بدء تسوية أزمة احتجاجات الجمعة الدامية في العراق

الكاظمي يؤمن الاعتصامات... والخزعلي يقود خطوات التهدئة

TT

بدء تسوية أزمة احتجاجات الجمعة الدامية في العراق

بعد يوم دام أوقع قتلى وجرحى في العراق بدأت منذ أمس السبت مرحلة التسويات تمهيداً لترضية كل أطراف الأزمة بعد أن وصلت الرسائل التي أراد من يقف خلف المتظاهرين إيصالها إلى من يعنيهم الأمر. وأول من وصلت إليهم الرسائل الدموية زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي فاجأ الجميع بزيارة غير متوقعة إلى بغداد، فضلاً عن لقاءات هي الأخرى لم تكن متوقعة بدأها بزيارة زعيم حزب تقدم محمد الحلبوسي واستكملها مع زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي. الصدر استثنى من جدول لقاءاته أطرافاً أخرى بمن في ذلك الوفد الكردي الذي زار بغداد بالتزامن مع وجود الصدر والذي كان برئاسة هوشيار زيباري، القيادي البارز في الديمقراطي الكردستاني.
صحيح أن الوفد الكردي التقى الهيئة السياسية للتيار الصدري برئاسة حسن العذاري المكلف بشؤون المفاوضات مع القوى السياسية لكن طبقاً للبيان الصادر لم يترتب على هذا اللقاء أي مخرجات يمكن التعويل عليها. الأمر الوحيد اللافت في زيارة الوفد الكردي الأحادي الجانب إلى بغداد هو أنه كسر ما كان الكرد قد أعلنوه وعلى لسان هوشيار زيباري نفسه في حديث له لـ«الشرق الأوسط» حين قال: «لن نأتي إلى بغداد إلا كوفد كردي موحد من جميع الأحزاب الكردية». لكن مجيء الديمقراطي الكردستاني وحده دون شريكه الاتحاد الوطني الكردستاني وضع، طبقاً للمراقبين السياسيين، عدة علامات استفهام حول التفاهم بشأن منصب رئيس الجمهورية.
وطبقاً للمراقبين السياسيين فإن جولة وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تزامن مع اشتداد أزمة التظاهرات وبلوغها مرحلة الاصطدام المباشر مع القوات الأمنية وسقوط ضحايا ركل جانباً كل مشاورات تشكيل الحكومة بل وأدى إلى تعقيد الأزمة ورحل كل ما يمكن أن يحصل من اتفاقات إلى مرحلة ما بعد إنهاء أزمة ما ترتب على هذا الاحتكاك العنيف من نتائج.
زعيم التيار الصدري الذي كان في المنطقة الخضراء لحظة تزاحم المحتجين عند بواباتها مهددين باقتحامها قفل راجعاً إلى النجف قاطعاً أي مسار للمباحثات.
في غضون ذلك، بدأ مسار آخر للأزمة قاده هذه المرة رجلان. مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الذي بدا أنه تصرف بحزم حيال ما حصل، وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي بدا أنه الزعيم الفعلي لتحالف «الفتح» بعد أن تراجع دور زعيمه هادي العامري. فالوفود الحكومية الهادفة لحلحلة الأزمة برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي وقادة عسكريين كبار ذهبوا إلى الخزعلي لا إلى العامري. فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بحث مع الخزعلي تداعيات الأزمة لا مع العامري أو حتى نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون. أما الكاظمي، رئيس الوزراء فقد وجه من جانبه بتشكيل متقدم لتأمين منطقة الاعتصام قرب الجسر المعلق.
من جهته، يقول الدكتور حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء لشؤون إصلاح القطاع الأمني لـ«الشرق الأوسط» إن «الإجراءات التي اتبعت من القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في معالجة التظاهرات التي كانت قرب بوابة المنطقة الخضراء كانت حكيمة والتزمت بمبادئ الدستور العراقي بما يخص حرية التعبير وصيانة الحق الدستوري والالتزام من قبل القوات العراقية بلائحة حقوق الإنسان والممارسات المثلى لإدارة منطقة التظاهر والاحتجاجات».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.