أزمات لبنان تقصي السيدات العاملات... والأولوية لمعيل الأسرة

TT

أزمات لبنان تقصي السيدات العاملات... والأولوية لمعيل الأسرة

لم تفاجأ سماح (35 عاماً)، وهي مزينة للشعر، بقرار صاحب صالون التجميل بالاستغناء عن خدماتها إلى جانب عاملات أخريات في المكان في شهر أغسطس (آب) الماضي، إثر تفاقم أزمة المازوت وارتفاع أسعاره، ليبقي على موظفتين فقط من أصل ست موظفات. صُرفت سماح، وهي أم لولدين وزوجة صاحب محل بقالة، من دون تعويض ولو لشهر واحد، وتجد نفسها اليوم من دون مدخول ثابت.
وسماح، واحدة من مئات اللبنانيات اللواتي تقلصت فرص العمل أمامهن منذ تفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث أقفلت العديد من المتاجر أبوابها، وتراجع الإنتاج في قطاعات عديدة من بينها قطاع الخدمات. وبلغت نسبة غير الناشطات اقتصادياً 75 في المائة، وهي في تزايد مستمر، بحسب ما جاء في تقريرين متكاملين أطلقتهما «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي في لبنان، وأشارا إلى أن «البلد يواجه تراكم أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، تفاقمت جميعها بسبب جائحة (كوفيد - 19)، فأنتجت معاناة إنسانية هائلة في كافة أنحاء لبنان».
تقول سماح لـ«الشرق الأوسط»: «تراجع عدد الزبونات بعدما رفع صاحب الصالون تسعيرته إثر ارتفاع أسعار المازوت وارتفاع أسعار الدولار مقابل الليرة، ومعظمهن كن يزرننا كل أسبوع لتصفيف شعرهن والاعتناء بأظافرهن وما إلى هنالك من خدمات نقدمها، لكنهن بالكاد أصبحت زياراتهن مرة في الشهر».
وتنسحب أزمة البلاد على ارتفاع أسعار التكاليف مقابل تراجع قيمة الرواتب. ولهذا السبب، اختارت سلمى، وهي مدرسة للغة العربية في إحدى المدارس الخاصة، أن «تبقى في البيت وتربي ابنتها وتهتم ببيتها»، بدلاً من الالتحاق بالعمل ودفع كامل الراتب كبدل انتقال.
تقول سلمى لـ«الشرق الأوسط» إن راتبها لا يتعدى المليوني ليرة (أقل من 100 دولار على سعر صرف السوق السوداء)، ورفضت المدرسة رفع راتبها، وتضيف: «راتبي لا يكفي بدل انتقال بعدما وصل سعر صفيحة البنزين إلى أكثر من 300 ألف ليرة لبنانية ناهيك عن الارتفاع الجنوني للأسعار، وأجرة حضانة ابنتي الصغيرة». وبحسبها، عندما بدأ العام الدراسي وعدتها المدرسة بزيادة بعد شهر إلا أنها تراجعت عن الوعود.
وفي هذا الإطار، توضح الخبيرة بقضايا الجندر عبير شبارو لـ«الشرق الأوسط» أنه في لبنان «هناك الكثير من العوائق التي أدت إلى ارتفاع نسبة العاطلات عن العمل منها فيروس (كورونا) والأزمة الاقتصادية».
وعن العوائق، تتطرق شبارو إلى العقلية الموجودة في لبنان وذهاب السيدات إلى اختصاصات غير مرغوبة في سوق العمل مثل الآداب والعلوم، لأنها تتناسب مع دورهن الإنجابي والعائلي الذي يمليه المجتمع عليهن. وتشير في الوقت نفسه إلى أن نسبة المتعلمات من النساء أعلى من نسبة الذكور المتعلمين بحسب دائرة الإحصاء المركزي.
وتشرح أن «معدل التوظيف لدى النساء اللبنانيات من خريجات الجامعات واللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و25 عاماً يكون أعلى من 65 في المائة، وهي النسبة الأعلى في البلدان العربية، ولكنها تتدنى عندما يصبحن بسن الزواج والإنجاب بحسب دراسة أجراها البنك الدولي عام 2020»، وتسلط الضوء على وجود مشكلة في لبنان تتمثل بترك النساء للعمل بعد الإنجاب. وتنقل شبارو عن الدراسة عينها أن «نسبة التوظيف لدى النساء تتدنى أكثر وأكثر في سن الـ40 - 44»، لافتة إلى أنه «العمر الذي يصبح فيه الأهل بحاجة إلى رعاية واهتمام».
ويتركز عمل النساء في لبنان في القطاع الخدماتي الذي يجذب 92 في المائة منهن، وهو القطاع الذي تعرض لانتكاسة كبيرة في 2019 بسبب تفشي فيروس «كورونا» والأزمة الاقتصادية، ما أدى إلى تخلي أصحاب العمل في هذا القطاع عن الموظفين، وتشرح: «بسبب العقلية في لبنان والميل إلى التفكير بأن الرجل هو معيل الأسرة لا المرأة، يميل أرباب العمل إلى التخلي عن النساء كخيار أول وإبقاء الرجال في مراكز عملهم على اعتبار أنهم المسؤولون عن أسرهم».
كذلك، تشدد شبارو على وجود قوانين مجحفة بحق النساء من قوانين العمل التي تميز في الأجور إلى قانون إجازة الأمومة التي يجب أن تكون إجازة أمومة وأبوة للسماح للام العاملة بالعودة إلى عملها بدلاً من الاستقالة.
وترى أن «لبنان اليوم يفتقر إلى الإرادة السياسية لوضع قوانين داعمة للمرأة، الأمر الذي يدفعنا إلى الوراء لأننا لم نقدر القيمة المالية لعمل النساء، وما زالت الرجعية تسيطر على العقول لناحية أن عمل المرأة مساعد وليس أساسياً».
وإذ شددت على ضرورة «الاعتراف بالعائدات الاقتصادية التي تستطيع المرأة تقديمها»، طالبت باستكمال الاستثمار بتعليم الإناث بتوظيفهن، داعية النساء اللواتي وصلن إلى مراكز القرار إلى «أن يكن دعامة للأخريات وفتح الأبواب لهن».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».