مصر: «طريق الكباش الجديد» يرى النور غداً

في احتفال كبير بحضور السيسي

طريق الكباش ليلاً قبيل افتتاحه بساعات (وزارة السياحة والآثار المصرية)
طريق الكباش ليلاً قبيل افتتاحه بساعات (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT
20

مصر: «طريق الكباش الجديد» يرى النور غداً

طريق الكباش ليلاً قبيل افتتاحه بساعات (وزارة السياحة والآثار المصرية)
طريق الكباش ليلاً قبيل افتتاحه بساعات (وزارة السياحة والآثار المصرية)

تتوجه أنظار العالم مساء غد الخميس صوب مدينة الأقصر (جنوب مصر) لمتابعة حفل افتتاح طريق الكباش الأثري، وذلك بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعدد من الوزراء وممثلي البعثات الدبلوماسية العاملة في مصر.
يبدأ الاحتفال في الساعة السابعة والنصف مساء الغد، عبر موكب احتفالي يسير على طول الطريق من معابد الكرنك إلى معبد الأقصر في محاولة لإحياء عيد الأوبت، واحد من الأعياد والاحتفالات الدينية في مصر القديمة.
ويقول فتحي ياسين، مدير عام آثار البر الغربي بالأقصر، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «طريق الكباش هو المسار المقدس الذي يحكي كيف تتواصل الديانة المصرية القديمة عبر العصور، فتجد على جانبيه المسجد والكنيسة والمعبد»، مشيراً إلى أن «الطريق كان مساراً مقدساً لاحتفال ديني يمتد تاريخه إلى أكثر من أربعة آلاف عام، وهو عيد الأوبت».

بدوره يوضح الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، في بيان صحافي، أن «عيد الأوبت هو احتفال مصري قديم كان يُقام سنوياً في طيبة (الأقصر) في عصر الدولة الحديثة وما بعدها، وخلاله كان يتم نقل تماثيل آلهة ثالوث طيبة المكون من الإله آمون والإلهة موت وابنهما الإله خونسو داخل مراكبهم المقدسة في موكب احتفالي، من معبد آمون في الكرنك، إلى معبد الأقصر، حيث يلتقي المعبود آمون رع رب معابد الكرنك مع المعبود آمون رب معبد الأقصر، لإعادة تتويج الملك وتجديد شرعيته لحكم البلاد».
وشهدت الأقصر على مدار الأيام والأسابيع الماضية استعدادات كبيرة لتنظيم الاحتفال، ليكون مبهراً على غرار الاحتفال بنقل المومياوات الملكية والذي شهدته القاهرة قبل عدة شهور، وتأمل مصر أن يساهم الاحتفال في تنشيط حركة السياحة في المحافظة، والتي بدأت تنتعش فعلياً خلال الفترة الأخيرة، وشهدت زيادة في الإشغالات الفندقية بنسبة 20 في المائة، وفقاً للتصريحات الرسمية.

وعمل فريق مكون من 60 أثرياً و150 من المتخصصين في أعمال الترميم العلمي، إضافة إلى 300 من خرجي الآثار والمرممين، للانتهاء من ترميم الكباش الأثرية، على جانبي الطريق، بحسب ياسين.
ويوضح ياسين أن «الملكة حتشبسوت هي أول من أمر بإنشاء الطريق حتى تسير فيه المواكب الرمزية للآلهة في احتفال عيد الأوبت، حيث يخرج الموكب من معابد الكرنك ليصل إلى معبد الأقصر، ثم يدخل الموكب محملاً بالقرابين والورود إلى داخل بهو الأعمدة».
ويقول عبد البصير: «طريق الكباش، أو طريق (أبو الهول) بمعنى أدق، هو طريق يمتد بطول نحو 2700 متر، تصطف على جانبيه تماثيل أبو الهول برأس كبش، رمزاً للمعبود آمون رع، وأطلق المصري القديم على هذا الطريق اسم (وات نثر)، بمعنى (طريق الإله)».
بدأ إنشاء طريق الكباش في عهد الأسرة الثامنة عشر، نحو 1500 عام قبل الميلاد، واستمر العمل به حتى عهد الملك نختنبو، من الأسرة 30. عام 300 قبل الميلاد، ويعود تاريخ مشروع تطوير طريق الكباش إلى عام 2006 حيث بدأت وزارة الثقافة في ذلك الوقت مشروعاً لإحياء الطريق والكشف عن باقي التماثيل المدفونة تحت التعديات السكنية، وواجه المشروع عدداً من الصعوبات لإزالة التعديات السكنية التي تعيق استكمال الطريق، وتوقف المشروع بعد عام 2011. ثم أعيد استكماله من جديد عام 2017.



فيضُ الذاكرة يُجابه شحَّ المطر... الفلسطينية «بنت مبارح» تُقاوم بالموسيقى

تُعلن التزامها بنسق آخر من المعرفة يُعاش ولا يُدرَّس (صور «بنت مبارح»)
تُعلن التزامها بنسق آخر من المعرفة يُعاش ولا يُدرَّس (صور «بنت مبارح»)
TT
20

فيضُ الذاكرة يُجابه شحَّ المطر... الفلسطينية «بنت مبارح» تُقاوم بالموسيقى

تُعلن التزامها بنسق آخر من المعرفة يُعاش ولا يُدرَّس (صور «بنت مبارح»)
تُعلن التزامها بنسق آخر من المعرفة يُعاش ولا يُدرَّس (صور «بنت مبارح»)

تُفضّل الفنانة الصوتية والموسيقية الفلسطينية المعروفة باسم «بنت مبارح» اعتمادَ اسمها المسرحي، والابتعاد عن ذِكْر اسمها الحقيقي. وُلِد هذا الاسم من غياب المُعلّم؛ ذاك الغياب الذي شكَّل ملامح تجربتها، ليُصبح الاسم ذاته اعتراضاً صامتاً، وتوثيقاً حيّاً لواقع فنّي نشأ خارج أسوار المعهد، حيث يغيب المرشد الموسيقي، لتتقدَّم مساحاتٌ فارغة تُملأ بالتجريب. هو اعترافٌ شفّاف يحمل في جوهره تمرّداً: «أنا غير موسيقية»، تقولها لـ«الشرق الأوسط»، وكأنها تُعلن التزامها بنسق آخر من المعرفة، يُعاش ولا يُدرَّس.

ممارسات «بنت مبارح» تنتمي إلى حقل الصوت والفعل، مُتجذِّرةً في البحوث، والتقاطُع مع التراث الشعبي الفلسطيني، حيث تُعاد قراءة الدلالات عوض استنساخها. التقيناها في فترة الاستراحة بين الجلسات الحوارية ضمن برنامج «مفكرة أبريل» التابع لبينالي الشارقة، وهناك شدَّدت على ابتعادها عن التقنية الأكاديمية. فنُّها وليد التجربة، يستغني عن المنهج؛ ووليد احتكاك دائم مع الذاكرة، والواقع. تقول: «نحاول إيجاد ديمومة للتراث الفلسطيني عبر التجريب، لا عبر التقليد. نقرأ التراث، ونحاوره، عوض أن نُعيد تمثيله فقط».

اسمها توثيق حيّ لواقع فنّي نشأ خارج أسوار المعهد (صور «بنت مبارح»)
اسمها توثيق حيّ لواقع فنّي نشأ خارج أسوار المعهد (صور «بنت مبارح»)

في عرضها، «طوفان الطقوس»، تُقدّم مقطوعات صوتية وموسيقية مُستَلهمة من الفولكلور الفلسطيني المُرتبط بالماء. عرضٌ يقف في وجه الإبادة، سواء كانت جينية، بيئية، أو معرفية. تُسائل من خلاله العلاقة الحميمة بين الصوت والماء؛ تلك الأغنيات التي رافقت مواسم المطر والاستسقاء، والتي كانت تُغنَّى تبجيلاً، وتوسّلاً، ومقاومة. عبر أغنيات البحر، وأغنيات المطر، والشهادات الحيّة، والمقاطع الأرشيفية، تتأمّل الفنانة في البُعد السياسي والشعري لهذه التقاليد، وترى في الأغنية وسيلة تعليمية مشبَّعة بالحكمة البيئية، وفي المسطحات المائية، شاهدةً حيَّة على ذاكرة جمعية.

