ينتاب جل الليبيين مشاعر متباينة، ما بين أمل بقرب إجراء أول انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد، وخوف من ضياع هذا الحلم الذي انتظروه طويلاً، بسبب ما يرونه «صراعاً محموماً على السلطة، تحتكم بعض أطرافه للبندقية، بدلاً من الحوار لترتيب البيت من الداخل».
وفيما تغادر بعض الشخصيات المشهد الانتخابي، وتُكرس أخرى وجودها بالداعية الانتخابية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها فقط، بدا المشهد محتقناً قبل 23 يوماً من إجراء الاستحقاق المُرتقب، وهو ما دفع المحلل السياسي عبد العظيم البشتي، إلى القول: «علينا ألا نفرط في التوقع، أو حتى الحلم بأن ليبيا ستتحول إلى دولة قانون ومؤسسات كما نحب، ما لم يتم سحب السلاح من كل الذين يستحوذون عليه، غرباً وشرقاً وجنوباً».
وتمسك البشتي بضرورة أن يكون السلاح «تحت سلطة قيادة سياسية منتخبة، بدلاً من أن يكون في قبضة قوى، همها فقط فرض سلطتها، والحفاظ على امتيازاتها الخاصة كما نرى الآن».
ومنذ غلق باب الترشح للانتخابات الرئاسية، وفتح باب الطعون نهاية الأسبوع الماضي، وليبيا تشهد حالات من الاحتكام للقوة والسلاح، تستهدف النيل من مرشحين لحساب خصومهم، فضلاً عن الاعتداء على مرشح رئاسي، وتوقيف مواطنين يدعمون سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي بمدينة سرت، إلى جانب بزوغ خطاب الكراهية بين السياسيين والإعلاميين على حد سواء.
ولم يقتصر العداء بين المعسكرين التقليديين في شرق ليبيا وغربها، بل توغل داخل المعسكر الواحد، وهو ما عكسته حالة التربص بين المرشح للرئاسة (المطعون في ترشحه) عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، والمرشح فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق، الذي شارك في استبعاد الأول من الماراثون الانتخابي، ما يفتح الباب، بحسب الباحث الليبي نعمان بن عثمان، «أمام سيناريو يتمثل في انهيار كل إنجازات عملية بركان الغضب».
و«بركان الغضب» عملية عسكرية دشنتها حكومة «الوفاق الوطني» السابقة، لمواجهة قوات «الجيش الوطني»، برئاسة المشير خليفة حفتر، واستهدفت اقتحام العاصمة طرابلس في الرابع من أبريل (نيسان) عام 2019.
من جانبه، لم يخف علي أمليمدي، المنتمي إلى مدينة سبها (جنوب)، مخاوفه، لكنه قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن عملية انتخاب رئيس ليبيا المقبل «تمثل أملاً كبيراً للمواطنين كافة، كي يعم الأمن والاستقرار البلاد».
وأمام هذه الأجواء المشحونة بـ«الغضب والتربص»، قال سياسيون ليبيون إنه من الضروري تحكيم لغة الحوار الآن، وليس التهديد بالقوة والسلاح وتوقيف الخصوم. وفي هذا السياق، ذهبت الدكتورة ربيعة عبد الرحمن، عضو «ملتقى الحوار السياسي»، إلى أن «الطعون الانتخابية لن تغير شيئاً؛ فالواقع لن يغيره إلا الحوار الذي ينتج عنه اتفاق سلام شامل، يضمن للجميع العيش وفق قواعد وأسس عادلة».
وقالت عبد الرحمن، النائبة البرلمانية عن طرابلس، إن «إشعال الأزمات في المدن الرئيسية لتصفية الخصوم، وتحشيد السلاح، ومنصات التواصل الاجتماعي والمحاكم والمال، واعتباره وسيلة لتحقيق العدالة، واستخدامه كأداة للاغتيال المعنوي وتقويض إرادة الشعب بالخطب الرنانة، وتوزيع صكوك الوطنية وفق الحاجة، لن يحقق لنا جميعاً أي فائدة»، مؤكدة أن الليبيين «لن يقبلوا من جديد أن يكونوا ضحايا للفائزين والخاسرين، ورهينة لتجارب القيادات الفاشلة، ووقوداً لعناوين بدون مشاريع».
ونوهت عبد الرحمن إلى أن الشعب يريد «شخصيات تتمتع بالحكمة والقوة لكي تحتوي جميع الليبيين، وتخفض صوت السلاح وخطاب الكراهية، وتتحدث عن حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية»، وانتهت قائلة: «لا نريد جماعة تقاتل من أجل امتلاك السلطة، ولا نريد دماءً أو مقابر، أو أزمات اقتصادية وسياسية وقانونية وأمنية. نريد دولة تتمتع بالهدوء والاستقرار، تحتوي الجميع دون تمييز».
وتحفل منصات التواصل الاجتماعي، وبعض الفضائيات الليبية في الداخل والخارج بصنوف من خطابات الكراهية، واتهامات بالفساد من موالين لمرشحين محتملين على منصب رئيس البلاد المقبل، على عكس ما يأمل كثير من المتابعين، وبهذا الخصوص قال محمد عمر بعيو، الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للإعلام: «كما أن القاضي لا يحكم في حالة الخوف، فإن الشعب كذلك لا يمكن أن ينتخب بعقلانية إذا كان في حالة خوف، مضافاً إليه المذلة واليأس».
ويتوقع ليبيون أن تتصاعد وتيرة الصراع، واللجوء بقوة إلى السلاح في قادم الأيام، حال إصدار المفوضية العليا للانتخابات القائمة النهائية للمرشحين على منصب الرئيس القادم، فور انتهاء مرحلة الاستئناف على الطعون، مطالبين بـ«تحرك دولي رادع لهذه التدخلات التي يتوقعون أنها ستفشل العملية الانتخابية».
الليبيون يتطلعون لرئيسهم المقبل... رغم خوفهم من إفشال الانتخابات
في ظل تصاعد خطاب الكراهية والاحتكام للعنف والإقصاء

ليبي يُظهر بطاقة الناخب التي تلقاها في مركز اقتراع بطرابلس (رويترز)
الليبيون يتطلعون لرئيسهم المقبل... رغم خوفهم من إفشال الانتخابات

ليبي يُظهر بطاقة الناخب التي تلقاها في مركز اقتراع بطرابلس (رويترز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة