على فيلم الشاب الجالس قرب النافذة، بأنه إماراتي. وفي حفل توزيع الجوائز داخل بيت عبيد الشامسي التراثي ليل السبت، كان الإعلان على هذا الشكل: «جائزة أفضل فيلم تجريبي قصير لـ(ما بين الخلود وتلبّد الغيوم)، إخراج نديم شوفي من لبنان»! يفسّر وقوعنا في لغط الهويات بأنّ حصوله على المركز الأول ضمن برنامج «فن جميل» للتكليفات الفنية بدبي، لتنفيذ الفيلم، بَصَمه بجنسية الدولة المُسهِّلة ولادة الأحلام.
زحمة في الطريق إلى المطار، ودردشة. نديم شوفي فنان تشكيلي، يهتم بالنحت والفيديوهات القصيرة ذات الأبعاد الثلاثة. يقدّم شريطاً شيّقاً (18 دقيقة) عن فداحة الوقت وشراهة الزمن. الإنسان طرف في معركة هائلة على مستوى الكوكب. فهو في قبضة تضيّق إحكامها على أنفاسه حتى تكاد تحوّله إلى آلة مبرمجة. أي خرق في سيستم حياته يحيله على مزيد من القلق والهواجس.
تُقلّد رئيسة «مؤسسة الشارقة للفنون» حور بنت سلطان القاسمي، ورئيس «مدينة الشارقة للإعلام» خالد المدفع، صنّاع الأفلام الفائزين، الجوائز. يؤكد نديم شوفي لـ«الشرق الأوسط» أنّه لم يعلم مسبقاً بالنتائج. اسمه أول عربي من ثلاثة يُذاع وسط الحضور وحماسة كاميرات الهواتف. وقد تفاجأ! شغفه في الفن التشكيلي المعاصر، لكنه يؤمن بأنّ الفنون شاسعة، ولا فارق في التعبير إلا باستخدام الأدوات.
رافقته فكرة الفيلم لسنة ونصف سنة، فخمّرها في رأسه. تطلّب تنفيذه نحو ستة أشهر لخلط الواقعية بالخيال العلمي والتجارب والبحث. لا أثر للبنان في الفيلم المُصمم بالغرافيك، ولا إشارة إلى هوية. هو صراع التكنولوجيا مع اللهاث الإنساني واليوميات المزدحمة. تتصدّر أسئلة مستقبل كوكب الأرض الواجهة الأمامية لشريط لا يحمل إجابات عن كل شيء. يضع الإنسان المسلوبة كينونته بفعل الهجمة الاستهلاكية المسيطرة، أمام مرافعة عنوانها الحرية. تصبح الحياة رهينة السيستم، عوض أن يكون السيستم ذاته في خدمة الحياة. حرب كونية غير متكافئة غايتها هزيمة الآدمي.
طالبُ هندسة كيميائية، تقوده المصادفات إلى الفن. يخبرنا أنه لم يهتم خلال معالجة الشريط بمسألتَي الخطأ والصواب: «أردتُ استفزاز المشاعر الإنسانية فيعيد الجمهور مراجعة المفاهيم المتعلقة بالوقت. تدّعي التكنولوجيا أنّها ستحل المشكلات وتصنع السعادة، لكنها سرعان ما تقع في الأفخاخ الكبرى المتعلقة بجدليات ساخنة كالعنصرية مثلاً خلال الإعداد لبصمات الوجه».
المدينة مغلقة في الشريط، فأين حرية الإنسان داخل العالم الجديد؟ يجيب بأنه يطرح إشارات مكثفة عن الهلاك اليومي ونمط العيش المرتكز على الإنتاج، من وجهة نظر رافضة لاستغلال الإنسان بذريعة العجلة الإنتاجية وجنون الوقت. ففي رأيه، ليس جذاباً أن يجد المرء نفسه في خضم دورة حياة أبدية ضمن نظام زمني صارم قائم على الساعة: «لا أتّبع اتجاهات آيديولوجية، بل أضع الجمهور أمام مشاعر طارئة، فيعيد التفكير بما سيكون عليه الكوكب بعد 40 سنة مثلاً، وهل ستظل مشاعر الحب والتفكير ذاتها أم ستتغيّر مع تغيّر النظرة إلى العالم؟».
يستعد لمعرض قريب في «مؤسسة بيروت للفن»، يُكمل فكرة الفيلم بمجسّمات. تضرّرت معدّات الصوت في زلزال بيروت، وأصيب الشاب اللبناني بقسوة الظروف دفعة واحدة، فنهض يتابع طريقه. تشجّعه الجائزة الأولى لفيلمه التجريبي الأول، وتجعله يتروّى للأفضل: «لم أفكر بعد في الفيلم المقبل. سأترك الأمور تنضج عوض دفعها رغماً عنها إلى الاكتمال».
جمالٌ عميق استحق جائزته كأفضل فيلم وثائقي طويل في عرضه الخليجي الأول بالشارقة: «الرقص مع رصاصة» للعراقي ضياء جودة (57 دقيقة). في لبنان، يلتهب نفس الجرح! جرح أن تكون ولا تكون، وأن تُمحى سنوات العمر على غفلة من الوجود الهش. يصفّق الحضور لشريط شارك في المسابقة الرسمية لـ«أيام قرطاج السينمائية»، يختزل الروح العراقية الحرّة خارج حتمية الموت. فمن خلال بطله، وبصوت كاتبه ومخرجه، يوجّه الشريط الفائز رسالة مدوّية رفضاً للمقتلة العراقية وإبادة الإبداع بذريعة تجريم الفن وتحريمه.
تتحوّل الرصاصة إلى فعلٍ معاكس للقتل، حين تصبح رغماً عنه، فرصة ثانية للحياة. فالبطل الراقص الذي يتلقّى رصاصة من متطرّفين لسحق روحه الفنية، يختار مكاناً آخر (السويد) للتحليق بروح طليقة، عصيّة على الخوف.
لنحو عشر سنوات، والمخرج المولود في بغداد، المتلقّي دروس السينما بجامعة الفنون الجميلة فيها، يصوّر صرخته. بدا في سباق مع الموت، فمَن يصل أولاً إلى خط النهاية، الفكرة أم الجسد المقتول؟ الإبداع أم الجنائز؟ كان ذلك وسط المفخخات اليومية والمجازر المتنقلة على أرض تغرق بالدماء. تأتي السينما كخلاص من مآسي القدر النازف. فالجسد الراقص في أرض آمنة، محاولة للملمة الخسائر والتعويض الأخير.
تُلمح لجنة التحكيم إلى أنّ الخيار لم يكن سهلاً لانتقاء الفائزين. ويتحدث خالد المدفع عن «الارتقاء في الصناعة السينمائية وتقديم رؤية فنية للواقع، لتعزيز مكانة الشارقة كقلب حاضن للمواهب». الموهبة العربية الثالثة التي حصدت جائزة «أفضل فيلم وثائقي قصير» جاءت من المغرب. يقدّم عبد الصمد المنتصر في فيلمه «قلب الشوف» (18 دقيقة) مقاربة لعلاقة الإنسان بالجذور المبلّلة بدمع التاريخ. فالصحراء الواقعة في جنوب المغرب، الناجية من حروب وندوب، تثقل سكانها حد عجزهم عن استعادة مرارات الماضي والقسوة الاجتماعية أمام الكاميرا، كأنّ فيهم ما يكبّلهم ويُسكت الآهات القديمة، فيجد المخرج نفسه أمام معالجة مغايرة لإشكالية ترميم الذاكرة وصلة الأمس باليوم.
وأيضاً، حصد «حريق في الجبال» إخراج أجيتبال سينغ، جائزة أفضل فيلم روائي طويل، «وخرافة مانيلا» إخراج جانوس فيكتوريا، جائزة أفضل روائي قصير. وفي القسم التجريبي، نال «حراس الخلود» إخراج أرستوتيليس ماراغكوس، جائزة أفضل فيلم تجريبي طويل. كذلك حصلت الثلاثية: «عضّيت لساني» إخراج نينا خدّة، و«زاهوري» إخراج ماري أليساندريني، و«الساعات» إخراج أجم أرسلاناي ويغيت تانل كاتشار، على تنويه خاص من لجنة تحكيم المهرجان المؤلفة من أكوسوا أدوما أووسو (صانعة أفلام)، وباني خوشنودي (فنانة وصانعة أفلام)، وطلال ديركي (صانع أفلام)، وخليل التنديري (فنان وصانع أفلام)، ولمياء جريج (فنانة وصانعة أفلام)، وريناتا سانتورو (رئيسة قسم برمجة الأفلام، مهرجان «جيورناته ديله أوتوري»)، وهالة لطفي (صانعة أفلام)، ومايك غودريدغ (منتج سينمائي)، وبيتينا شتاينبروغ (مديرة «كونست فيرسن» في هامبورغ).


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».