سردية شحّ المياه في فلسطين محور أغنياتها (صور «بنت مبارح»)
سردية شحّ المياه في فلسطين محور أغنياتها (صور «بنت مبارح»)

نسألها عن ارتباطها بأغنيات الماء، فتعود إلى سردية شحّ المياه في فلسطين؛ تلك التي روَّج لها الاحتلال في إطار السردية الاستعمارية، حتى أصبحت كأنها واقعٌ غير قابل للجدل: «من خلال أغنيات الاستسقاء، نفهم أنّ الاحتلال الإسرائيلي ليس مَن يُخبرنا ماذا يحدث في أرضنا؟ ولا هو مَن يسأل، أو يُحصي نسبة المتساقطات كلّ عام. لسنا بحاجة إلى منطقه كي نعرف أرضنا. الماء هو مفتاح موسيقاي».

تفتح «بنت مبارح» أبواب الأسئلة: «هل نحن حقاً في أزمة شحّ مياه؟ أم أنّ ذلك ما يريد لنا الاحتلال أن نُصدّقه؟ كيف يكون هناك شحّ والمستوطن يسيطر على برك المياه؟ كيف يُحدِّث الناس عن الجفاف، وهو مَن ينعم بمزارع المانجو مثلاً؟».

ترفض الاستقلالية المسروقة حتى في زراعة حديقة المنزل (صور «بنت مبارح»)
ترفض الاستقلالية المسروقة حتى في زراعة حديقة المنزل (صور «بنت مبارح»)

تؤمن بأنَّ في الغناء تكمُن أشكال حوكمة فلسطينية أصلانية، تتحدَّى هذه السرديات من جذورها. وتسترجع صلاة الاستسقاء في قريتها القريبة من نابلس، الهادفة إلى إعادة التوازن في توزيع المطر، فتُشير إلى أنّ هذه الممارسات موثَّقة في الأغنيات الشعبية، وهي تحفظ ذاكرةَ الشكّ بواقع مفروض، يُقال إنه «شحّ»، لكنها تراه بنظرة أخرى. تروي: «حين زرتُ بلدات في فلسطين، وسألتُ نساءً عن أغنيات الاستسقاء، وجدتُ أنّ هذه الأغنيات ترتبط بمواقع جغرافية محدّدة جداً. يعنيني المطر، ويُشكل محور ذكرياتي، كما ظلَّ شاغلي منذ الطفولة. كبرتُ وسردية الاحتلال لا تفارقني: ممنوع تجميع الأمطار في مناطق (باء) و(جيم)، بينما في مناطق (ألف)، المحدودة فقط في الضفة الغربية، يُسمح بذلك. لقد سُرِقت استقلاليتنا، حتى في زراعة حديقة المنزل».

شغلها المطر منذ الطفولة (صور «بنت مبارح»)
شغلها المطر منذ الطفولة (صور «بنت مبارح»)

ترعرعت في فلسطين، وتقيم اليوم في لندن، لكنها تَحفُر دائماً نحو تلك المعلومات الدفينة التي لا تظهر في الوثائق الرسمية. فما تصنعه «بنت مبارح» هو «خريطة مؤدّاة»، لا تُقرأ في الكتب، ولا تُرسم على الورق، وإنما تنبض في الذاكرة، ونَفَس العيش. تقول: «هذه الخريطة كانت مفاجأتي الكبرى خلال بحثي، فقد تعلّمتُ منها كيف نُحاكي المطر، وكيف نحكم ونُطالب بالعدل في توزيع المياه. إنها خريطة نرسمها بغنائنا، بصوتنا، بجغرافيتنا التي لا تنفصل عن أجسادنا».

في فنّها، يتجسّد الموقف عبر الارتجال. ترفض التسجيلات الثابتة، وتصرُّ على الغناء المباشر، كونه نوعاً من التوثيق الحيّ، إلى درجة أن يصبح الصوت ذاته فعلاً سياسياً: «أحاولُ القول من خلال الغناء إنّ هناك إنساناً حيّاً يتقن الأداء، ويوثِّق عبر النَّفَس، لا عبر الميكروفون فقط. ما أبحث عنه هو توثيق حيّ يتجاوز الخيال التراثي. على المسرح، نُعلن وجودنا».

بصوتها، وارتجالاتها، وبإيمانها بأنّ الموسيقى يمكن أن تكون طريقة للعيش لا مجرَّد تقنية، تُعيد «بنت مبارح» تعريف المُعاصَرة الفلسطينية، حيث يتحوّل المطر إلى نغمة، والأغنية إلى مقاومة، والصوت إلى خريطة بديلة للوطن.